صفحة جزء
[ ص: 590 ] إعادة القضاة

وقد كان صرغتمش عزل القضاة الثلاثة بدمشق; وهم الشافعي ، والحنفي ، والمالكي كما تقدم ، وعزل قبلهم ابن جماعة ، وولى ابن عقيل ، فلما مسك صرغتمش رسم السلطان بإعادة القضاة على ما كانوا عليه ، ولما ورد الخبر بذلك إلى دمشق امتنع القضاة الثلاثة من الحكم ، غير أنهم حضروا ليلة العيد لرؤية الهلال بالجامع الأموي ، وركبوا مع النائب صبيحة العيد إلى المصلى على عادة القضاة ، وهم على وجل ، وقد انتقلوا من مدارس الحكم ، فرجع قاضي القضاة أبو البقاء الشافعي إلى بستانه بالزعيفرية ، ورجع قاضي القضاة جمال الدين بن السراج إلى داره بالتعديل . وارتحل قاضي القضاة شرف الدين المالكي إلى الصالحية داخل الصمصامية ، وتألم كثير من الناس بسببه; لأنه قد قدم غريبا من الديار المصرية ، وهو فقير وتدين ، وقد باشر الحكم جيدا ، ثم تبين بأخرة أنه لم يعزل ، وأنه مستمر كما سنذكره ، ففرح أصحابه وأحبابه وكثير من الناس بذلك . فلما كان يوم الأحد رابع شوال قدم البريد ، وصحبته تقليد الشافعي قاضي القضاة تاج الدين بن السبكي ، وتقليد الحنفي قاضي القضاة شرف الدين الكفري ، واستمر قاضي القضاة شرف الدين المالكي العراقي على قضاء المالكية; لأن السلطان تذكر أنه كان شافهه بولاية القضاء بالشام ، وسيره بين يديه إلى دمشق ، فحمدت سيرته كما حسنت سريرته ، إن شاء الله ، وفرح الناس له بذلك .

وفي ذي القعدة توفي المحدث شمس الدين محمد بن سعد الدين يحيى بن محمد بن سعد الحنبلي يوم الاثنين ثالثه ، ودفن من الغد بالسفح ، وقد قارب [ ص: 591 ] الستين ، وكتب كثيرا وخرج ، وكانت له معرفة جيدة بأسماء الأجزاء ورواتها من الشيوخ المتأخرين ، وقد كتب للحافظ البرزالي قطعة كبيرة من مشايخه ، وخرج له عن كل حديثا أو أكثر ، وأثبت له ما سمعه عن كل منهم ، ولم يتم حتى توفي البرزالي ، رحمه الله .

وتوفي بهاء الدين بن المرجاني ، باني جامع الفوقاني ، وكان مسجدا في الأصل فبناه جامعا ، وجعل فيه خطبة ، وكنت أول من خطب فيه سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ، وسمع شيئا من الحديث .

وبلغنا مقتل الأمير سيف الدين بن فضل بن عيسى بن مهنا أحد أمراء الأعراب الأجواد الأنجاد ، وقد ولي إمرة آل مهنا غير مرة كما وليها أبوه من قبله; عدا عليه بعض بني عمه فقتله عن غير قصد بقتله ، كما ذكر ، لكن لما حمل عليه السيف أراد أن يدفع عن نفسه ويتقيه ، فضربه بسيف في رأسه ففلقه ، فلم يعش بعدها غير أياما قلائل ومات ، رحمه الله . آمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية