[ ص: 212 ] ثم دخلت 
سنة إحدى وثلاثين وستمائة 
وفيها 
عمر الأشرف  مسجد جراح ظاهر باب الصغير . 
وفيها قدم رسول 
الأنبرور  ملك 
الفرنج  إلى 
الأشرف  ومعه هدايا; منها دب أبيض ، شعره مثل شعر الأسد ، ذكروا أنه ينزل إلى البحر ، فيخرج السمك فيأكله ، ومنها طاووس أبيض أيضا . 
وفيها كملت عمارة القيسارية التي هي قبلي النحاسين ، وحول إليها سوق الصاغة ، وشغر سوق اللؤلؤ الذي كان فيه الصاغة العتيقة عند الحدادين . 
وفيها جددت الدكاكين التي بالزيادة . 
قلت : وقد جددت شرقي هذه الصاغة الجديدة قيساريتان في زماننا ، وسكنها الصواغ وتجار الذهب والجوهر ، وهما حسنتان ، والجميع وقف الجامع المعمور . 
وفيها 
كمل بناء المدرسة المستنصرية ببغداد ،  ولم تبن مدرسة قبلها مثلها ، ووقفت على المذاهب الأربعة; من كل طائفة اثنان وستون فقيها ، وأربعة معيدين ، ومدرس لكل مذهب ، وشيخ حديث ، وقارئان ، وعشرة مستمعين ،   
[ ص: 213 ] وشيخ طب وعشرة من المسلمين يشتغلون بعلم الطب ، ومكتب للأيتام ، وقرر للجميع من الخبز واللحم والحلوى والنفقة ما فيه كفاية وافرة لكل واحد . ولما كان يوم الخميس خامس رجب حضرت الدروس بها ، وحضر الخليفة 
المستنصر بالله  بنفسه الكريمة وأهل دولته من الأمراء والوزراء والقضاة والفقهاء 
والصوفية  والشعراء ، ولم يتخلف أحد من هؤلاء ، وعمل سماط عظيم بها ، أكل منه الحاضرون ، وحمل منه إلى سائر دروب 
بغداد  من بيوتات الخواص والعوام ، وخلع على جميع المدرسين بها والحاضرين فيها ، وعلى جميع الدولة والفقهاء والمعيدين ، وكان يوما مشهودا ، وأنشدت الشعراء الخليفة المدائح الفائقة والقصائد الرائقة . وقد ذكر ذلك 
ابن الساعي  في تاريخه مطولا مبسوطا شافيا كافيا وافيا ، وقرر لتدريس الشافعية بها الإمام 
محيي الدين أبو عبد الله بن فضلان ،  وللحنفية الإمام العلامة 
رشيد الدين أبو حفص عمر بن محمد الفرغاني ،  وللحنابلة الإمام العالم 
محيي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي ،  ودرس عنه يومئذ ابنه 
عبد الرحمن  نيابة لغيبته في بعض الرسالات إلى الملوك ، ودرس للمالكية يومئذ الشيخ الصالح العالم 
أبو الحسن المغربي المالكي  نيابة أيضا حتى يعين شيخ غيره . ووقفت خزائن كتب لم يسمع بمثلها في كثرتها وحسن نسخها وجودة الكتب الموقوفة بها . وكان المتولي لعمارة هذه المدرسة 
مؤيد الدين أبو طالب محمد بن العلقمي  الذي وزر بعد ذلك ، وقد كان إذ ذاك أستاذ دار الخلافة ،   
[ ص: 214 ] وخلع عليه يومئذ وعلى الوزير 
نصير الدين  خلعة . ثم عزل مدرس الشافعية في رابع عشر ذي القعدة بقاضي القضاة 
أبي المعالي عبد الرحمن بن مقبل ،  مضافا إلى ما بيده من القضاء ، وذلك بعد وفاة 
محيي الدين بن فضلان ،  وقد ولي القضاء مدة ودرس بالنظامية وغيرها ، ثم عزل ، ثم رضي عنه ، ثم درس بالمستنصرية كما ذكرنا ، فلما توفي وليها بعده 
ابن مقبل    - رحمهم الله تعالى - .