صفحة جزء
رواية أنس بن مالك : قال ابن أبي الدنيا : حدثنا سعيد بن سليمان ، عن منصور بن أبي الأسود ، عن ليث ، عن الربيع بن أنس ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أولهم خروجا ، وأنا قائدهم إذا وفدوا ، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا ، وأنا شفيعهم إذا حبسوا ، وأنا مبشرهم إذا يئسوا ، لواء الكرامة والمفاتيح يومئذ بيدي ، ولواء الحمد يومئذ بيدي ، وأنا أكرم ولد آدم على ربي ، يطوف علي ألف خادم ، كأنهم بيض مكنون ، أو كأنهم لؤلؤ منثور " .

ثم رواه عن خلف بن هشام ، عن حبان بن علي العنزي ، عن ليث بن أبي سليم ، عن عبيد الله بن زحر ، عن الربيع بن أنس ، فذكره مرفوعا كما تقدم .

[ ص: 196 ] طريق أخرى عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا بسطام بن حريث ، عن أشعث الحداني ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " .

وهكذا رواه أبو داود ، عن سليمان ، عن بسطام ، عن أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني ، عن أنس .

طريق أخرى : قال البزار في " مسنده " : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا الخزرج بن عثمان ، عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " . ثم قال : لم يروه عن ثابت إلا الخزرج بن عثمان .

وهكذا رواه أبو يعلى من طريق يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " .

طريق أخرى عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا عارم ، حدثنا معتمر ، [ ص: 197 ] سمعت أبي يحدث عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل نبي قد سأل سؤالا " . أو قال : " لكل نبي دعوة قد دعاها ، فاستخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة " . أو كما قال .

ورواه البخاري تعليقا ، فقال : وقال معتمر ، عن أبيه . وأسنده مسلم ، فرواه عن محمد بن عبد الأعلى ، عن معتمر ، عن أبيه سليمان بن طرخان التيمي ، عن أنس ، به نحوه .

طريق أخرى عنه : قال ابن أبي الدنيا : حدثنا فضيل بن عبد الوهاب ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن حميد ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " .

قال ابن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن يزيد العجلي ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، حدثنا حميد ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم القيامة أنلت الشفاعة ، فأشفع لمن كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، حتى لا يبقى أحد في قلبه من الإيمان مثل هذا " . وحرك الإبهام والمسبحة .

طريق أخرى عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا بهز وعفان ، قالا : حدثنا [ ص: 198 ] همام ، حدثنا قتادة ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن لكل نبي دعوة قد دعا بها ، فاستجيب له ، وإني استخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة " . وهذا الحديث على شرطهما ، ولم يخرجوه من حديث همام ، وإنما أخرجه الشيخان من حديث أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ، عن قتادة .

ثم رواه مسلم من حديث سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجتمع المؤمنون يوم القيامة ، فيهمون بذلك ، أو يلهمون ذلك " . بمثل حديث أبي عوانة . وقال في الحديث : " ثم آتيه الرابعة - أو أعود الرابعة - فأقول : يا رب ، ما بقي إلا من حبسه القرآن " .

طريق أخرى عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يحبس المؤمنون يوم القيامة ، فيهمون لذلك ، فيقولون : لو استشفعنا على ربنا فيريحنا من مكاننا هذا . فيأتون آدم ، فيقولون : أنت أبونا ، خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك أسماء كل شيء ، فاشفع لنا عند ربك . قال : فيقول : لست هناكم . ويذكر خطيئته التي أصاب ، أكله من الشجرة وقد نهي عنها . ولكن ائتوا نوحا أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض . قال : فيأتون نوحا ، فيقول : لست هناكم . [ ص: 199 ] ويذكر خطيئته ; سؤاله ربه ما ليس له به علم ، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن . فيأتون إبراهيم ، فيقول : لست هناكم . ويذكر خطيئته التي أصاب ، ثلاث كذبات كذبهن ; قوله : إني سقيم . وقوله : بل فعله كبيرهم هذا . وأتى على جبار مترف ومعه امرأته ، فقال : أخبريه أني أخوك ; فإني مخبره أنك أختي . ولكن ائتوا موسى ; عبدا كلمه الله تكليما ، وأعطاه التوراة . قال : فيأتون موسى ، فيقول : لست هناكم . ويذكر خطيئته التي أصاب ; قتله الرجل . ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله ، وكلمة الله وروحه . قال : فيأتون عيسى ، فيقول : لست هناكم ، ولكن ائتوا محمدا ، عبدا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر " . قال : " فيأتوني ، فأستأذن على ربي ، عز وجل ، في داره ، فيؤذن لي عليه ، فإذا رأيته وقعت ساجدا ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ثم يقول : ارفع رأسك يا محمد ، وقل تسمع ، واشفع تشفع ، وسل تعط . فأرفع رأسي فأحمد ربي ، عز وجل ، بثناء وتحميد يعلمنيه ، ثم أشفع ، فيحد لي حدا ، فأخرجهم ، فأدخلهم الجنة - وسمعته يقول : فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة - قال : " ثم أستأذن على ربي عز وجل ، الثانية ، فيؤذن لي عليه ، فإذا [ ص: 200 ] رأيته وقعت ساجدا ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ثم يقول : ارفع رأسك محمد ، وقل تسمع ، واشفع تشفع وسل تعط " . قال : " فأرفع رأسي ، وأحمد ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ، ثم أشفع ، فيحد لي حدا ، فأخرجهم ، فأدخلهم الجنة " - قال همام : وسمعته يقول : " فأخرجهم من النار ، فأدخلهم الجنة " - قال : " ثم أستأذن على ربي ، عز وجل ، الثالثة ، فإذا رأيته وقعت ساجدا ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ثم يقول : ارفع محمد ، وقل تسمع ، واشفع تشفع ، وسل تعط . فأرفع رأسي ، فأحمد ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ، ثم أشفع ، فيحد لي حدا ، فأخرجهم من النار ، فأدخلهم الجنة " - قال همام : وسمعته يقول : " فأخرجهم من النار ، فأدخلهم الجنة " - " فما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن ، أي وجب عليه الخلود " . ثم تلا قتادة : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [ الإسراء : 79 ] . قال : هو المقام المحمود الذي وعد الله عز وجل ، نبيه صلى الله عليه وسلم .

وقد رواه البخاري في كتاب التوحيد معلقا ، فقال : وقال حجاج بن منهال ، عن همام . فذكره بنحوه .

طرق أخر متعددة عن أنس : قال البخاري في كتاب التوحيد : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا معبد بن هلال العنزي . [ ص: 201 ] قال : اجتمعنا ناس من أهل البصرة ، فذهبنا إلى أنس بن مالك ، وذهبنا معنا بثابت البناني يسأله لنا عن حديث الشفاعة ، فإذا هو في قصره ، فوافقناه يصلي الضحى - ، فاستأذنا ، فأذن لنا ، وهو قاعد على فراشه ، فقلنا لثابت : لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة . فقال : يا أبا حمزة ، هؤلاء إخوانك من أهل البصرة ، جاءوا يسألونك عن حديث الشفاعة .

فقال : حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض ، فيأتون آدم ، فيقولون : اشفع لنا إلى ربك . فيقول : لست لها ، ولكن عليكم بإبراهيم ; فإنه خليل الرحمن . فيأتون إبراهيم ، فيقول : لست لها ، ولكن عليكم بموسى ، فإنه كليم الله . فيأتون موسى ، فيقول : لست لها ، ولكن عليكم بعيسى ; فإنه روح الله وكلمته . فيأتون عيسى ، فيقول : لست لها ، ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فيأتوني ، فأقول : أنا لها . فأستأذن على ربي ، فيؤذن لي ، ويلهمني محامد أحمده بها ، لا تحضرني الآن ، فأحمده بتلك المحامد ، وأخر له ساجدا ، فيقال : يا محمد ، ارفع رأسك ، وقل يسمع لك ، واشفع تشفع ، وسل تعطه . فأقول : يا رب ، أمتي أمتي . فيقال : انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان . فأنطلق فأفعل ، ثم أعود ، فأحمده بتلك المحامد ، ثم أخر له ساجدا ، فيقال : يا محمد ، ارفع رأسك ، وقل يسمع لك ، واشفع تشفع ، وسل تعطه . فأقول : يا رب ، أمتي أمتي . فيقال : [ ص: 202 ] انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة ، أو خردلة من إيمان . فأنطلق فأفعل ، ثم أعود ، فأحمده بتلك المحامد ، ثم أخر له ساجدا ، فيقال : يا محمد ، ارفع رأسك ، وسل تعطه ، وقل يسمع لك ، واشفع تشفع . فأقول : يا رب ، أمتي أمتي . فيقال : انطلق ، فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان ، فأخرجه من النار . فأنطلق فأفعل " .

قال : فلما خرجنا من عند أنس ، قلت لبعض أصحابي : لو مررنا بالحسن وهو متوار في منزل أبي خليفة ، فحدثناه بما حدثنا به أنس بن مالك . فأتيناه فسلمنا عليه ، فأذن لنا ، فقلنا له : يا أبا سعيد ، جئناك من عند أخيك أنس بن مالك ، فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة ، فقال : هيه . فحدثناه بالحديث ، فانتهينا إلى هذا الموضع فقال : هيه . فقلنا : لم يزد لنا على هذا . فقال : لقد حدثني وهو جميع منذ عشرين سنة ، فما أدري أنسي أم كره أن تتكلوا ؟ فقلنا : يا أبا سعيد ، فحدثنا . فضحك وقال : وخلق الإنسان عجولا ، ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم ، حدثني كما حدثكم ، قال : " ثم أعود الرابعة ، فأحمده بتلك المحامد ، ثم أخر له ساجدا ، فيقال : يا محمد ، ارفع رأسك ، [ ص: 203 ] وقل يسمع لك ، وسل تعطه ، واشفع تشفع . فأقول : يا رب ، ائذن لي فيمن قال : لا إله إلا الله . فيقول : وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي ، لأخرجن منها من قال : لا إله إلا الله " .

وهكذا رواه مسلم ، عن أبي الربيع الزهراني وسعيد بن منصور ، كلاهما عن حماد بن زيد ، به نحوه .

وقد رواه الإمام أحمد ، عن عفان ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر الحديث بطوله ، وقال : " فأحمد ربي بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ، ولا يحمده بها أحد بعدي " . وفيه : " فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة " . ثم يعود ، فيقال : " مثقال برة " . ثم يعود ، فيقال : " مثقال ذرة " . ولم يذكر الرابعة .

وكذا رواه البزار ، عن محمد بن بشار ومحمد بن معمر ، كلاهما عن حماد بن مسعدة ، عن محمد بن عجلان ، عن جوثة بن عبيد المدني ، عن أنس بن مالك ، فذكر الحديث بطوله ، وفيه الشفاعة ثلاثا ، ثم قال : لم يرو عن جوثة بن عبيد إلا ابن عجلان .

[ ص: 204 ] وكذا رواه أبو يعلى من حديث الأعمش ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس ، فذكر الحديث بطوله ، وفيه ثلاث شفاعات ، وقال في آخرهن : " فأقول : أمتي . " فيقال لي : لك من قال : لا إله إلا الله . مخلصا " .

طريق أخرى : قال البزار : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا حماد بن مسعدة ، عن عمران العمي ، عن الحسن ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أزال أشفع ، وأشفع - أو قال : ويشفعني ربي ، عز وجل - حتى أقول : أي رب ، شفعني فيمن قال : لا إله إلا الله . فيقال : يا محمد ، هذه ليست لك ولا لأحد ، هذه لي ، وعزتي ورحمتي لا أدع في النار أحدا يقول : لا إله إلا الله " . ثم قال : لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد . ورواه ابن أبي الدنيا ، عن أبي حفص الصيرفي ، عن حماد بن مسعدة ، به .

طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا حرب بن ميمون أبو الخطاب الأنصاري ، عن النضر بن أنس ، عن أنس قال : حدثنا نبي الله صلى الله عليه وسلم : " إني لقائم أنتظر أمتي تعبر الصراط ، إذ جاءني عيسى فقال : هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد يسألون - أو قال : يجتمعون إليك - ويدعون الله [ ص: 205 ] عز وجل أن يفرق بين جميع الأمم إلى حيث يشاء الله ; لغم ما هم فيه ، فالخلق ملجمون في العرق ، فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة ، وأما الكافر فيغشاه الموت " . قال : " يا عيسى ، انتظر حتى أرجع إليك " . قال : فذهب نبي الله صلى الله عليه وسلم فقام تحت العرش ، فلقي ما لم يلق ملك مصطفى ، ولا نبي مرسل ، فأوحى الله ، عز وجل ، إلى جبريل : اذهب إلى محمد ، فقل : ارفع رأسك ، وسل تعطه ، واشفع تشفع . قال : " فشفعت في أمتي ; أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانا واحدا " . قال : " فما زلت أتردد على ربي ، عز وجل ، فلا أقوم مقاما إلا شفعت حتى أعطاني الله تعالى من ذلك أن قال : يا محمد ، أدخل من أمتك من خلق الله من شهد أن لا إله إلا الله يوما واحدا مخلصا ، ومات على ذلك " . تفرد به أحمد ، وقد حكم الترمذي بالحسن لهذا الإسناد .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو يوسف القلوسي ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، أنبأنا حرب بن ميمون ، حدثني النضر بن أنس ، عن أنس قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد حضر من أمر العباد ما حضر ، فقال : ادن إلى ربك ، فسل لأمتك الشفاعة . قال : " فدنوت من العرش ، فقمت عند العرش ، فلقيت ما لم يلق [ ص: 206 ] نبي ولا ملك مقرب ، فقال : سل تعطه ، واشفع تشفع " . قال : " أمتي " . وذكر تمام الحديث ، كنحو ما ساقه الإمام أحمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية