صفحة جزء
[ ص: 576 ] ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة

في ثاني ربيع الأول منها كان دخول السلطان صلاح الدين إلى دمشق بعد عافيته ،
وكان يوما مشهودا كما جرت بمثل ذلك عادة الملوك ، واجتمع بالقاضي الفاضل وزاره واستزاره ، وفاوضه واستشاره ، وكان لا يقطع أمرا دونه ، ولا يخفي عنه مكنونه ، ولا ضميره ومضمونه ، ثم قرر السلطان في ملك دمشق ولده الأفضل عليا ، ونزل العادل أبو بكر عن حلب لصهره ، زوج ابنته الملك الظاهر غازي بن السلطان ، وأرسل السلطان أخاه العادل صحبة ولده عماد الدين عثمان الملك العزيز على ملك مصر ، ويكون العادل أتابكه ، وله أقطاع عظيمة جدا ، وعزل عنها نائبها تقي الدين عمر ، فعزم على الدخول إلى إفريقية ، فلم يزل السلطان يكاتبه ويتلطف به ويترفق له حتى أقبل بجنوده نحوه ، فأكرمه واحترمه وعظمه وأقطعه حماة وبلادا كثيرة معها - وقد كانت له قبل ذلك - وزاده على ذلك مدينة ميافارقين وامتدحه العماد الكاتب بقصيدة سينية سنية ذكرها في " الروضتين " .

وفي هذه السنة هادن قومص طرابلس السلطان وصالحه وصافاه ، حتى كان يقاتل ملوك الفرنج أشد القتال ويسبي منهم النساء والأطفال ، وكاد أن يسلم ولكن صده شيطانه ورماه بالخبال ، وكانت مصالحته من أقوى أسباب نصرة [ ص: 577 ] السلطان على الفرنج ، ومن أشد ما دخل عليهم في دينهم ودنياهم .

قال العماد الكاتب : وكان المنجمون في جميع البلاد يحكمون بخراب العالم في شعبان عند اجتماع الكواكب الستة في الميزان بطوفان الريح في سائر البلدان ، وذكر أن ناسا من الجهلة تأهبوا لذلك بحفر مغارات ومدخلات وأسراب في الأرض خوفا من ذلك . قال : فلما كانت تلك الليلة التي أشاروا إليها وأجمعوا عليها لم ير ليلة مثلها في ركودها وركونها وهدوئها وهدونها ، وكذا ذكر غير واحد من الناس ، وقد نظم الشعراء في تكذيب المنجمين في هذه الواقعة وغيرها أشعارا حسنة ، فمن ذلك قول عيسى بن مودود :


مزق التقويم والزي ج فقد بان الخفاء     إنما التقويم والزيج
هباء وهواء     قلت للسبعة إبرا
م ومنع وعطاء     ومتى ينزلن في المي
زان يستولي الهواء     ويثير الرمل حتى
يمتلي منه الفضاء     ويعم الأرض خسف
وخراب وبلاء     ويصير القاع كالق
ف وكالطود العراء     وحكمتم فأبى الحا
كم إلا ما يشاء     ما أتى الشرع ولا جا
ءت بهذا الأنبياء      [ ص: 578 ] فبقيتم ضحكة يض
حك منها العلماء     حسبكم خزيا وعارا
ما يقول الشعراء     ثم ما أطمعكم في ال
حكم إلا الأمراء     ليت إذ لم يحسنوا في الد
ين ظنا ما أساءوا     فعلى اصطرلاب بطلي
موس والزيج العفاء     وعليه الخزي ما جا
دت على الأرض السماء

التالي السابق


الخدمات العلمية