صفحة جزء
كائنة غريبة جدا

قدم يوم الأربعاء الثلاثين من صفر أمير من الديار المصرية ، ومعه الأمر بالبيعة للملك الأشرف علاء الدين كجك ابن السلطان الملك الناصر ، وذلك بعد عزل أخيه المنصور; لما صدر عنه من الأفعال التي ذكر أنه تعاطاها من شرب المسكر ، وغشيان المنكرات ، وتعاطي ما لا يليق به ، ومعاشرة الخاصكية من المردان وغيرهم ، فتمالأ على خلعه كبار الأمراء لما رأوا الأمر تفاقم إلى الفساد العريض ، فأحضروا الخليفة الحاكم بأمر الله أبي الربيع سليمان ، فأثبت بين يديه ما نسب إلى الملك المنصور المذكور من الأمور ، فحينئذ خلعه ، وخلعه الأمراء الكبار وغيرهم ، واستبدلوا مكانه أخاه هذا المذكور ، وسيروه إذ ذاك إلى قوص مضيقا عليه ومعه إخوة له ثلاثة - وقيل أكثر - وأجلسوا الملك الأشرف هذا على السرير ، وناب له الأمير سيف الدين قوصون الناصري ، واستمرت الأمور على السداد ، وجاءت البيعة إلى الشام ، فبايعه الأمراء يوم الأربعاء المذكور ، وضربت البشائر عشية الخميس مستهل ربيع الأول ، وخطب له بدمشق يوم الجمعة بحضرة نائب السلطنة والقضاة والأعيان والأمراء .

وفي يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول حضر الدرس بدار الحديث الأشرفية قاضي القضاة تقي الدين السبكي ، عوضا عن شيخنا الحافظ جمال الدين [ ص: 430 ] المزي ، ومشيخة دار الحديث النورية عوضا عن ابنه ، رحمه الله .

وفي شهر جمادى الأولى اشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر قائم في نصرة ابن السلطان الأمير أحمد الذي بالكرك ، وأنه يستخدم لذلك ويجمع الجموع ، فالله أعلم . وفي العشر الثاني منه وصلت الجيوش صحبة الأمير سيف الدين قطلوبغا الفخري إلى الكرك في طلب ابن السلطان الأمير أحمد .

وفي هذا الشهر كثر الكلام في أمر الأمير أحمد بن الناصر الذي بالكرك; بسبب محاصرة الجيش الذي صحبة الفخري له ، واشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر قائم بجنب أولاد السلطان الذين أخرجوا من الديار المصرية إلى الصعيد ، وفي القيام بالمدافعة عن الأمير أحمد ، ليصرف عنه الجيش ، وترك حصاره وعزم بالذهاب إلى الكرك لنصرة أحمد ابن أستاذه ، وتهيأ له نائب الشام بدمشق ، ونادى في الجيش لملتقاه ومدافعته عما يريد من إقامة الفتنة وشق العصا ، واهتم الجند لذلك ، وتأهبوا واستعدوا ، ولحقهم في ذلك كلفة كثيرة ، وانزعج الناس بسبب ذلك ، وتخوفوا أن تكون فتنة ، وحسبوا إن وقع قتال بينهم أن تقوم العشيرات في الجبال وحوران ، وتتعطل مصالح الزراعات وغير ذلك ، ثم قدم من حلب حاجب السلطان في الرسلية إلى نائب دمشق الأمير علاء الدين ألطنبغا ومعه مشافهة فاستمع لها ، فبعث معه صاحب الميسرة أيان الساقي ، فذهبا إلى حلب ثم [ ص: 431 ] رجعا في أواخر جمادى الآخرة ، وتوجها إلى الديار المصرية ، واشتهر أن الأمر على ما هو عليه حتى توافق على ما ذكر من رجوع أولاد الملك الناصر إلى مصر ما عدا المنصور ، وأن يخلى عن محاصرة الكرك .

وفي العشر الأخير من جمادى الأولى توفي مظفر الدين موسى بن مهنا ملك العرب ، ودفن بتدمر .

وفي صبيحة يوم الثلاثاء ثاني جمادى الآخرة عند طلوع الشمس توفي الخطيب بدر الدين محمد ابن القاضي جلال الدين القزويني ، بدار الخطابة بعد رجوعه من الديار المصرية كما قدمنا ، فخطب جمعة واحدة ، وصلى بالناس إلى ليلة الجمعة الأخرى ، ثم مرض ، فخطب عنه أخوه تاج الدين عبد الرحيم على العادة ثلاث جمع وهو مريض إلى أن توفي يومئذ ، وتأسف الناس عليه; لحسن شكله ، وصباحة وجهه ، وحسن ملتقاه ، وتواضعه ، واجتمع الناس للصلاة عليه الظهر ، فتأخر تجهيزه إلى العصر ، فصلى عليه بالجامع قاضي القضاة تقي الدين السبكي ، وخرج به الناس إلى الصوفية ، وكانت جنازته حافلة جدا ، فدفن عند أبيه بالتربة التي أنشأها الخطيب بدر الدين هناك ، رحمه الله .

وفي يوم الجمعة خامس الشهر بعد الصلاة خرج نائب السلطنة الأمير علاء الدين ألطنبغا هو وجميع الجيش قاصدين البلاد الحلبية; للقبض على نائب حلب [ ص: 432 ] الأمير سيف الدين طشتمر; لأجل ما أظهر من القيام مع ابن السلطان الأمير أحمد الذي في الكرك ، وخرج الناس في يوم شديد المطر كثير الوحل ، وكان يوما مشهودا عصيبا ، أحسن الله العاقبة .

وأمر القاضي تقي الدين السبكي الخطيب والمؤذنين بزيادة أذكار على الذي كان سنه فيهم الخطيب بدر الدين ، من التسبيح ، والتحميد ، والتهليل الكثير ثلاثا وثلاثين ، فزادهم السبكي قبل ذلك : أستغفر الله العظيم - ثلاثا - اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام .

كما ثبت في " صحيح مسلم " . وبعد صلاة الصبح والمغرب - بعد التسبيح والتحميد والتكبير - : اللهم أجرنا من النار سبعا ، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثا ، وكانوا قبل تلك السنوات قد زادوا بعد التأذين الآية ليلة الجمعة ، والتسليم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبتدئ الرئيس منفردا ثم يعيد عليه الجماعة بطريقة حسنة ، وصار ذلك سببا لاجتماع الناس في صحن الجامع لاستماع ذلك ، وكلما كان المبتدئ حسن الصوت كانت الجماعة أكثر اجتماعا ، ولكن طال بسبب ذلك الفصل ، وتأخرت الصلاة عن أول وقتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية