صفحة جزء
[ ص: 663 ] ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وستمائة

في أولها كان مقتل الأشرف ، وذلك أنه خرج إلى الصيد في ثالث المحرم فلما كان بأرض تروجة بالقرب من الإسكندرية ثاني عشر المحرم ، حمل عليه جماعة من الأمراء الذين اتفقوا على قتله حين انفرد عن جمهور الجيش ، فأول من ضربه نائبه بيدرا ، وتمم عليه لاجين المنصوري ، ثم اختفى إلى رمضان ، وظهر يوم العيد ، وكان ممن شارك في قتل الأشرف بدر الدين بيسري وشمس الدين قراسنقر المنصوري ، فلما قتل الأشرف اتفق الأمراء على تمليك بيدرا ، وسموه الملك القاهر أو الأوحد ، فلم يتم له ذلك ، فقتل في اليوم الثاني بأمر كتبغا ، ثم اتفق زين الدين كتبغا ، وعلم الدين سنجر الشجاعي على أن يملكوا أخاه محمدا الملك الناصر بن قلاوون ، وكان عمره إذ ذاك ثمان سنين وشهورا ، فأجلسوه على سرير المملكة يوم الرابع عشر من المحرم ، وكان الوزير ابن السلعوس بالإسكندرية ، وكان قد خرج في صحبة السلطان ، وتقدم هو إلى الإسكندرية ، فلم يشعر إلا وقد أحاط به البلاء ، وجاءه العذاب من كل ناحية ، وذلك أنه كان يعامل الأمراء الكبار معاملة الصغار ، فأخذوه ، وتولى عقوبته من [ ص: 664 ] بينهم الشجاعي ، فضرب ضربا عظيما ، وقرر على الأموال ، ولم يزالوا يعاقبونه حتى كانت وفاته في عاشر صفر بعد أن احتيط على حواصله كلها . وأحضر جسد الأشرف فدفن بتربته وتألم الناس لفقده ، وأعظموا قتله ، وقد كان شهما شجاعا عالي الهمة ، حسن النظر ، كان قد عزم على غزو العراق واسترجاع تلك البلاد من أيدي التتار ، واستعد لذلك ، ونادى به في بلاده ، وقد فتح في مدة ملكه - وكانت ثلاث سنين - عكا وسائر السواحل ، ولم يترك للفرنج فيها معلما ولا حجرا ، وفتح قلعة الروم وبهسنا وغيرها .

فلما جاءت بيعة الملك الناصر إلى دمشق خطب له بها على المنابر ، واستقر الحال على ذلك ، وجعل الأمير كتبغا أتابكه ، والشجاعي مشاورا كبيرا ، ثم قتل بعد أيام بقلعة الجبل ، وحمل رأسه إلى كتبغا ، فأمر أن يطاف به في البلد ، ففرح الناس بذلك فرحا شديدا ، وأعطوا الذين حملوا رأسه مالا ، ولم يبق لكتبغا منازع ، ومع هذا كان يشاور كبار الأمراء تطييبا لقلوبهم .

وفي صفر بعد موت ابن السلعوس عزل بدر الدين بن جماعة عن القضاء ، وأعيد تقي الدين ابن بنت الأعز ، واستمر ابن جماعة مدرسا بمصر في كفاية ورياسة ، وتولى الوزارة بمصر الصاحب تاج الدين بن الحنا ، وفي ظهر يوم الأربعاء الحادي والعشرين من صفر رتب إمام بمحراب الصحابة ، وهو كمال الدين عبد الرحمن بن القاضي محيي الدين بن الزكي ، وصلى يومئذ بعد الخطيب ، ورتب بالمكتب الذي بباب الناطفانيين إمام أيضا ، وهو ضياء الدين بن [ ص: 665 ] برهان الدين الإسكندري ، وباشر نظر الجامع الشريف زين الدين حسين بن محمد بن عدنان ، وعاد سوق الحريريين إلى سوقه ، وأخلوا قيسارية القطن الذي كان نواب طقجي ألزموهم بسكناها ، وولي خطابة دمشق الشيخ العلامة شرف الدين أحمد بن جمال الدين أحمد بن نعمة بن أحمد المقدسي ، بعد عزل موفق الدين الحموي ، دعوه إلى حماة فخطب المقدسي يوم الجمعة نصف رجب ، وقرئ تقليده ، وكانت ولايته بإشارة تاج الدين بن الحنا الوزير بمصر ، وكان فصيحا بليغا عالما بارعا .

وفي أواخر رجب حلف الأمراء للأمير زين الدين كتبغا مع الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وسارت البيعة بذلك في سائر المدن والمعاقل .

التالي السابق


الخدمات العلمية