صفحة جزء
[ ص: 673 ] سلطنة الملك العادل كتبغا

وأصبح الأمير كتبغا في الحادي عشر من المحرم ، فجلس على سرير المملكة ، وخلع الملك الناصر محمد بن المنصور ، وألزمه بيت أهله ، وأن لا يخرج منه ، وبايعه الأمراء على ذلك وهنأوه ، ومد سماطا حافلا ، وسارت البريدية بذلك إلى الأقاليم ، فبويع وخطب له مستقلا ، وضربت السكة باسمه ، وتم الأمر ، وزينت البلاد ، ودقت البشائر ، ولقب بالملك العادل ، وكان عمره إذ ذاك نحوا من خمسين سنة ، فإنه من سبي وقعة حمص الأولى التي كانت في أيام الملك الظاهر بعد وقعة عين جالوت ، وكان من العويراتية ، وهم طائفة من التتر ، واستناب في مصر الأمير حسام الدين لاجين السلحداري المنصوري ، وكان بين يديه مدبر الممالك . وقد ذكر ابن الجزري في " تاريخه " عن بعض الأمراء أنه شهد هولاكوقان قد سأل منجمه أن يستخرج له من هؤلاء المقدمين في عسكره الذي يملك الديار المصرية ، فضرب وحسب ، وقال له : أجده رجلا يملكها اسمه كتبغا . فظنه كتبغانوين وكان صهر هولاكو فقدمه على العساكر فلم يكن هو ، فقتل في عين جالوت كما ذكرنا ، وإنما الذي ملك مصر هذا الرجل ، وكان من خيار الأمراء وأجودهم سيرة ومعدلة وقصدا في نصرة الإسلام .

وفي يوم الأربعاء مستهل ربيع الأول ركب كتبغا في أبهة الملك ، وشق القاهرة ، ودعا له الناس ، وعزل الصاحب تاج الدين بن الحنا عن الوزارة ، وولى [ ص: 674 ] فخر الدين بن الخليلي ، واستسقى الناس بدمشق عند مسجد القدم ، وخطب بهم تاج الدين صالح الجعبري نيابة عن مستخلفه الشيخ شرف الدين المقدسي ، وكان مريضا ، فعزل نفسه عن القضاء ، وخطب الناس بعد ذلك ، وذلك يوم الأربعاء خامس جمادى الأولى ، فلم يسقوا ، ثم استسقوا مرة أخرى يوم السبت سابع جمادى الآخرة بالمكان المذكور ، وخطب بهم شرف الدين المقدسي ، وكان الجمع أكثر من الأول ، فلم يسقوا .

وفي رجب حكم كمال الدين بن الشريشي نيابة عن القاضي بدر الدين بن جماعة .

وفيه درس بالمعظمية القاضي شمس الدين بن العز ، انتزعها من علاء الدين بن الدقاق .

وفيه ولي القدس والخليل الملك الأوحد ابن الملك الناصر داود بن المعظم .

وفي رمضان رسم للحنابلة أن يصلوا قبل الإمام الكبير ، وذلك أنهم كانوا يصلون بعده ، فلما أحدث محراب الصحابة كانوا يصلون جميعا في وقت واحد ، فكان يحصل تشويش بسبب ذلك ، فاستقرت القاعدة على أن يصلوا قبل الإمام الكبير ، في وقت صلاة مشهد علي بالصحن عند محرابهم في الرواق الثالث الغربي .

قلت : وقد تغيرت هذه القاعدة بعد العشرين وسبعمائة كما سيأتي .

وفي أواخر رمضان قدم القاضي نجم الدين بن صصرى من الديار المصرية [ ص: 675 ] على قضاء العساكر بالشام .

وفي ظهر يوم الخميس خامس شوال صلى القاضي بدر الدين بن جماعة بمحراب الجامع إماما وخطيبا عوضا عن الخطيب المدرس شرف الدين المقدسي ، ثم خطب من الغد ، وشكرت خطبته وقراءته ، وذلك مضاف إليه ما بيده من القضاء وغيره .

وفي أواخر شوال قدمت من الديار المصرية تواقيع شتى; منها تدريس الغزالية لابن صصرى عوضا عن الخطيب المقدسي ، وتوقيع بتدريس الأمينية لإمام الدين القزويني عوضا عن نجم الدين بن صصرى ، ورسم لأخيه جلال الدين بتدريس الظاهرية البرانية عوضا عنه .

وفي شوال كملت عمارة الحمام الذي أنشاه عز الدين الحموي بمسجد القصب ، وهو من أحسن الحمامات ، وباشر مشيخة دار الحديث النورية الشيخ علاء الدين بن العطار عوضا عن شرف الدين المقدسي .

وحج فيها الملك المجاهد أنس بن الملك العادل كتبغا ، وتصدقوا بصدقات كثيرة في الحرمين وغيرهما .

ونودي بدمشق يوم عرفة أن لا يركب أحد من أهل الذمة خيلا ولا بغالا ، ومن رأى من المسلمين أحدا من أهل الذمة قد خالف ذلك فله سلبه .

وفي أواخر هذه السنة والتي تليها حصل بديار مصر غلاء شديد ، هلك [ ص: 676 ] بسببه خلق كثير ، هلك في شهر ذي الحجة نحو من عشرين ألفا .

وفيها ملك التتر قازان بن أرغون بن أبغا بن تولى بن جنكزخان ، فأسلم وأظهر الإسلام على يد الأمير نوروز ، رحمه الله تعالى ، ودخلت التتر أو أكثرهم في الإسلام ، ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رءوس الناس يوم إسلامه ، وتسمى بمحمود ، وشهد الجمعة والخطبة ، وخرب كنائس كثيرة ، وضرب عليهم الجزية ، ورد مظالم كثيرة ببغداد وغيرها من البلاد ، وظهرت السبح والهياكل مع التتر ، والحمد لله وحده .

التالي السابق


الخدمات العلمية