صفحة جزء
[ ص: 693 ] ثم دخلت سنة ست وستين وسبعمائة

استهلت هذه السنة والسلطان الملك الأشرف ناصر الدين شعبان ، والدولة بمصر والشام هم هم . ودخل المحمل السلطاني في صبيحة يوم الاثنين الرابع والعشرين منه ، وذكروا أنهم نالهم في الرجعة شدة شديدة من الغلاء ، وموت الجمال ، وهرب الجمالين ، وقدم مع الركب الشامي ممن خرج من الديار المصرية قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح ، وقد سبقه التقليد بقضاء القضاة مع خاله تاج الدين ، يحكم فيما يحكم فيه مستقلا معه منفردا بعده .

وفي شهر الله المحرم رسم نائب السلطنة بتخريب قريتين من وادي التيم ، وهما مشغرا وتلفيتا ، وسبب ذلك أنهما عاصيان ، وأهلهما مفسدان في الأرض والبلدان والأرض حصينان لا يصل إليهما إلا بكلفة كثيرة ، لا يرتقي إليهما إلا فارس فارس ، فخربتا ، وعمر بدلهما في أسفل الوادي ، بحيث يصل إليهما حكم الحاكم ، والطلب بسهولة ، فأخبرني الملك صلاح الدين بن الكامل [ ص: 694 ] أن بلدة تلفيتا عمل فيها ألف فارس ، ونقل بعضها إلى أسفل الوادي خمسمائة حمار عدة أيام .

وفي يوم الجمعة سادس صفر بعد الصلاة صلي على قاضي القضاة جمال الدين يوسف ابن قاضي القضاة شرف الدين أحمد ابن أقضى القضاة الحسين الكفري الحنفي ، وكانت وفاته ليلة الجمعة المذكورة بعد مرض قريب من شهر ، وقد جاوز الأربعين بثلاث من السنين ، ولي قضاء قضاة الحنفية ، وخطب بجامع يلبغا ، وحضر مشيخة النفيسية ، ودرس بأماكن من مدارس الحنفية ، وهو أول من خطب بالجامع المستجد داخل باب كيسان بحضرة نائب السلطنة .

وفي صفر كانت وفاة الشيخ جمال الدين عمر ابن القاضي عبد المحيي بن إدريس الحنفي محتسب بغداد ، وقاضي الحنابلة بها ، فتعصبت عليه الروافض حتى ضرب بين يدي الوزارة ضربا مبرحا كان سبب موته سريعا ، رحمه الله ، وكان من القائمين بالحق ، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، من أكبر المنكرين على الروافض وغيرهم من أهل البدع ، رحمه الله ، وبل بالرحمة ثراه .

وفي يوم الأربعاء تاسع صفر حضر مشيخة النفيسية الشيخ شمس الدين بن سند ، وحضر عنده قاضي القضاة تاج الدين ، وجماعة من الأعيان ، وأورد حديث [ ص: 695 ] عبادة بن الصامت : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب . أسنده عن قاضي القضاة المشار إليه .

وجاء البريد من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة تاج الدين إلى هناك ، فسير أهله قبله على الجمال ، وخرجوا يوم الجمعة حادي عشر ربيع الأول جماعة من أهل بيتهم لزيارة أهليهم هناك ، فأقام هو بعدهم حتى قدم نائب السلطنة من الرحبة ، وركب على البريد .

وفي يوم الاثنين خامس عشر جمادى الآخرة رجع قاضي القضاة تاج الدين السبكي من الديار المصرية على البريد ، وتلقاه الناس إلى أثناء الطريق ، واحتفلوا للسلام عليه وتهنئته بالسلامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية