وممن توفي بها من الأعيان : 
الخليفة الظاهر  كما تقدم 
الجمال المصري يونس بن بدران بن فيروز ، جمال الدين المصري ،  قاضي القضاة 
بدمشق  في هذا الحين ، اشتغل وحصل وبرع ، واختصر كتاب " الأم "   
[ ص: 153 ] للإمام 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  ، وله كتاب مطول في الفرائض ، وولي تدريس الأمينية بعد 
التقي صالح الضرير  الذي قتل نفسه ، ولاه إياها الوزير 
صفي الدين بن شكر  ، وكان معتنيا بأمره . ثم ولي وكالة بيت المال 
بدمشق ،  وترسل إلى الملوك والخلفاء عن صاحب 
دمشق  ، ثم ولاه 
المعظم  قضاء القضاة 
بدمشق  بعد عزله 
الزكي بن الزكي ،  وولاه تدريس العادلية الكبيرة حين كمل بناؤها ، فكان أول من درس بها ، وحضر عنده الأعيان كما ذكرنا . 
وكان يقول أولا درسا في التفسير حتى أكمل التفسير إلى آخره ، ثم توفي عقب ذلك ، ويقال : درس الفقه بعد التفسير . 
وكان يعتمد في أمر إثبات السجلات اعتمادا حسنا ، وهو أنه كان يجلس في كل يوم جمعة بكرة ويوم الثلاثاء ، ويستحضر عنده في إيوان العادلية جميع شهود البلد ، ومن كان له كتاب يثبته حضر واستدعى شهوده ، فأدوا على الحاكم ، وثبت ذلك سريعا . وكان يجلس كل يوم جمعة بعد العصر في الشباك الكمالي بمشهد 
عثمان ،  فيحكم حتى يصلي المغرب ، وربما مكث حتى يصلي العشاء أيضا ، وكان كثير المذاكرة للعلم ، كثير الاشتغال ، حسن الطريقة ، لم ينقم عليه أنه أخذ شيئا لأحد . 
قال 
أبو شامة    : وإنما كان ينقم عليه أنه كان يشير على بعض الورثة بمصالحة بيت المال ، وأنه استناب ولده 
التاج محمدا ،  ولم يكن مرضي الطريقة ، وأما هو فكان عفيفا في نفسه نزها مهيبا . قال 
أبو شامة    : وكان يدعي أنه قرشي شيبي ، فتكلم الناس فيه بسبب ذلك ، وتولى القضاء بعده 
شمس الدين   [ ص: 154 ] أحمد بن الخليلي الخويي    . 
قلت : وكانت وفاته في ربيع الأول من هذه السنة ، ودفن بداره التي في 
رأس درب الريحان  من ناحية الجامع ، ولتربته شباك شرقي المدرسة الصدرية اليوم ، وقد قال فيه 
ابن عنين    - وكان هجاه - : 
ما قصر المصري في فعله إذ جعل التربة في داره     أراح للأحياء من رجمه 
وأبعد الأموات من ناره 
المعتمد  والي دمشق  
المبارز إبراهيم ، المعروف بالمعتمد  والي 
دمشق  ، وكان من خيار الولاة وأعفهم وأحسنهم سيرة وأجودهم سريرة ، أصله من 
الموصل  ، وقدم 
الشام  ، فخدم 
فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب ،  ثم استنابه 
البدر مودود  أخو 
فرخشاه    . وكان شحنة 
دمشق  ، فحمدت سيرته في ذلك ، ثم صار هو شحنة 
دمشق  أربعين سنة ، فجرت في أيامه عجائب وغرائب ، وكان كثير الستر على ذوي الهيئات ، ولاسيما من كان من أبناء الناس وأهل البيوتات ، واتفق في أيامه أن رجلا حائكا كان له ابن صغير ، في آذانه حلق ، فعدا عليه رجل من جيرانهم ، فقتله غيلة ، وأخذ ما عليه من الحلي ، ودفنه في بعض المقابر ،   
[ ص: 155 ] فاشتكوا عليه فلم يقر بشيء ، وتألمت والدته من ذلك ، وسألت زوجها أن يطلقها ، فطلقها ، فذهبت إلى ذلك الرجل الذي قتل ولدها ، وسألته أن يتزوجها ، وأظهرت له أنها أحبته فتزوجها ، ومكثت عنده حينا ، ثم سألته في بعض الأوقات عن ولدها الذي اشتكوا عليه بسببه ، فقال : نعم ، أنا قتلته . فقالت : أشتهي أن تريني قبره حتى أنظر إليه . فذهب بها إلى قبر خشخاشة ، ففتحه فنظرت إلى ولدها ، فاستعبرت وقد أخذت معها سكينا أعدتها لهذا اليوم ، فضربته حتى قتلته ، ودفنته مع ولدها في ذلك القبر ، فجاء أهل المقبرة ، فحملوها إلى الوالي 
المعتمد  هذا ، فسألها فذكرت له خبرها ، فاستحسن ذلك منها ، وأطلقها وأحسن إليها . 
وحكى هو 
للسبط  قال : بينما أنا يوما خارج من باب الفرج ، وإذا برجل يحمل طبلا وهو سكران ، فأمرت به فضرب الحد ، وأمرتهم فكسروا الطبل ، وإذا ركوة كبيرة خمرا فشقوها ، وكان 
العادل  قد منع أن يعصر خمر ويحمل إلى 
دمشق  شيء منه بالكلية ، فكان الناس يتحيلون بأنواع الحيل ولطائف المكر . قال 
السبط    : فسألته من أين علمت أن في الطبل شيئا . فقال : رأيته يمشي وترجف ساقاه ، فعرفت أنه يحمل شيئا ثقيلا في الطبل . 
وله من هذا الجنس غرائب . وقد عزله 
المعظم ،  وكان في نفسه منه ، وسجنه في القلعة نحوا من خمس سنين ، ونادى عليه في البلد ، فلم يجئ أحد ذكر أنه   
[ ص: 156 ] أخذ منه حبة خردل ، ولما مات - رحمه الله - دفن بتربته المجاورة لمدرسة 
أبي عمر  من شامها قبلي السوق ، وله عند تربته مسجد يعرف به - رحمه الله - . 
واقف الشبلية التي بطريق الصالحية 
شبل الدولة كافور الحسامي ،  نسبة إلى 
حسام الدين محمد بن لاجين  ولد 
ست الشام ،  وهو الذي كان مستحثا على عمارة الشامية البرانية لمولاته 
ست الشام ،  وهو الذي بنى الشبلية للحنفية والخانقاه على 
الصوفية  إلى جانبها ، وكانت منزله ، ووقف القناة والمصنع والساباط ، وفتح للناس طريقا من عند المقبرة غربي الشامية البرانية إلى طريق 
عين الكرش ،  ولم يكن الناس لهم طريق إلى الجبل من هناك ، إنما كانوا يسلكون من عند مسجد الصفي 
بالعقيبة ،  رحمه الله تعالى ، وكانت وفاته في رجب ، ودفن في تربته التي كانت مدرسة ، وقد سمع الحديث على الكندي وغيره . 
واقف الرواحية  بدمشق  وحلب  أبو القاسم هبة الله المعروف بابن رواحة ،  كان أحد التجار وذوي الثروة والمعدلين 
بدمشق ،  وكان في غاية الطول والعرض ، ولا لحية له ، وقد ابتنى المدرسة الرواحية داخل باب الفراديس ووقفها على الشافعية ، وفوض نظرها وتدريسها إلى الشيخ 
 nindex.php?page=showalam&ids=12795تقي الدين بن الصلاح الشهرزوري  ، وله 
بحلب  مدرسة أخرى مثلها ، وقد انقطع في آخر عمره في المدرسة التي 
بدمشق    . وكان يسكن البيت الذي في   
[ ص: 157 ] إيوانها من الشرق ، ورغب فيما بعد أن يدفن فيه إذا مات ، فلم يمكن من ذلك ، بل دفن بمقابر 
الصوفية ،  وبعد وفاته شهد 
 nindex.php?page=showalam&ids=12816محيي الدين بن عربي الطائي الصوفي ،  وتقي الدين خزعل النحوي المصري المقدسي    - إمام مشهد علي - شهدا على 
ابن رواحة  بأنه عزل الشيخ 
تقي الدين  عن هذه المدرسة ، فجرت خطوب طويلة ، ولم ينتظم ما راموه ، ومات 
خزعل  في هذه السنة أيضا ، فبطل ما سلكوه . 
أبو محمد محمود بن مودود بن محمود ، بن بلدجي الحنفي الموصلي ،  وله بها مدرسة تعرف به ، وكان من أبناء 
الترك ،  وصار من مشايخ العلماء الحنفية ، وله دين متين ، وشعر حسن جيد ، فمنه قوله : 
من ادعى أن له حالة     تخرجه عن منهج الشرع 
فلا تكونن له صاحبا     فإنه خرء بلا نفع 
كانت وفاته 
بالموصل  في السادس والعشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة ، وله نحو من ثمانين سنة رحمه الله تعالى . 
ياقوت  ويقال له : 
يعقوب بن عبد الله ، نجيب الدين مولى الشيخ تاج الدين الكندي ،  وقد وقف عليه الشيخ الكتب التي بالخزانة بالزاوية الشرقية الشمالية من جامع 
دمشق  ، وكانت سبعمائة وأحدا وستين مجلدا ، ثم على ولده من بعده ، ثم على العلماء ، فتمحقت هذه الكتب ، وبيع أكثرها ، وقد كان 
ياقوت  هذا لديه فضيلة وأدب وشعر جيد ، وكانت وفاته 
ببغداد  في مستهل رجب ، ودفن بمقبرة 
الخيزران  بالقرب من مشهد 
أبي حنيفة    - رحمه الله تعالى - .