صفحة جزء
[ ص: 267 ] ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وستمائة

فيها ترددت الرسل بين الصالح أيوب صاحب مصر وبين عمه الصالح إسماعيل صاحب دمشق على أن يرد إليه ولده المغيث عمر بن الصالح أيوب المعتقل في قلعة دمشق ، وتستقر دمشق في يد الصالح إسماعيل ، فوقع الصلح على ذلك ، وخطب للصالح أيوب بدمشق ، فخاف الوزير أمين الدولة أبو الحسن غزال المسلماني ، وزير الصالح إسماعيل من غائلة هذا الأمر ، فقال لمخدومه : لا ترد هذا الغلام إلى أبيه تخرج البلاد من يدك ، هذا خاتم سليمان في يدك للبلاد . فعند ذلك أبطل ما كان وقع من الصلح ، ورد الغلام إلى القلعة ، وقطعت الخطبة للصالح أيوب ، ووقعت الوحشة بين الملكين ، وأرسل الصالح أيوب إلى الخوارزمية يستحضرهم لحصار دمشق ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

وكانت الخوارزمية قد فتحوا في هذه السنة بلاد الروم ، وأخذوها من أيدي ملكها ابن علاء الدين ، وكان قليل العقل يلعب بالكلاب والسباع ، ويسلطها على الناس ، فاتفق أنه عضه سبع فمات ، فتغلبوا على البلاد حينئذ .

وفيها احتيط على أعوان القاضي الرفيع الجيلي ، وضرب بعضهم بالمقارع وصودروا ، ورسم على القاضي الرفيع بالمدرسة المقدمية داخل باب الفراديس ، ثم أخرج ليلا وذهب به ، فسجن بمغارة أفقه من نواحي البقاع ، ثم انقطع خبره .

[ ص: 268 ] وقال أبو شامة : وذكروا أنه توفي لا رحمه الله تعالى ، ومنهم من قال : إنه ألقي من شاهق . ومنهم من قال : خنق . وذلك كله بذي الحجة من هذه السنة .

وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين منه قرئ منشور ولاية القضاء بدمشق لمحيي الدين يحيى بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى القرشي ، بالشباك الكمالي بالجامع . كذا قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة .

وزعم السبط أن عزله إنما كان في السنة الآتية ، وذكر أن سبب هلاكه أنه كتب إلى الملك الصالح يقول له : إنه قد أورد إلى خزانته من الأموال ألف ألف دينار من أموال الناس . فأنكر الصالح ذلك ، ورد عليه الجواب أنه لم يرد سوى ألف ألف درهم ، فأرسل القاضي يقول : فأنا أحاقق الوزير ، وكان الصالح لا يخالف الوزير ، فأشار حينئذ على الصالح بعزله ، لتبرأ ساحة السلطان من شناعات الناس ، فعزله وكان من أمره ما كان . وفوض أمر مدارسه إلى الشيخ تقي الدين بن الصلاح ، فعين العادلية للكمال التفليسي ، والعذراوية لمحيي الدين بن الزكي الذي ولي القضاء بعده ، والأمينية لابن عبد الكافي ، والشامية البرانية للتقي الحموي ، وتغيب القاضي الرفيع ، وأسقط عدالة شهوده .

قال السبط : أرسله الأمين مع جماعة على بغل بإكاف لبعض النصارى [ ص: 269 ] إلى مغارة أفقه في جبل لبنان من ناحية الساحل ، فأقام بها أياما ، ثم أرسل إليه عدلين من بعلبك ليشهدا عليه ببيع أملاكه من أمين الدولة ، فذكرا أنهما شاهداه ، وعليه تخفيفة وقندورة ، وأنه استطعمهما شيئا من الزاد ، وذكر أن له ثلاثة أيام لم يأكل شيئا ، فأطعماه من زوادتهما ، وشهدا عليه وانصرفا ، ثم جاءه داود النصراني فقال له : قم ، فقد أمرنا بحملك إلى بعلبك ، فأيقن بالهلاك حينئذ ، فقال : دعوني أصلي ركعتين . فقال : قم . فقام فصلى ، فأطال الصلاة ، فرفسه النصراني ، فألقاه من رأس الجبل إلى أسفل الوادي الذي هناك ، فما وصل حتى تقطع ، وحكي أنه تعلق ذيله بسن الجبل ، فما زال داود يرميه بالحجارة حتى ألقاه إلى أسفل الوادي ، وذلك عند الشقيف المطل على نهر إبراهيم .

قال السبط : وقد كان فاسد العقيدة ، دهريا مستهزئا بأمور الشرع ، يخرج إلى المجلس سكران ، ويحضر إلى الجمعة كذلك ، وكانت داره كالحانات . فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . قال : وأخذ الموفق الواسطي أحد أمنائه - وكان من أكبر البلايا - أخذ لنفسه من أموال الناس ستمائة ألف درهم ، فعوقب عقوبة عظيمة حتى أخذت منه ، وقد كسرت ساقاه ، ومات تحت الضرب ، فألقي في مقابر اليهود والنصارى ، وأكلته الكلاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية