[ ص: 79 ] ثم دخلت سنة ست عشرة وستمائة 
فيها 
أمر الشيخ محيي الدين بن الجوزي  محتسب بغداد  بإزالة المنكرات وكسر الملاهي ، ففعل ذلك هذه السنة ، ولله الحمد والمنة . 
ظهور  nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان  وجنوده وعبورهم نهر جيحون 
وفيها عبرت 
التتار  نهر جيحون صحبة ملكهم 
 nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان  من بلادهم ، وكانوا يسكنون 
جبال طمغاج  من أرض 
الصين ،  ولغتهم مخالفة للغة سائر 
التتار ،  وهم من أشجعهم وأصبرهم على القتال ، 
وسبب دخولهم نهر جيحون  أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان  بعث تجارا له ، ومعهم أموال كثيرة إلى بلاد 
خوارزم شاه  يتبضعون له ثيابا للكسوة ، فكتب نائبها إلى 
خوارزم شاه  يذكر له ما معهم من كثرة الأموال ، فأرسل إليه بقتلهم ، وبأخذ ما معهم ، ففعل ذلك ، فغضب عند ذلك 
 nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان  وأرسل يتهدد 
خوارزم شاه ،  فأشار من أشار على 
خوارزم شاه  بالمسير إليهم ، فسار إليهم وهم في شغل بقتال 
كشلي خان ،  فنهب 
خوارزم شاه  أموالهم ، وسبى ذراريهم وأطفالهم ، فأقبلوا إليه محروبين ، فاقتتلوا معه أربعة أيام قتالا لم يسمع بمثله ، أولئك يقاتلون عن حريمهم ، والمسلمون عن أنفسهم ، يعلمون أنهم متى ولوا استأصلوهم ، فقتل من   
[ ص: 80 ] الفريقين خلق كثير ، حتى إن الخيول كانت تزلق في الدماء ، وكان جملة من قتل من المسلمين نحوا من عشرين ألفا ، ومن 
التتار  أضعاف ذلك ، ثم تحاجز الفريقان ، وولى كل منهم إلى بلاده ، ولجأ 
خوارزم شاه  وأصحابه إلى 
بخارى  وسمرقند ،  فحصنها وبالغ في كثرة من ترك فيها من المقاتلة ، ورجع إلى بلاده ليجهز الجيوش الكثيرة ، فقصدت 
التتار  بخارى  وبها عشرون ألف مقاتل ، فحاصرها 
 nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان  ثلاثة أيام ، فطلب منه أهلها الأمان فأمنهم ، ودخلها فأحسن السيرة فيهم مكرا وخديعة ، وامتنعت عليه القلعة ، فحاصرها واستعمل أهل البلد في طم خندقها ، وكان 
التتار  يأتون بالمنابر والربعات ، فيطرحونها في الخندق يطمونه بها ، ففتحها قسرا في عشرة أيام ، فقتل من كان بها ، ثم عاد إلى البلد فاصطفى أموال تجارها ، وأباحها لجنده ، فقتلوا من أهلها خلقا لا يعلمهم إلا الله عز وجل ، وأسروا الذرية والنساء ، وفعلوا معهن الفواحش بحضرة أهليهن ، فمن الناس من قاتل دون حريمه حتى قتل ، ومنهم من أسر فعذب بأنواع العذاب ، وكثر البكاء والضجيج بالبلد ، ثم ألقت 
التتار  النار في دور 
بخارى  ومدارسها ومساجدها ، فاحترقت حتى صارت بلاقع خاوية على عروشها ، ثم كروا راجعين عنها قاصدين 
سمرقند  ، فكان من أمرهم . فيها ما سيأتي ذكره في السنة الآتية . 
وفي 
مستهل هذه السنة خرب سور بيت المقدس    - عمره الله بذكره -   
[ ص: 81 ] أمر بذلك 
المعظم  خوفا من استيلاء 
الفرنج  عليه ، بعد مشورة من أشار بذلك ، فإن 
الفرنج  إذا تمكنوا من ذلك جعلوه وسيلة إلى أخذ 
الشام  جميعه ، فشرع في تخريب السور في أول يوم المحرم ، فهرب منه أهله خوفا من 
الفرنج  أن يهجموا عليهم ليلا أو نهارا ، وتركوا أموالهم وأثاثهم ، وتمزقوا في البلاد كل ممزق ، حتى قيل : إنه أبيع القنطار من الزيت بعشرة دراهم ، ورطل النحاس بنصف درهم ، وضج الناس وابتهلوا إلى الله عز وجل عند 
الصخرة  وفي 
الأقصى    . وقال بعضهم يهجو 
المعظم  في ذلك : 
في رجب حلل المحرم وأخرب القدس في المحرم 
وفيها استحوذت 
الفرنج ،  لعنهم الله ، على مدينة 
دمياط  ، ودخلوها بالأمان ، فغدروا بأهلها ، وقتلوا رجالها ، وسبوا نساءها وأطفالها ، وفجروا بالنساء ، وبعثوا بمنبر الجامع والربعات ورءوس القتلى إلى 
الجزائر  ، وجعلوا الجامع كنيسة 
ولو شاء ربك ما فعلوه   " الأنعام : 112 " . 
وفيها تغيظ السلطان 
المعظم  على القاضي 
زكي الدين بن محيي الدين بن الزكي  قاضي البلد . وسببه أن عمته 
ست الشام بنت أيوب  كانت قد مرضت في دارها التي جعلتها بعدها مدرسة ، فأرسلت إلى القاضي لتوصي إليه ، فذهب إليها   
[ ص: 82 ] بشهود معه ، فكتب الوصية كما قالت ، فقال 
المعظم    : يذهب إلى عمتي بغير إذني ، ويسمع هو والشهود كلامها! واتفق أن القاضي طلب من جابي 
العزيزية  حسابها ، وضربه بين يديه بالمقارع ، وكان المعظم يبغض هذا القاضي من أيام أبيه 
العادل ،  فعند ذلك أرسل 
المعظم  إلى القاضي ببقجة فيها قباء وكلوتة; القباء أبيض والكلوتة صفراء . وقيل : بل كانا حمراوين مدرنين ، وحلف الرسول عن السلطان ليلبسنهما ويحكم بين الخصوم فيهما ، وكان من لطف الله أن جاءته الرسالة بهذا ، وهو في دهليز داره التي بباب البريد وهو منتصب للحكم ، فلم يقدر إلا أن لبسهما ، وحكم فيهما ، ثم دخل داره ، واستقبل مرض موته وكانت وفاته في صفر من السنة الآتية بعدها ، وكان 
الشرف بن عنين الزرعي  الشاعر قد أظهر النسك والتعبد ، ويقال : إنه اعتكف بالجامع أيضا . فأرسل إليه 
المعظم  بخمر ونرد ليشتغل بهما ، فكتب إليه 
ابن عنين    : 
يا أيها الملك المعظم سنة      أحدثتها تبقى على الآباد 
تجري الملوك على طريقك بعدها     خلع القضاة وتحفة الزهاد 
وقد كان نواب 
ابن الزكي  أربعة; 
شمس الدين بن الشيرازي  إمام مشهد 
علي ،  كان يحكم به في الشباك ، وربما برز إلى طرف الرواق تجاه البلاطة السوداء ، 
وشمس الدين بن سني الدولة ،  كان يحكم في الشباك الذي في   
[ ص: 83 ] الكلاسة تجاه تربة الملك 
صلاح الدين  عند باب الغزالية ، 
وجمال الدين المصري  وكيل بيت المال ، كان يحكم في الشباك الكمالي بمشهد 
عثمان ، وشرف الدين الموصلي  الحنفي كان يحكم بالمدرسة الطرخانية 
بجيرون    . والله تعالى أعلم .