وممن توفي فيها من الأعيان : 
قاضي القضاة 
صدر الدين بن سني الدولة  أحمد بن يحيى بن هبة الله بن الحسن بن يحيى بن محمد بن علي بن يحيى بن صدقة بن الخياط ، قاضي القضاة صدر الدين أبو العباس ابن سني الدولة  التغلبي الدمشقي الشافعي ، 
وسني الدولة هو الحسن بن يحيى  المذكور كان كاتبا لبعض ملوك 
دمشق  في حدود الخمسمائة ، وله أوقاف على ذريته . 
وابن الخياط الشاعر صاحب الديوان ، هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن علي بن يحيى بن صدقة التغلبي ، عم سني الدولة    . 
ولد 
القاضي صدر الدين  سنة تسع وخمسين وخمسمائة ، وسمع 
الخشوعي  وابن طبرزد  والكندي  وغيرهم ، وحدث ودرس في عدة مدارس وأفتى ، وكان   
[ ص: 409 ] فاضلا عارفا بالمذهب ، مشكور السيرة ، ولكن 
الشيخ شهاب الدين أبو شامة  ينال منه . فالله أعلم . 
وقد ولي الحكم 
بدمشق  استقلالا سنة ثلاث وأربعين ، واستمر إلى هذه السنة ، فسار حين عزل 
بالكمال التفليسي  هو 
والقاضي محيي الدين بن الزكي  إلى 
هولاكو  ، ثم عاد من عنده وقد تولى 
ابن الزكي  القضاء ، فاجتاز 
ابن سني الدولة  ببعلبك  وهو متمرض ، فمات بها ودفن عند الشيخ 
عبد الله اليونيني  رحمه الله تعالى ، وقد كان 
الملك الناصر  يثني عليه كما كان 
الملك الأشرف  يثني على والده قاضي القضاة 
شمس الدين بن سني الدولة    . 
ولما استقر أمر السلطان 
الملك الظاهر بيبرس  ولى ولده القاضي 
نجم الدين أبا بكر  بن قاضي القضاة 
صدر الدين  القضاء 
بدمشق ،  وعزل 
ابن الزكي ،  ثم عزله بعد سنة ، وثنى 
بابن خلكان  على ما سيأتي بيانه ، وبالله المستعان . 
والقاضي 
صدر الدين بن سني الدولة  هذا هو الذي أحدث في زمن المشمش بطالة الدروس; لأنه كان له بستان بأرض السهم ، فكان يشق عليه النزول في ذلك الوقت إلى الدرس ، فبطل للناس هذه الأيام ، فاتبعوه في ذلك . 
وفيها توفي 
صاحب 
ماردين  الملك السعيد 
نجم الدين بن إيل غازي بن   [ ص: 410 ] المنصور أرتق أرسلان بن إيل غازي بن ألبي بن تمرتاش بن إيل غازي بن أرتق ،  وكان شجاعا معظما ، ملك يوما في قلعته . 
توران شاه بن الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب ،  كان نائبا 
للملك الناصر بن العزيز بن الظاهر بن الناصر  على 
حلب  حتى تملك 
دمشق  ، وقد حصن 
حلب  من أيدي 
المغول  مدة شهر ، ثم سلمها بعد محاصرة شديدة صلحا . ثم كانت وفاته في هذه السنة ودفن بدهليز داره . 
وفيها قتل : 
الملك السعيد حسن بن العزيز 
عثمان بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب  كان صاحب الصبيبة وبانياس بعد أبيه ، ثم أخذتا منه ، وحبس بقلعة 
البيرة  ، فلما جاءت 
التتار  كان معهم ، وردوا عليه بلاده ، فلما كانت وقعة 
عين جالوت  أتي به أسيرا إلى بين يدي 
الملك المظفر قطز  فضرب عنقه; لأنه كان قد لبس سراقوج 
التتار ،  وناصحهم . 
عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن بن   [ ص: 411 ] عبد الرحمن بن طاهر 
بن محمد بن الحسين بن علي ، أبو طالب شرف الدين بن العجمي الحلبي  الشافعي ، من بيت العلم والرئاسة 
بحلب ،  درس 
بالظاهرية ،  ووقف مدرسة بها ، ودفن بها ، وكانت وفاته حين دخلت 
التتار  حلب  في صفر ، فعذبوه بأن صبوا عليه ماء باردا في الشتاء ، فتشنج حتى مات ، رحمه الله تعالى . 
الملك المظفر قطز بن عبد الله 
سيف الدين التركي ،  أخص مماليك الملك 
المعز التركماني ،  أحد مماليك 
الصالح أيوب ،  ثم إنه لما قتل أستاذه 
المعز  قام في تولية ابن أستاذه 
المنصور نور الدين علي ،  فلما سمع بأمر 
التتار  خاف أن تختلف الكلمة بسبب صغر ابن أستاذه ، فعزله ودعا إلى نفسه ، فبويع في ذي القعدة سنة سبع وخمسين وستمائة كما تقدم ، ثم سار إلى 
التتار  كما تقدم ، فجعل الله على يديه نصرة الإسلام كما ذكرنا 
بعين جالوت ،  وقد كان شجاعا بطلا ، كثير الخير ، ممالئا للإسلام وأهله ، وهم يحبونه . 
ذكر عنه أنه لما كان بالمعركة يوم 
عين جالوت  قتل جواده ، ولم يجد أحدا في الساعة الراهنة من الوشاقية الذين معهم الجنائب ، فترجل وبقي واقفا كذلك على الأرض ثابتا في محل المعركة وموضع السلطنة من القلب ، فلما رآه بعض الأمراء ترجل عن فرسه ، وحلف على السلطان ليركب ، فامتنع السلطان وقال : ما كنت لأحرم المسلمين نفعك . 
ولم يزل كذلك حتى جاءت الوشاقية فركب ،   
[ ص: 412 ] فلامه بعض الأمراء وقال : يا 
خوند ،  لم لا ركبت فرس فلان؟ فلو كان رآك بعض الأعداء لقتلك وهلك الإسلام بسببك . فقال : أما أنا فكنت أروح إلى الجنة ، وأما الإسلام فله رب لا يضيعه ، قد قتل فلان وفلان وفلان - وعدد خلقا من الملوك - فلم يضيع الله الإسلام . 
وكان حين ساق من 
الديار المصرية  في خدمته خلق من كبار الأمراء البحرية وغيرهم ، ومعه 
المنصور  صاحب 
حماة  وجماعة من أبناء الملوك ، فأرسل إلى صاحب 
حماة  يقول له : لا تتعن بمد سماط في هذه الأيام ، وليكن مع الجندي لحمة في سولقه يأكلها ، والعجل العجل . 
وكان اجتماعه مع عدوه كما ذكرنا في العشر الأخير من رمضان يوم الجمعة في شهر رمضان ، وهذه بشارة عظيمة ، فإن وقعة 
بدر  كانت يوم الجمعة في رمضان ، ولهذا نصر الإسلام نصرا عزيزا ، ولما قدم 
دمشق  في شوال أقام بها العدل ، ورتب الأمور كما ذكرنا ، وأرسل الأمير 
ركن الدين بيبرس البندقداري  خلف التتار ليخرجهم ويطردهم عن 
حلب  ووعده بنيابتها ، فلم يف له ، فوقعت الوحشة بينهما بسبب ذلك ، فلما عاد 
المظفر قطز  إلى 
مصر  تمالأ عليه 
البندقداري  وغيره من الأمراء فقتلوه بين 
الغرابي  والصالحية ،  ودفن 
بالقصر ،  وكان قبره يزار ، فلما تمكن 
الظاهر  من الملك بعث إلى قبره فغيبه عن الناس ، فكان لا يعرف بعد ذلك ، وكان مقتله يوم السبت   
[ ص: 413 ] سادس عشر من ذي القعدة ، رحمه الله تعالى . 
وحكى الشيخ 
قطب الدين اليونيني  في " الذيل على المرآة " عن الشيخ 
علاء الدين بن غانم ،  عن المولى 
تاج الدين أحمد بن الأثير  كاتب السر في أيام 
الناصر  صاحب 
دمشق  ، قال : لما كنا مع السلطان 
الناصر  بوطأة برزة  جاءت البريدية يخبرون بأن 
المظفر قطز  قد تولى السلطنة 
بالديار المصرية ،  فقرأت ذلك على السلطان ، فقال : اذهب إلى فلان وفلان فأخبرهم بهذا . قال : فلما خرجت من عنده لقيني بعض الأجناد فقال لي : جاءكم الخبر من 
الديار المصرية  بأن 
قطز  قد تملك؟ فقلت : ما عندي من هذا علم ، وما يدريك أنت بهذا؟ فقال : بلى والله إنه سيلي المملكة ، ويكسر 
التتار    . فقلت : من أين تعلم هذا؟ فقال : كنت أخدمه وهو صغير ، وكان عليه قمل كثير ، فكنت أفليه وأهينه ، فقال لي يوما : ويلك ، أيش تريد أن أعطيك إذا ملكت 
الديار المصرية؟  فقلت له : أنت مجنون؟! فقال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، وقال لي : أنت تملك 
الديار المصرية ،  وتكسر 
التتار    . وقول رسول الله حق لا شك فيه . فقلت له حينئذ - وكان صادقا - : أريد منك إمرة خمسين فارسا . فقال : نعم . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير    : فلما قال لي هذا قلت : هذه كتب المصريين بأنه قد تولى السلطنة . فقال : والله ليكسرن 
التتار    . فكان كذلك كما قال . 
ولما رجع 
الناصر  إلى ناحية 
الديار المصرية ،  وأراد دخولها ، ورجع عنها ودخلها أكثر الجيوش الشامية كان هذا الأمير الحاكي في جملة من دخلها ، فأعطاه 
المظفر  إمرة خمسين فارسا ووفى له بالوعد ، وهو الأمير 
حسام الدين البركة خاني    . قال 
ابن   [ ص: 414 ] الأثير    : فلقيني 
بالديار المصرية  بعد أن تأمر ، فذكرني بما كان أخبرني عن 
المظفر  فذكرته ، ثم كانت وقعة التتار على إثر ذلك ، ولله الحمد والمنة . 
وفيها هلك 
كتبغا نوين  نائب 
هولاكو  على بلاد 
الشام ،  لعنهما الله ، ومعنى نوين يعني أمير عشرة آلاف ، وكان هذا الخبيث قد فتح لأستاذه 
هولاوو  من أقصى بلاد العجم إلى 
الشام  ، وقد أدرك 
 nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان  جد 
هولاوو ،  وقد كان 
كتبغا  هذا يعتمد في حروبه للمسلمين ببلاد 
خراسان  والعراق  أشياء لم يسبقه إليها أحد ، كان إذا فتح بلدا ساق المقاتلة منه إلى البلد الذي يليه ، ويطلب من أهل البلد أن يئووا هؤلاء إليهم ، فإن فعلوا حصل مقصوده في تضييق الأطعمة والأشربة عليهم ، فتقصر مدة الحصار عليه ، وإن امتنعوا من إيوائهم عندهم قاتلهم بهؤلاء حتى يفنى هؤلاء ، فإذا حصل الفتح وإلا كان قد أضعف أولئك بهؤلاء ثم استأنف قتالهم بمن عنده حتى يفتحه . 
وكان يبعث إلى الحصن يقول لهم : إن ماءكم قد قل ، فافتحوا صلحا قبل أن نأخذكم قسرا . فيقولون : إن الماء عندنا كثير فلا نحتاج إلى ماء . فيقول : لا أصدق حتى أبعث من عندي من يشرف عليه ، فإن كان كثيرا انصرفت عنكم . فيقولون ابعث من يشرف   
[ ص: 415 ] على ذلك . فيرسل رجالا من جيشه ، معهم رماح مجوفة محشوة سما ، فإذا دخلوا ساطوا ذلك الماء بتلك الرماح ، فينفتح ذلك السم ويستقر في الماء ، فيكون سبب هلاكهم وهم لا يشعرون ، لعنه الله لعنة تدخل معه في قبره . وكان شيخا كبيرا قد أسن ، وكان يميل إلى دين 
النصارى ،  ولكن لا يمكنه الخروج عن حكم 
 nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان  في 
الياساق    . 
قال الشيخ 
قطب الدين اليونيني    : وقد رأيته 
ببعلبك  حين حاصر قلعتها ، وكان شيخا حسنا ، له لحية طويلة مسترسلة رقيقة قد ضفرها مثل الدبوقة ، وتارة يعلقها في حلقة بأذنه ، وكان مهيبا شديد السطوة . قال : وقد دخل الجامع فصعد المنارة ليتأمل القلعة منها ، ثم خرج من 
الباب الغربي ،  فدخل دكانا خرابا ، فقضى حاجته والناس ينظرون إليه ، وهو مكشوف العورة ، فلما فرغ مسحه بعض أصحابه بقطن ملبد مسحة واحدة . 
قال : ولما بلغه خروج 
المظفر  إليه بالعساكر المصرية تلوم في أمره ، ثم حملته نفسه الأبية على لقائهم ، وظن أنه ينتصر كما كانت عادته ، فحمل يومئذ على الميسرة فكسرها ، ثم أيد الله المسلمين وثبتهم ، فحملوا حملة صادقة على 
التتار ،  فهزموهم هزيمة لا تجبر أبدا . وقتل 
كتبغا نوين  في المعركة ، وأسر ابنه ، وكان شابا حسنا ، فأحضر بين يدي 
المظفر قطز ،  فقال له : أهرب أبوك؟ قال إنه لا يهرب ، فطلبوه فوجدوه بين القتلى ، فلما رآه ابنه صرخ وبكى ، فلما تحققه   
[ ص: 416 ] المظفر  قال : نام طيبا ، كان هذا سعادة 
التتار  وبقتله ذهب سعدهم . وهكذا كان كما قال ، ولم يفلحوا بعده أبدا ، وكان قتله يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان ، لعنه الله تعالى ، وكان الذي قتل 
كتبغا نوين  الأمير 
جمال الدين آقوش الشمسي ،  رحمه الله تعالى . 
الشيخ 
محمد الفقيه اليونيني  
الحنبلي البعلبكي الحافظ ، هو 
محمد بن أحمد بن عبد الله بن عيسى بن أبي الرجال أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر الصادق    - كذا نقل هذا الانتساب الشيخ 
قطب الدين اليونيني  من خط أخيه الأكبر 
أبي الحسين علي ،  وأخبره أن والده قال له : نحن من سلالة 
جعفر الصادق    . قال : وإنما ذكر له هذا عند الموت ليتحرج من قبول الصدقة - 
أبو عبد الله بن أبي الحسين اليونيني الحنبلي تقي الدين  الفقيه الحنبلي الحافظ المفيد البارع العابد الناسك ، ولد سنة ثنتين وسبعين وخمسمائة ، وسمع 
الخشوعي  وحنبلا  والكندي   nindex.php?page=showalam&ids=14774والحافظ عبد الغني المقدسي ،  وكان يثني عليه ، وتفقه على 
الشيخ الموفق ،  ولزم صحبة الشيخ 
عبد الله اليونيني ،  وانتفع به ، وكان الشيخ 
عبد الله  يثني عليه ، ويقدمه ويقتدي به في الفتاوى الشرعية ، وقد لبس الخرقة من الشيخ 
عبد الله البطائحي ،  وبرع في علم   
[ ص: 417 ] الحديث وحفظ " الجمع بين الصحيحين " بالفاء والواو ، وحفظ قطعة صالحة من " مسند الإمام 
أحمد    " وكان يعرف العربية ، أخذ ذلك عن 
التاج الكندي ،  وكتب مليحا حسنا ، وكان الناس ينتفعون بفنونه الكثيرة ، ويأخذون عنه الطريقة الحسنة ، وحصلت له وجاهة عظيمة عند الملوك وغيرهم ، توضأ مرة عند الملك الأشرف وهو عنده بالقلعة حال سماع " 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري    " على 
الزبيدي ،  فلما فرغ من الوضوء نقض السلطان تخفيفة ، وبسطها على الأرض ليطأ عليها ، وحلف السلطان له أنها طاهرة ولابد أن يطأها برجله ، ففعل ذلك . 
ولما قدم 
الكامل  على أخيه 
الأشرف  دمشق  ، أنزله القلعة وتحول الأشرف لدار السعادة ، وجعل يذكر 
للكامل  محاسن الشيخ الفقيه ، فقال : أشتهي أن أراه . فأرسل إليه إلى 
بعلبك  بطاقة ، فاستحضره فوصل إلى دار السعادة ، فنزل 
الكامل  إليه وتحادثا وتذاكرا شيئا من العلم ، فذكرت مسألة القتل بالمثقل ، وجرى ذكر حديث الجارية التي قتلها اليهودي ، فرض رأسها بين حجرين ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ، فقال 
الكامل    : إنه لم يعترف . فقال الشيخ الفقيه : في " صحيح 
مسلم    " : فاعترف . فقال 
الكامل    : أنا اختصرت " صحيح 
مسلم    " ولم أجد هذا فيه . فقال 
الكامل    : بلى . فأرسل 
الكامل ،  فأحضر خمس مجلدات اختصاره " 
لمسلم    " ، فأخذ 
الكامل  مجلدا ، 
والأشرف  مجلدا ، 
وعماد الدين بن موسك  آخر ، 
والملك الصالح  مجلدا ، وأخذ الشيخ الفقيه مجلدا ، فأول ما فتحه وجد الحديث كما قال الشيخ الفقيه ، فتعجب 
الكامل  من استحضاره وسرعة كشفه ،   
[ ص: 418 ] وأراد أن يأخذه معه إلى 
الديار المصرية ،  فأرسله 
الأشرف  سريعا إلى 
بعلبك  ، وقال 
للكامل    : إنه لا يؤثر 
ببعلبك  شيئا . فأرسل له 
الكامل  ذهبا كثيرا . قال ولده 
قطب الدين    : كان والدي يقبل بر الملوك ، ويقول : أنا لي في بيت المال أكثر من هذا . ولا يقبل من الأمراء ولا من الوزراء شيئا إلا أن يكون هدية مأكول ونحوه ، ويرسل إليهم من ذلك ، فيقبلونه على سبيل التبرك والاستشفاء .
وذكر أنه كثر ماله وأثرى ، وصار له سعة من المال كثيرة ، وذكر له أن 
الأشرف  كتب له كتابا 
بقرية يونين ،  وأعطاه 
لمحيي الدين بن الجوزي  ليأخذ عليه خط الخليفة ، فلما شعر والدي بذلك أخذ الكتاب ومزقه ، وقال : أنا في غنية عن ذلك . قال : وكان والدي لا يقبل شيئا من الصدقة ، ويزعم أنه من ذرية 
 nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ،  رضي الله عنه . قال : وقد كان قبل ذلك فقيرا لا شيء له . وكان للشيخ 
عبد الله  زوجة ، ولها ابنة جميلة ، وكان الشيخ يقول لها : زوجيها من الشيخ 
محمد    . فتقول : إنه فقير ، وأنا أحب أن تكون ابنتي سعيدة . فيقول لها : كأني أنظر إليهما إياه وإياها في دار فيها بركة ، وله رزق كثير ، والملوك يترددون إلى زيارته . فزوجتها منه ، فكان الأمر كذلك ، وكانت أولى زوجاته ، رحمه الله تعالى . 
وكانت الملوك كلها تجيء مدينته ، ويعظمونه جدا; 
بنو العادل  وغيرهم ، وكذلك كان مشايخ الفقهاء 
 nindex.php?page=showalam&ids=12795كابن الصلاح  وابن عبد السلام ،  وابن الحاجب ،  والحصيري ،  وشمس الدين بن سني الدولة ،   nindex.php?page=showalam&ids=11890وابن الجوزي ،  وغيرهم يعظمونه ويرجعون إلى قوله; لعلمه وعمله وديانته وأمانته .  
[ ص: 419 ] وقد ذكرت له أحوال ومكاشفات وكرامات كثيرة ، قدس الله روحه ، وزعم بعضهم أنه قطب منذ ثنتي عشرة سنة . فالله أعلم . وذكر الشيخ الفقيه قال : كنت عزمت مرة على الرحلة إلى 
حران  ، وكان قد بلغني أن رجلا بها يعلم علم الفرائض جيدا ، فلما كانت الليلة التي أريد من صبيحتها أسافر جاءتني رسالة الشيخ 
عبد الله اليونيني  يعزم علي إلى 
القدس الشريف ،  وكأني كرهت ذلك ، وفتحت المصحف ، فطلع قوله : 
اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون   [ يس : 21 ] فخرجت معه إلى 
القدس  ، فوجدت ذلك الرجل 
الحراني  بالقدس الشريف ،  فأخذت عنه علم الفرائض حتى خيل لي أني قد صرت أبرع فيه منه . 
وقال الشيخ 
أبو شامة    : كان رجلا ضخما ، وحصل له قبول كثير من الأمراء وغيرهم ، وكان يلبس قبعا ، صوفه إلى خارج ، كما كان شيخه 
عبد الله اليونيني    . قال : وقد صنف شيئا في المعراج ، فرددت عليه في كتاب سميته " الواضح الجلي في الرد على الحنبلي " . وذكر ولده 
قطب الدين  أنه مات في التاسع عشر من رمضان من هذه السنة عن ثمان وثمانين سنة ، رحمه الله تعالى . 
محمد بن خليل بن عبد الوهاب بن بدر 
أبو عبد الله البيطار الأكال ،  أصله من 
جبل بني هلال ،   وولد بقصر 
حجاج ،  وكان مقيما 
بالشاغور ،  وكان   
[ ص: 420 ] فيه صلاح ودين وإيثار للفقراء والمحاويج والمحابيس ، وكانت له حال غريبة; لا يأكل لأحد شيئا إلا بأجرة ، وكان أهل البلد يترامون عليه ليأكل لهم الأشياء المفتخرة الطيبة ، فيمتنع إلا بأجرة جيدة ، وكلما تمنع من ذلك حلا عند الناس ، وأحبوه ومالوا إليه ، فيأتونه بأشياء كثيرة من الحلاوات والشواء وغير ذلك ، وأجرة جيدة مع ذلك ، وهذا غريب جدا ، رحمه الله تعالى ، ورضي عنه بمنه وكرمه آمين .