صفحة جزء
ومن الأحاديث الواردة في شفاعة المؤمنين لأهاليهم : حكى بعضهم عن زبور داود عليه الصلاة والسلام أن فيه مكتوبا : يقول الله عز وجل : إن عبادي الزاهدين أقول لهم يوم القيامة : إني لم أزو عنكم الدنيا لهوانكم علي ، ولا لعزة الدنيا عندي ولكن أردت ذلك بكم لتستوفوا نصيبكم اليوم كاملا موفورا عندي ، لم تكلمه الدنيا ، ولم تشعثه الشهوات فتخللوا الصفوف ، فمن أحببتموه في الدنيا أو قضى لكم حاجة ، أو رد عنكم غيبة ، أو كساكم خرقة ، أو أطعمكم لقمة ، أو سقاكم شربة ؟ ابتغاء وجهي وطلب مرضاتي ، فخذوا بيده ، وأدخلوه الجنة .

وروى الترمذي والبيهقي من طريق مالك بن مغول ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من أمتي رجالا يشفع الرجل منهم في [ ص: 235 ] الفئام من الناس ، فيدخلون الجنة بشفاعته ، ويشفع الرجل للقبيلة ، فيدخلون الجنة بشفاعته ، ويشفع الرجل منهم للرجل وأهله ، فيدخلون الجنة بشفاعته " .

وروى البزار بسنده ، عن أنس بن مالك ، مرفوعا : " إن الرجل ليشفع للرجلين والثلاثة " .

وله من حديث سفيان الثوري ، عن آدم بن علي ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقال للرجل يوم القيامة : قم يا فلان فاشفع . فيقوم الرجل فيشفع للقبيلة ، ولأهل البيت ، وللرجل ، وللرجلين ، على قدر عمله " .

ومن حديث الحسين بن واقد ، عن أبي غالب : أن أبا أمامة حدثه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من عدد مضر ، ويشفع الرجل في أهل بيته ، ويشفع على قدر عمله " .

وروى البيهقي عن الحاكم ، عن الأصم ، عن الحسن بن مكرم ، عن يزيد بن هارون ، أنبأنا حريز ، عن عبد الرحمن - أو عبد الله - بن ميسرة ، عن [ ص: 236 ] أبي أمامة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين - أو مثل أحد الحيين - ربيعة ، ومضر " . فقال رجل : يا رسول الله ، وما ربيعة من مضر ؟ فقال : " إنما أقول ما أقول " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا خالد الحذاء ، عن عبد الله بن شقيق قال : جلست إلى رهط أنا رابعهم بإيلياء ، فقال أحدهم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم " . قلنا : سواك يا رسول الله ؟ قال : " سواي " . قلت : أنت سمعته ؟ قال : نعم . فلما قام قلت : من هذا ؟ قالوا : ابن أبي الجدعاء .

ثم رواه الإمام أحمد ، عن غندر عن شعبة ، وعن عفان عن وهيب ، كلاهما عن خالد الحذاء ، به ، نحوه .

ورواه أبو عمرو بن السماك ، عن يحيى بن جعفر ، عن شبابة ، عن حريز بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن ميسرة ، وحبيب بن عبيد الرحبي ، عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدخل بشفاعة رجل من أمتي الجنة مثل [ ص: 237 ] أحد الحيين ربيعة ومضر " . قيل : يا رسول الله ، وما ربيعة ومضر . قال : " إنما أقول ما أقول " . قال : فكان المشيخة يرون أن ذلك الرجل عثمان بن عفان ، رضي الله عنه .

وقال محمد بن يوسف الفريابي : حدثنا سفيان الثوري ، عن خالد الحذاء ، عن عبد الله بن شقيق العقيلي ، قال : جلست إلى نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فيهم عبد الله بن أبي الجدعاء ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم " . قالوا : سواك يا رسول الله ؟ قال : " سواي " . قال الفريابي : يقال : إنه عثمان بن عفان ، رضي الله عنه .

رواه البيهقي ، والترمذي ، وابن ماجه ، وغيرهم ، من طرق متعددة ، عن خالد الحذاء ، به .

وقال الترمذي : حسن صحيح ، وليس لابن أبي الجدعاء حديث سواه . وله من حديث أبي معاوية ، عن داود بن أبي هند ، عن عبد الله بن قيس [ ص: 238 ] الأسدي ، عن الحارث بن أقيش ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من أمتي من يدخل الجنة بشفاعته أكثر من مضر ، وإن من أمتي من سيعظم للنار حتى يكون أحد زواياها " . وكذا رواه أحمد وابن ماجه ، من غير وجه عن داود بن أبي هند ، وفي لفظ لأحمد : " إن من أمتي لمن يشفع لأكثر من ربيعة ومضر ، وإن من أمتي لمن يعظم للنار حتى يكون ركنا من أركانها " .

وروى البيهقي من حديث أبي بكر بن عياض عن هشام ، عن الحسن ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدخل بشفاعة رجل من أمتي الجنة أكثر من ربيعة ومضر " . قال هشام : أخبرني حوشب ، عن الحسن أنه أويس القرني . قال أبو بكر بن عياش : قلت لرجل من قومه : أويس بأي شيء بلغ هذا ؟ قال : فضل الله يؤتيه من يشاء .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا سعيد بن زيد ، سمعت أبا سليمان العصري ، حدثني عقبة بن صهبان ، سمعت أبا بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 239 ] قال : " يحمل الناس على الصراط يوم القيامة فتتقادع بهم جنبتا الصراط تقادع الفراش في النار ، فينجي الله برحمته من يشاء ، ثم يؤذن للملائكة والنبيين والشهداء أن يشفعوا ، فيشفعون ويخرجون ، ويشفعون ويخرجون ، ويشفعون ويخرجون - زاد عفان مرة ، فقال : ويشفعون ويخرجون - من كان في قلبه ما يزن ذرة من إيمان .

وقال البيهقي : حدثنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا الخضر بن أبان ، حدثنا سيار ، حدثنا جعفر - يعني ابن سليمان - حدثنا أبو ظلال ، حدثنا أنس بن مالك ، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سلك رجلان مفازة ، أحدهما عابد ، والآخر به رهق ، ومع الذي به رهق إداوة ، فيها ماء ، وليس مع العابد ماء ، فعطش العابد ، فقال : أي فلان ، اسقني فهو ذا أموت . فقال : إنما معي إداوة ، ونحن في مفازة ، فإن سقيتك هلكت . فسلكا ، ثم إن العابد اشتد به العطش ، فقال : أي فلان ، اسقني فهو ذا أموت . فقال : إنما معي إداوة ، ونحن في مفازة ، فإن [ ص: 240 ] سقيتك هلكت . فسلكا ، ثم إن العابد اشتد به العطش ، فقال : أي فلان ، اسقني ; فهو ذا أموت . فقال : إنما معي إداوة ، ونحن في مفازة ، فإن سقيتك هلكت . فسلكا ، ثم إن العابد سقط ، فقال : أي فلان ، اسقني ؟ فهو ذا أموت . قال الذي به رهق : والله إن هذا العبد الصالح يموت ضياعا ، إن تركته ولم أسقه لا تبلني عند الله بالة أبدا . فرش عليه من الماء وسقاه ، ثم سلكا المفازة ، فقطعاها ، قال : فيوقفان للحساب يوم القيامة ، فيؤمر بالعابد إلى الجنة ، ويؤمر بالذي به رهق إلى النار . قال : فيعرف الذي به رهق العابد ، ولا يعرف العابد الذي به رهق ، فيناديه : أي فلان ، أنا الذي آثرتك على نفسي يوم المفازة ، وقد أمر بي إلى النار ، فاشفع لي إلى ربك . فيقول العابد : أي رب ، إنه قد آثرني على نفسه ، أي رب هبه لي اليوم . فيهبه له ، فيأخذ بيده ، فينطلق به إلى الجنة " . زاد فيه : " فيقول : يا فلان ، ما أشد ما غيرتك نعمة ربي ، عز وجل " .

ثم قال البيهقي : وهذا الإسناد ، وإن كان غير قوي فله شاهد من حديث أنس بن مالك ، حدثنا أبو سعد الزاهد إملاء ، حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسن بن الحسين بن منصور ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي ، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا علي بن أبي سارة ، عن ثابت البناني ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن رجلا من أهل الجنة يشرف يوم القيامة على النار ، فيناديه رجل من أهل النار ، فيقول : يا فلان ، هل تعرفني ؟ فيقول : لا ، والله ما أعرفك ، من أنت ؟ فيقول : أنا الذي مررت بي في الدنيا ، [ ص: 241 ] فاستسقيتني شربة من ماء ، فسقيتك . قال : قد عرفتك . قال : فاشفع لي بها عند ربك . قال : فيسأل الله ، عز وجل ، فيقول يا رب : إني أشرفت على النار ، فناداني رجل من أهلها ، فقال : هل تعرفني ؟ قلت : لا والله ، ما أعرفك ، من أنت ؟ قال : أنا الذي مررت بي في الدنيا ، فاستسقيتني شربة من ماء ، فسقيتك فاشفع لي بها عند ربك . فشفعني فيه ، فيشفعه الله ، فيأمر الله به فيخرج من النار " .

أنبأنا أبو طالب طاهر الفقيه ، أنبأنا أبو عبد الله الصفار الأصبهاني حدثنا أبو قبيصة محمد بن عبد الرحمن بن عمارة بن القعقاع الضبي الأصبهاني البغدادي ، حدثنا أحمد بن عمران الأخنسي ، سمعت أبا بكر بن عياش جار ابن هارون يحدث ، عن سليمان التيمي ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجمع الله أهل الجنة صفوفا ، وأهل النار صفوفا ، فينظر الرجل من صفوف أهل النار إلى رجل من صفوف أهل الجنة ، فيقول : يا فلان ، ما تذكر يوم اصطنعت إليك في الدنيا معروفا ؟ فيقول : يا رب ، إن هذا اصطنع إلي في الدنيا معروفا . فيقال : خذ بيده ، وأدخله الجنة " . قال أنس : أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله . قال : وكذا رواه السمعاني ، عن أحمد بن عمران . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية