صفحة جزء
[ ص: 554 ] فصل في عقده عليه السلام الألفة بين المهاجرين والأنصار بالكتاب الذي أمر به فكتب بينهم ، والمؤاخاة التي أمرهم بها وقررهم عليها ، وموادعته اليهود الذين كانوا بالمدينة

وكان بها من أحياء اليهود بنو قينقاع ، وبنو النضير ، وبنو قريظة ، وكان نزولهم بالحجاز قبل الأنصار أيام بخت نصر ، حين دوخ بلاد المقدس ، فيما ذكره الطبري ، ثم لما كان سيل العرم وتفرقت سبأ شذر مذر ، نزل الأوس والخزرج المدينة عند اليهود ، فحالفوهم وصاروا يتشبهون بهم; لما يرون لهم عليهم من الفضل في العلم المأثور عن الأنبياء ، لكن من الله على هؤلاء ، الذين كانوا مشركين بالهدى والإسلام ، وخذل أولئك; لحسدهم ، وبغيهم ، واستكبارهم عن اتباع الحق .

قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ثنا ، حماد بن سلمة ، ثنا عاصم الأحول ، عن أنس بن مالك ، قال : حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك

[ ص: 555 ] وقد رواه الإمام أحمد أيضا ، والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، من طرق متعددة عن عاصم بن سليمان الأحول ، عن أنس بن مالك ، قال : حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داري .

وقال الإمام أحمد : حدثنا نصر بن باب ، عن حجاج ، هو ابن أرطاة . قال : وحدثنا سريج ، ثنا عباد ، عن حجاج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم ، وأن يفدوا عانيهم بالمعروف والإصلاح بين المسلمين

قال أحمد : وحدثنا سريج ، ثنا عباد ، عن حجاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس مثله . تفرد به الإمام أحمد . وفي " صحيح مسلم " عن جابر ، قال : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله .

وقال محمد بن إسحاق : وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار ، وادع فيه اليهود وعاهدهم ، وأقرهم على دينهم وأموالهم ، واشترط [ ص: 556 ] عليهم وشرط لهم : " بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من محمد النبي ، بين المؤمنين والمسلمين ، من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم : إنهم أمة واحدة من دون الناس ، المهاجرون من قريش على ربعتهم ، يتعاقلون بينهم ، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط ، وبنو عوف على ربعتهم ، يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين " . ثم ذكر كل بطن من بطون الأنصار ، وأهل كل دار; بني ساعدة ، وبني جشم ، وبني النجار ، وبني عمرو بن عوف ، وبني النبيت ، إلى أن قال : " وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء وعقل ، ولا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه ، وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم ، أو ابتغى دسيعة ظلم ، أو إثم أو عدوان ، أو فساد بين المؤمنين ، وإن أيديهم عليه جميعهم ولو كان ولد أحدهم ، ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ، ولا ينصر كافر على مؤمن ، وإن ذمة الله واحدة ، يجير عليهم أدناهم ، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس ، وإنه من تبعنا من يهود ، فإن له النصر والأسوة; غير مظلومين ولا متناصر عليهم ، وإن سلم المؤمنين واحدة ; لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله ، إلا على سواء وعدل بينهم ، وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا ، وإن المؤمنين يبيء بعضهم بعضا بما نال [ ص: 557 ] دماءهم في سبيل الله ، وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه ، وإنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ، ولا يحول دونه على مؤمن ، وإنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة ، فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول ، وإن المؤمنين عليه كافة ، ولا يحل لهم إلا قيام عليه ، وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة ، وآمن بالله واليوم الآخر ، أن ينصر محدثا ولا يؤويه ، وإنه من نصره أو آواه ، فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل ، وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل ، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم ، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ، وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين; لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم ، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته ، وإن ليهود بني النجار ، وبني الحارث ، وبني ساعدة ، وبني جشم ، وبني الأوس ، وبني ثعلبة وجفنة ، وبني الشطيبة ، مثل ما ليهود بني عوف ، وإن بطانة يهود كأنفسهم ، وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا ينحجز على ثأر جرح ، وإنه من فتك ، فبنفسه فتك وأهل بيته ، إلا من ظلم وإن الله على أبر هذا ، [ ص: 558 ] وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم ، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة ، وإن بينهم النصح والنصيحة ، والبر دون الإثم ، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه ، وإن النصر للمظلوم ، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة ، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم ، وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها ، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده ، فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره ، وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها ، وإن بينهم النصر على من دهم يثرب ، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ، وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك ، فإنه لهم على المؤمنين ، إلا من حارب في الدين; على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم ، وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم ، وإنه من خرج آمن ، ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو أثم ، وإن الله جار لمن بر واتقى " . كذا أورده ابن إسحاق بنحوه ، وقد تكلم عليه أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله ، في كتاب " الغريب " وغيره بما يطول ذكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية