صفحة جزء
[ ص: 520 ] فصل في إسلام عبد الله بن سلام

قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، ثنا عوف ، عن زرارة ، عن عبد الله بن سلام ، قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، انجفل الناس إليه ، فكنت فيمن انجفل ، فلما تبينت وجهه عرفت أنه ليس بوجه كذاب ، فكان أول شيء سمعته يقول : " أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام " . ورواه الترمذي ، وابن ماجه ، من طرق عن عوف الأعرابي ، عن زرارة بن أبي أوفى به عنه . وقال الترمذي : صحيح . ومقتضى هذا السياق يقتضي أنه سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ورآه أول قدومه حين أناخ بقباء في بني عمرو بن عوف ، وتقدم في رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس أنه اجتمع به حين أناخ عند دار أبي أيوب ، بعد ارتحاله من قباء إلى دار بني النجار . كما تقدم ، فلعله رآه أول ما رآه بقباء ، واجتمع به بعدما صار إلى دار بني النجار . والله أعلم .

[ ص: 521 ] وفي سياق البخاري من طريق عبد العزيز ، عن أنس قال : فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام فقال : أشهد أنك رسول الله ، وأنك جئت بحق ، وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم ، وأعلمهم وابن أعلمهم ، فادعهم فسلهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت ، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في . فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهود فدخلوا عليه ، فقال لهم : " يا معشر اليهود ، ويلكم ، اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا ، وأني جئتكم بحق فأسلموا " . قالوا : ما نعلمه . قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ، قالها ثلاث مرار . قال : " فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ " . قالوا : ذاك سيدنا وابن سيدنا ، وأعلمنا وابن أعلمنا . قال : " أفرأيتم إن أسلم ؟ " . قالوا : حاش لله ، ما كان ليسلم . قال : " يا ابن سلام ، اخرج عليهم " . فخرج فقال : يا معشر يهود ، اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، وأنه جاء بالحق . فقالوا : كذبت . فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - هذا لفظه . وفي رواية - : فلما خرج عليهم شهد شهادة الحق قالوا : شرنا وابن شرنا ، وتنقصوه ، فقال : يا رسول الله ، هذا الذي كنت أخاف .

وقال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا الأصم ، حدثنا محمد [ ص: 522 ] بن إسحاق الصغاني ، ثنا عبد الله بن بكر ، ثنا حميد ، عن أنس ، قال : سمع عبد الله بن سلام بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو في أرض له ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي; ما أول أشراط الساعة ؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة ؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال : " أخبرني بهن جبريل آنفا " . قال : جبريل ؟ قال : " نعم " . قال : عدو اليهود من الملائكة . ثم قرأ : من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله [ البقرة : 97 ] قال : " أما أول أشراط الساعة فنار تخرج على الناس من المشرق إلى المغرب ، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة ، فزيادة كبد حوت ، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد " . قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، يا رسول الله ، إن اليهود قوم بهت ، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني . فجاءت اليهود فقال : " أي رجل عبد الله فيكم ؟ " قالوا : خيرنا [ ص: 523 ] وابن خيرنا ، وسيدنا وابن سيدنا . قال : " أرأيتم إن أسلم ؟ " قالوا : أعاذه الله من ذلك . فخرج عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله . قالوا : شرنا وابن شرنا وانتقصوه . قال : هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله . ورواه البخاري عن عبد الله بن منير ، عن عبد الله بن بكر به ، ورواه عن حامد بن عمر ، عن بشر بن المفضل ، عن حميد به .

قال محمد بن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن يحيى بن عبد الله ، عن رجل من آل عبد الله بن سلام قال : كان من حديث عبد الله بن سلام حين أسلم ، وكان حبرا عالما ، قال : لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعرفت صفته واسمه وهيئته ، والذي كنا نتوكف له فكنت مسرا لذلك صامتا عليه ، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلما قدم نزل بقباء في بني عمرو بن عوف ، فأقبل رجل حتى أخبر بقدومه ، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها ، وعمتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة ، فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت ، فقالت عمتي حين سمعت تكبيري : لو كنت [ ص: 524 ] سمعت بموسى بن عمران ما زدت! قال : قلت لها : أي عمة ، هو والله أخو موسى بن عمران ، وعلى دينه بعث بما بعث به . قال : فقالت له : يا ابن أخي ، أهو الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة ؟ قال : قلت لها : نعم . قالت : فذاك إذا . قال : فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ، ثم رجعت إلى أهل بيتي ، فأمرتهم فأسلموا ، وكتمت إسلامي من اليهود ، وقلت : يا رسول الله ، إن اليهود قوم بهت ، وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك ، فتغيبني عنهم ، ثم تسألهم عني ، فيخبروك كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا بإسلامي ، فإنهم إن يعلموا بذلك ، بهتوني وعابوني وذكر نحو ما تقدم . قال : فأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي ، وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث .

وقال يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، حدثني عبد الله بن أبي بكر ، حدثني محدث عن صفية بنت حيي ، قالت : لم يكن أحد من ولد أبي وعمي أحب إليهما مني ، لم ألقهما في ولد لهما قط أهش إليهما إلا أخذاني دونه ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء - قرية بني عمرو بن عوف - غدا إليه أبي وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين ، فوالله ما جاءانا إلا مع مغيب الشمس ، فجاءانا فاترين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى ، فهششت إليهما كما كنت أصنع ، فوالله ما نظر إلي واحد منهما ، فسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي : أهو هو ؟ قال : نعم والله . قال تعرفه بعينه وصفته ؟ قال : نعم والله . قال : [ ص: 525 ] فماذا في نفسك منه ؟ قال : عداوته والله ما بقيت .

وذكر موسى بن عقبة ، عن الزهري ، أن أبا ياسر بن أخطب حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ذهب إليه ، وسمع منه ، وحادثه ، ثم رجع إلى قومه ، فقال : يا قوم ، أطيعوني; فإن الله قد جاءكم بالذي كنتم تنتظرون ، فاتبعوه ولا تخالفوه . فانطلق أخوه حيي بن أخطب - وهو يومئذ سيد اليهود ، وهما من بني النضير - فجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه ، ثم رجع إلى قومه ، وكان فيهم مطاعا ، فقال : أتيت من عند رجل والله لا أزال له عدوا أبدا . فقال له أخوه أبو ياسر : يا ابن أم ، أطعني في هذا الأمر واعصني فيما شئت بعده ، لا تهلك . قال : والله لا أطيعك أبدا . واستحوذ عليه الشيطان واتبعه قومه على رأيه .

قلت : أما أبو ياسر بن أخطب فلا أدري ما آل إليه أمره ، وأما حيي بن أخطب والد صفية بنت حيي ، فشرب عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ولم يزل ذلك دأبه حتى قتل صبرا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قتل مقاتلة بني قريظة ، كما سيأتي إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية