صفحة جزء
[ ص: 194 ] وممن توفى فيها من الأعيان :

ابن نقطة الحافظ : محمد بن عبد الغني ، بن أبي بكر البغدادي ، أبو بكر بن نقطة ، الحافظ المحدث الفاضل ، صاحب الكتاب النافع المسمى بالتقييد في تراجم رواة الكتب والمشاهير من المحدثين ، وكان أبوه فقيها فقيرا منقطعا في بعض مساجد بغداد ، يؤثر أصحابه بما يحصل له . ونشأ ولده هذا ، فعني بعلم الحديث وسماعه والرحلة فيه إلى الآفاق شرقا وغربا ، حتى برز فيه على الأقران ، وفاق أهل ذلك الزمان والأوان ، ولد سنة تسع وسبعين وخمسمائة ، وتوفي يوم الجمعة الثاني والعشرين من صفر من هذه السنة - رحمهم الله تعالى - .

الجمال عبد الله بن الحافظ عبد الغني المقدسي ، كان فاضلا كريما حييا ، سمع الكثير ، ثم خالط الملوك وأبناء الدنيا ، فتغيرت أحواله ، ومات ببستان ابن شكر عند الصالح إسماعيل بن العادل ، وهو الذي كفنه ، ودفن بسفح قاسيون - رحمه الله تعالى - .

أبو علي الحسن بن أبي بكر المبارك ، بن أبي عبد الله محمد [ ص: 195 ] بن يحيى بن مسلم الزبيدي ، ثم البغدادي ، كان شيخا صالحا حنفيا فاضلا ، ذا فنون كثيرة; ومن ذلك علم الفرائض والعروض ، وله فيه أرجوزة حسنة ، انتخب منها ابن الساعي من كل بحر بيتين ، وسرد ذلك في " تاريخه " .

أبو الفتح مسعود بن إسماعيل ، بن علي بن موسى السلماسي ، فقيه أديب شاعر ، له تصانيف ، وقد شرح المقامات ، والجمل في النحو ، وله خطب وأشعار حسنة - رحمه الله تعالى - .

أبو بكر محمد بن عبد الوهاب ، بن عبد الله الأنصاري فخر الدين بن الشيرجي الدمشقي ، أحد المعدلين بها ، ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، وسمع الحديث ، وكان يلي ديوان الخاتون ست الشام بنت أيوب ، وفوضت إليه أمر أوقافها .

قال السبط : وكان ثقة أمينا كيسا متواضعا . قال : وقد وزر ولده شرف الدين للناصر داود مدة يسيرة ، وكانت وفاة فخر الدين في يوم عيد الأضحى ، ودفن بمقابر باب الصغير - رحمه الله تعالى وعفا عنه - .

[ ص: 196 ] حسام بن غزي ، بن يونس عماد الدين أبو المناقب المحلي المصري ثم الدمشقي ، كان شيخا صالحا فاضلا فقيها شافعيا حسن المحاضرة ، وله أشعار حسنة .

قال أبو شامة : وله في معجم القوصي ترجمة حسنة ، وذكر أنه توفي عاشر ربيع الآخر ، ودفن بمقابر الصوفية .

قال السبط : وكان مقيما بالمدرسة الأمينية ، وكان لا يأكل لأحد شيئا ولا للسلطان ، بل إذا حضر طعاما كان معه في كمه شيء يأكله . وكان لا يزال معه ألف دينار على وسطه . وحكي عنه قال : خلع علي الملك العادل ليلة طيلسانا ، فلما خرجت مشى بين يدي نفاط يحسبني القاضي ، فلما وصلت إلى باب البريد عند دار سيف خلعت الطيلسان ، وجعلته في كمي ، وتباطأت في المشي ، فالتفت فلم ير وراءه أحدا ، فقال لي : أين القاضي؟ فأشرت إلى ناحية النورية ، وقلت : ذهب إلى داره . فلما أسرع إلى ناحية النورية هرولت إلى المدرسة [ ص: 197 ] الأمينية ، واسترحت منه .

قال ابن الساعي : كان مولده سنة ستين وخمسمائة ، وخلف أموالا كثيرة ، ورثتها عصبته . قال : وكانت له معرفة حسنة بالأخبار والتواريخ وأيام الناس ، مع دين وصلاح وورع ، وأورد له من شعره قوله :


قيل لي من هويت قد عبث الشع ر بخديه قلت ما ذاك عاره     جمر خديه أحرقت عنبر الخا
ل فمن ذلك الدخان عذاره

وقوله :


شوقي إليكم دون أشواقكم     لكنه لابد ما يشرح
لأنني عن قلبكم غائب     وأنتم في القلب لم تبرحوا

أبو عبد الله محمد بن علي ، بن محمد بن الجارود الماراني ، الفقيه الشافعي ، أحد الفضلاء ، ولي القضاء بإربل ، وكان ظريفا خليعا ، وكان من محاسن الأيام ، وله أشعار رائقة ومعان فائقة ، فمن شعره قوله :


مشيب أتى وشباب رحل     فحل العناء به حيث حل
[ ص: 198 ] وعمر تقضى بلا طاعة     فويحك يا نفس ما ذا الزلل
وذنبك جم ألا فارجعي     وعودي فقد حان وقت الأجل
وديني الإله ولا تقصري     ولا يخدعنك طول الأمل
فما لك غير التقى مستعد     ولا صاحب غير حسن العمل

أبو الثناء محمود بن زاكي ، بن علي بن يحيى الطائي الرقي ، نزيل إربل ، وولي النظر بها للملك مظفر الدين ، وكان شيخا أديبا فاضلا ، ومن شعره قوله :


وأهيف ما الخطي إلا قوامه     وما الغصن إلا ما يثنيه لينه
وما الدعص إلا ما تحمل خصره     وما النبل إلا ما تريش جفونه
وما الخمر إلا ما يروق ثغره     وما السحر إلا ما تكن عيونه
وما الحسن إلا كله فمن الذي     إذا ما رآه لا يزيد جنونه

ابن معطي النحوي يحيى ، ترجمه أبو شامة في السنة الماضية ، وهو أضبط; لأنه شهد جنازته بمصر ، وأما ابن الساعي فإنه ذكره في هذه السنة ، [ ص: 199 ] وقال : إنه كان حظيا عند الكامل محمد صاحب مصر ، وإنه كان قد نظم أرجوزة في القراءات السبع ، ونظم ألفاظ " الجمهرة " ، وكان قد عزم على نظم " صحاح الجوهري " .

التالي السابق


الخدمات العلمية