صفحة جزء
وممن توفي فيها من المشاهير والأعيان :

القاضي الأسعد ابن مماتي : أبو المكارم أسعد بن الخطير أبي سعيد مهذب بن مينا بن زكريا بن أبي قدامة بن أبي مليح مماتي المصري ، الكاتب الشاعر ، أسلم في الدولة الصلاحية ، وتولى نظر الدواوين بمصر مدة .

قال ابن خلكان : له فضائل عديدة ، ومصنفات كثيرة ، ونظم سيرة صلاح الدين ، وكتاب " كليلة ودمنة " ، وله ديوان شعر ، ولما تولى الوزير ابن شكر هرب منه إلى حلب فمات بها ، وله ثنتان وستون سنة ، فمن شعره في ثقيل رآه بدمشق :


حكى نهرين وما في الأر ض من يحكيهما أبدا     حكى في خلقه ثورى
وفي أخلاقه بردى

أبو يعقوب يوسف بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن عبد السلام اللمغاني ، أحد الأعيان من الحنفية ببغداد ، سمع الحديث ، ودرس بجامع [ ص: 7 ] السلطان ، وكان معتزليا في الأصول ، بارعا في الفروع ، اشتغل على أبيه وعمه ، وأتقن الخلاف وعلم المناظرة ، وقارب التسعين ، رحمه الله .

أبو عبد الله محمد بن محمد بن الحسين ، المعروف بابن الخراساني المحدث الناسخ ، كتب كثيرا من الحديث ، وجمع خطبا له ولغيره ، وخطه جيد مشهور ، رحمه الله تعالى .

أبو المواهب معتوق بن منيع بن مواهب ، الخطيب البغدادي ، قرأ النحو واللغة على ابن الخشاب ، وجمع خطبا كان يخطب منها ، وكان شيخا فاضلا أديبا ، له ديوان شعر ، فمنه قوله :


ولا ترجو الصداقة من عدو     يعادي نفسه سرا وجهرا
فلو أجدت مودته انتفاعا     لكان النفع منه إليه أجرا

ابن خروف شارح كتاب سيبويه : علي بن محمد بن يوسف أبو الحسن بن خروف الأندلسي النحوي ، شرح " سيبويه " ، وقدمه إلى صاحب المغرب ، فأعطاه ألف دينار ، وشرح جمل الزجاجي ، وكان يتنقل في البلاد ، ولا [ ص: 8 ] يسكن إلا في الخانات ، ولم يتزوج ولا تسرى ، وقد تغير عقله في آخر عمره ، فكان يمشي في الأسواق مكشوف الرأس توفي عن خمس وثمانين سنة .

أبو علي يحيى بن الربيع بن سليمان بن حراز الواسطي البغدادي اشتغل بالنظامية على ابن فضلان ، وأعاد عنده ، وسافر إلى محمد بن يحيى ، فأخذ عنه طريقته في الخلاف ، ثم عاد إلى بغداد ، ثم صار مدرسا بالنظامية ، وناظرا في أوقافها ، وقد سمع الحديث ، وكان لديه علوم كثيرة ، ومعرفة حسنة بالمذهب ، وله تفسير في أربع مجلدات كان يدرس منه ، واختصر تاريخ الخطيب والذيل عليه لابن السمعاني ، وقارب الثمانين . رحمه الله تعالى .

ابن الأثير صاحب جامع الأصول والنهاية :
المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد ، مجد الدين أبو السعادات الشيباني الجزري الشافعي المعروف بابن الأثير ، وهو أخو الوزير الأفضل ضياء الدين نصر الله ، وأخو الحافظ عز الدين أبي الحسن علي صاحب الكامل في [ ص: 9 ] التاريخ . ولد أبو السعادات المبارك في أحد الربيعين سنة أربع وأربعين وخمسمائة ، وسمع الحديث الكثير ، وقرأ القرآن الكريم ، وأتقن علومه وحرز علوما جمة ، وكان مقامه بالموصل ، وقد جمع في سائر العلوم كتبا مفيدة ، منها جامع الأصول الستة; الموطأ والصحيحان وسنن أبي داود والنسائي والترمذي ، ولم يذكر ابن ماجه فيه ، وله كتاب النهاية في غريب الحديث ، وله شرح مسند الشافعي ، والتفسير في أربع مجلدات ، وغير ذلك في فنون شتى .

وكان ، رحمه الله ، معظما عند ملوك الموصل ، فلما آل الملك إلى نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي ، أرسل إليه مملوكه لؤلؤا يعرض عليه أن يستوزره فأبى ، فركب السلطان إليه فامتنع أيضا ، وقال له : قد كبرت سني ، واشتهرت بنشر العلم ، ولا يصلح هذا الأمر إلا بشيء من العسف والظلم ، ولا يليق بي ذلك . فأعفاه .

قال أبو السعادات : كنت أقرأ علم العربية على سعيد بن الدهان ، وكان يأمرني بصنعة الشعر ، فكنت لا أقدر عليه ، فلما توفي الشيخ رأيته في بعض الليالي ، فأمرني بذلك ، فقلت : ضع لي مثالا أعمل عليه . فقال :


جب الفلا مدمنا إن فاتك الظفر

فقلت أنا :


وخد خد الثرى والليل معتكر

[ ص: 10 ]

فالعز في صهوات الخيل مركبه     والمجد ينتجه الإسراء والسهر

فقال : أحسنت . ثم استيقظت ، فأتممت عليها نحوا من عشرين بيتا . كانت وفاته في سلخ ذي الحجة عن ثنتين وستين سنة رحمه الله . وقد ترجمه أخوه في الكامل ، فقال : كان عالما في عدة علوم; منها الفقه وعلم الأصول والنحو والحديث واللغة ، وله تصانيف مشهورة في التفسير والحديث والفقه والحساب وغريب الحديث ، وله رسائل مدونة ، وكان مفلقا يضرب به المثل ، ذا دين متين ولزوم طريق مستقيم ، رحمه الله ورضي عنه ، فلقد كان من محاسن الزمان .

قال ابن الأثير : وفيها توفي :

المجد المطرزي النحوي الخوارزمي ، كان إماما في النحو ، له فيه تصانيف حسنة .

قال أبو شامة : وفيها توفي الملك المغيث فتح الدين عمر بن الملك العادل ، ودفن بتربة أخيه المعظم بسفح قاسيون .

والملك المؤيد مسعود بن صلاح الدين بمدينة رأس العين ، فحمل إلى [ ص: 11 ] حلب فدفن بها .

وفيها توفي الفخر الرازي المتكلم ، صاحب التفسير والتصانيف : محمد بن عمر بن الحسين بن علي القرشي التيمي البكري الإمام ، أبو عبد الله وأبو المعالي ، المعروف بالفخر الرازي ، ويقال له : ابن خطيب الري الفقيه الشافعي أحد المشاهير بالتصانيف الكبار والصغار نحو من مائتي مصنف; منها " التفسير الحافل " ، و " المطالب العالية " ، و " المباحث المشرقية " ، و " الأربعين " ، و " شرح الإشارات " ، وغيرها في علم الكلام ومذاهب الأوائل وأقوال الناس ، وله في أصول الفقه " المحصول " وغيره ، وصنف ترجمة الشافعي في مجلد مفيد ، وفيه غرائب ، وينسب إليه أشياء عجيبة ، وقد استقصيت ترجمته في " طبقات الشافعية " ، وقد كان معظما عند ملوك الخوارزمية وغيرهم ، وبنيت له مدارس كثيرة في بلدان شتى ، وملك من الذهب العين ثمانين ألف دينار ، وغير ذلك من الأمتعة والمراكب والأثاث والملابس ، وكان له خمسون مملوكا من الترك ، وقد كان يعقد مجلس الوعظ فيحضر عنده الملوك والوزراء والعلماء والأمراء والفقراء والعامة والغوغاء ، وكانت له عبادات وأوراد ، وقد وقع بينه وبين الكرامية في أوقات شتى ، فكان يبغضهم ويبغضونه ويبالغ في ذمهم ويبالغون في الحط عليه ، وقد ذكرنا طرفا من ذلك فيما تقدم ، وكان مع غزارة [ ص: 12 ] علمه في فن الكلام يقول : من لزم مذهب العجائز كان هو الفائز . وقد ذكرت وصيته عند موته ، وأنه رجع فيها إلى طريقة السلف ، وتسليم ما ورد على الوجه المراد اللائق بجلال الله تعالى .

وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة في الذيل في ترجمته : كان يعظ وينال من الكرامية ، وينالون منه سبا وتكفيرا ، وقيل : إنهم وضعوا عليه من سقاه السم فمات ففرحوا بموته ، وكانوا يرمونه بالكبائر . قال : وكانت وفاته في ذي الحجة ، ولا كلام في فضله ، وإنما الشناعات عليه قائمة بأشياء منها; قال محمد التازي - يعني العربي ، يريد به النبي صلى الله عليه وسلم يعني العربي ، وقال محمد الرازي - يعني نفسه ، ومنها أنه كان يقرر الشبهة من جهة الخصوم بعبارات كثيرة ، ويجيب عن ذلك بأدنى إشارة . قال : وبلغني أنه خلف من الذهب العين ثمانين ألف دينار غير ما كان يملكه من الدواب والثياب والعقار والآلات ، وخلف ولدين ، أخذ كل واحد منهما أربعين ألف دينار . وكان ابنه الأكبر قد تجند في حياته وخدم السلطان محمد بن تكش .

وقال ابن الأثير في " الكامل " : وفيها توفي فخر الدين أبو الفضل محمد بن عمر بن خطيب الري الفقيه الشافعي صاحب التصانيف المشهورة في [ ص: 13 ] الفقه والأصولين وغيره ، وكان إمام الدنيا في عصره .

وبلغني أن مولده سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة .

ومن شعره قوله :


إليك إله الخلق وجهي ووجهتي     وأنت الذي أدعوك في السر والجهر
وأنت غياثي عند كل ملمة     وأنت معاذي في حياتي وفي قبري

وروى ذلك ابن الساعي عن ياقوت الحموي ، عن ابن لفخر الدين عنه ، وبه قال : أنشدنا :


تتمة أبواب السعادة للخلق     بذكر جلال الواحد الأحد الحق
مدبر كل الممكنات بأسرها     ومبدعها بالعدل والقصد والصدق
أجل جلال الله عن شبه خلقه     وأنصر هذا الدين في الغرب والشرق
إله عظيم الفضل والعدل والعلا     هو المرشد المغوي هو المسعد المشقي

ومما كان ينشده في بعض مصنفاته :


نهاية إقدام العقول عقال     وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا     وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا     سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

ثم يقول : لقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية ، فلم أجدها [ ص: 14 ] تروي غليلا ولا تشفي عليلا ، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ، أقرأ في الإثبات الرحمن على العرش استوى [ طه : 5 ] إليه يصعد الكلم الطيب " فاطر : 10 " وفي النفي : ليس كمثله شيء " الشورى : 11 " هل تعلم له سميا " مريم : 65 " .

التالي السابق


الخدمات العلمية