صفحة جزء
[ ص: 715 ] وفاة قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن حاتم الشافعي

وفي العشر الأول من شهر شعبان قدم كتاب من الديار المصرية بوفاة قاضي القضاة عز الدين ابن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة بمكة - شرفها الله - في العاشر من جمادى الآخرة ، ودفن في الحادي عشر في باب المعلى ، وذكروا أنه توفي وهو يقرأ القرآن ، وأخبرني صاحبنا الشيخ محيي الدين الرحبي - حفظه الله تعالى - أنه كان يقول كثيرا : أشتهي أن أموت وأنا معزول ، وأن تكون وفاتي بأحد الحرمين . فأعطاه الله ما تمناه; عزل نفسه في السنة الماضية ، وهاجر إلى مكة ، ثم قدم المدينة لزيارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عاد إلى مكة ، وكانت وفاته بها في الوقت المذكور ، فرحمه الله ، وبل بالرحمة ثراه .

وقد كان مولده في سنة أربع وتسعين ، فتوفي عن ثلاث وسبعين سنة ، وقد نال العز عزا في الدنيا ، ورفعة هائلة ، ومناصب ، وتداريس كبارا ، ثم عزل نفسه ، وتفرغ للعبادة والمجاورة بالحرمين الشريفين ، فيقال له ما قلته في بعض المراثي :


فكأن قد أعلمت بالموت حتى قد تزودت من خيار الزاد

[ ص: 716 ] وحضر عندي في يوم الثلاثاء تاسع شوال البترك بشارة الملقب بميخائيل النصراني الملكي ، وأخبرني أن المطارنة بالشام بايعوه على أن جعلوه بتركا بدمشق عوضا عن البترك بأنطاكية ، فذكرت له أن هذا أمر مبتدع في دينهم ، فإنه لا تكون البتاركة إلا أربعة; بالإسكندرية ، وبالقدس ، وبأنطاكية ، وبرومية ، فنقل بترك رومية إلى إسطنبول وهي القسطنطينية ، وقد أنكر عليهم كثير منهم إذ ذاك ، فهذا الذي ابتدعوه في هذا الوقت أعظم من ذلك ! لكن اعتذر بأنه في الحقيقة هو عن أنطاكية ، وإنما أذن له في المقام بالشام الشريف; لأجل أنه أمره نائب السلطنة أن يكتب عنه وعن أهل ملتهم إلى صاحب قبرس ، يذكر له ما حل بهم من الخزي ، والنكال ، والجناية بسبب عدوان صاحب قبرس على مدينة الإسكندرية ، وأحضر لي الكتب إليه وإلى ملك إسطنبول ، وقرأها علي من لفظه - لعنه الله ولعن المكتوب إليهم أيضا - وقد تكلمت معه في دينهم ونصوص ما يعتقده كل من الطوائف الثلاث; وهم الملكية ، واليعقوبية - ومنهم الإفرنج والقبط - والنسطورية ، فإذا هو يفهم بعض الشيء ، ولكن حاصله أنه حمار من أكفر الكفار ، لعنه الله .

وفي هذا الشهر بلغنا استعادة السلطان أويس ابن الشيخ حسن ملك العراق وخراسان لبغداد من يد الطواشي مرجان الذي كان نائبه عليها وامتنع من طاعة أويس ، فجاء إليه في جحافل كثيرة ، فهرب مرجان ، ودخل [ ص: 717 ] أويس إلى بغداد دخولا هائلا ، وكان يوما مشهودا .

وفي يوم السبت السابع والعشرين من شعبان قدم الأمير سيف الدين بيدمر من الديار المصرية على البريد أمير مائة مقدم ألف ، وعلى نيابة يلبغا في جميع دواوينه بدمشق وغيرها ، وعلى إمارة البحر وعمل المراكب ، فلما قدم أمر بجمع جميع النشارين ، والنجارين ، والحدادين ، وتجهيزهم لبيروت لقطع الأخشاب ، فسيروا يوم الأربعاء ثاني رمضان ، وهو عازم على اللحاق بهم إلى هنالك ، وبالله المستعان ، ثم أتبعوا بآخرين من نجارين ، وحدادين ، وعتالين ، وغير ذلك ، وجعلوا كل من وجدوه من ركاب الحمير ينزلونه ويركبوا إلى ناحية البقاع ، وسخروا لهم من الصناع وغيرهم ، وجرت خطبة عظيمة ، وتباكى عوائلهم وأطفالهم ، ولم يسلفوا شيئا من أجورهم ، وكان من اللائق أن يسلفوه حتى يتركوه إلى أولادهم .

وخطب برهان الدين المقدسي الحنفي بجامع يلبغا عوضا عن تقي الدين ابن قاضي القضاة شرف الدين الكفري ، بمرسوم شريف ومرسوم نائب صفد أسندمر أخي يلبغا ، وشق ذلك عليه وعلى جده وجماعتهم ، وذلك يوم الجمعة الرابع من رمضان ، هذا وحضر عنده خلق كثير .

وفي يوم الخميس الرابع والعشرين منه قرئ تقليد قاضي القضاة شرف الدين ابن قاضي الجبل لقضاء الحنابلة ، عوضا عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي ، عزل هو والمالكي معه أيضا; بسبب أمور تقدم نسبتها لهما ، وقرئ التقليد بمحراب الحنابلة ، وحضر عنده الشافعي ، والحنفي ، وكان المالكي معتكفا بالقاعة [ ص: 718 ] من المنارة الغربية ، فلم يخرج إليهم; لأنه معزول أيضا بسري الدين قاضي حماة ، وقد وقعت شرور وتخبيط بالصالحية وغيرها .

وفي صبيحة يوم الأربعاء الثلاثين من شهر رمضان خلع على قاضي القضاة سري الدين إسماعيل المالكي - قدم من حماة على قضاء المالكية - عوضا عن قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي - عزل عن المنصب - وقرئ تقليده بمقصورة المالكية من الجامع ، وحضر عنده القضاة والأعيان .

وفي صبيحة يوم الأربعاء سابع شوال قدم الأمير حيار بن مهنا إلى دمشق سامعا مطيعا ، بعد أن جرت بينه وبين الجيوش حروب متطاولة ، كل ذلك ليطأ البساط ، فأبى خوفا من المسك والحبس أو القتل ، فبعد ذلك كله قدم هذا اليوم قاصدا الديار المصرية; ليصطلح مع الأمير الكبير يلبغا ، فتلقاه الحجبة ، والمهمندارية ، والخلق ، وخرج الناس للفرجة ، فنزل القصر الأبلق ، وقدم معه نائب حماة عمر شاه فنزل معه ثاني يوم إلى الديار المصرية . وأقرأني القاضي ولي الدين عبد الله وكيل بيت المال كتاب والده قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية; أن الأمير الكبير جدد درسا بجامع ابن طولون فيه سبعة مدرسين للحنفية ، وجعل لكل فقيه منهم في الشهر أربعين درهما ، وإردب قمح ، وذكر فيه أن جماعة من غير الحنفية انتقلوا إلى مذهب أبي حنيفة لينزلوا في هذا الدرس .

التالي السابق


الخدمات العلمية