صفحة جزء
وفاة الخليفة الناصر لدين الله وخلافة ابنه الظاهر

لما كان يوم الأحد آخر يوم من شهر رمضان المعظم من هذه السنة توفي الخليفة الناصر لدين الله أبو العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله أبي المظفر يوسف بن المقتفي لأمر الله أبي عبد الله محمد بن المستظهر بالله أبي العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله أبي القاسم [ ص: 134 ] عبد الله بن الذخيرة محمد بن القائم بأمر الله أبي جعفر عبد الله بن القادر بالله أبي العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر بالله أبي الفضل جعفر بن المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق أبي أحمد بن محمد المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بالله أبي إسحاق محمد بن هارون الرشيد بن المهدي محمد بن عبد الله أبي جعفر المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي العباسي أمير المؤمنين . ولد ببغداد عاشر سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ، وبويع له بالخلافة بعد موت أبيه سنة خمس وسبعين ، وتوفي في هذه السنة ، وله من العمر تسع وستون سنة وشهران وعشرون يوما ، وكانت مدة خلافته سبعا وأربعين سنة إلا شهرا ، ولم يقم أحد من الخلفاء العباسيين في الخلافة هذه المدة الطويلة ، ولم تطل مدة أحد من الخلفاء مطلقا أكثر من المستنصر العبيدي . أقام بمصر حاكما ستين سنة ، وقد انتظم في نسبه أربعة عشر خليفة وولي عهد على ما رأيت ، وبقية الخلفاء العباسيين كلهم من أعمامه وبني عمه ، وكان مرضه قد طال به ، وجمهوره من عسار البول ، مع أنه كان يجلب له الماء من مراحل عن بغداد ليكون أصفى ، وشق ذكره مرات بسبب ذلك ، ولم يغن عنه هذا الحذر شيئا ، وكان الذي ولي غسله محيي الدين بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي ، وصلي عليه ودفن في دار الخلافة ، ثم نقل إلى الترب من الرصافة في ثاني ذي الحجة من هذه السنة ، وكان يوما مشهودا .

قال ابن الساعي : أما سيرته فقد تقدمت في الحوادث . وأما ابن الأثير في [ ص: 135 ] كامله ، فإنه قال : وبقي الناصر لدين الله ثلاث سنين عاطلا عن الحركة بالكلية ، وقد ذهبت إحدى عينيه ، والأخرى يبصر بها إبصارا ضعيفا ، وآخر الأمر أصابه دوسنطارية عشرين يوما ومات ، ووزر له عدة وزراء ، وقد تقدم ذكرهم ، ولم يطلق في أيام مرضه ما كان أحدثه من الرسوم الجائرة ، وكان قبيح السيرة في رعيته ظالما لهم ، فخرب في أيامه العراق ، وتفرق أهله في البلاد ، وأخذ أموالهم وأملاكهم ، وكان يفعل الشيء وضده; فمن ذلك أنه عمل دورا للإفطار في رمضان ودورا لضيافة الحجاج ، ثم أبطل ذلك ، وكان قد أسقط مكوسا ثم أعادها ، وجعل جل همه في رمي البندق ، والطيور المناسيب ، وسراويلات الفتوة .

قال ابن الأثير : وإن كان ما ينسبه العجم إليه صحيحا من أنه هو الذي أطمع التتار في البلاد وراسلهم ، فهو الطامة الكبرى التي يصغر عندها كل ذنب عظيم .

قلت : وقد ذكر عنه أشياء غريبة; من ذلك أنه كان يقول للرسل الوافدين عليه : فعلتم في مكان كذا كذا وكذا ، وفي الموضع الفلاني كذا . حتى ظن بعض الناس أو أكثرهم أنه كان يكاشف ، أو أن جنيا يأتيه بذلك ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية