صفحة جزء
ذكر ما ورد في عدد أبواب الجنة واتساعها وعظمة جناتها

قال الله تعالى : وفتحت أبوابها [ الزمر : 73 ] . وقال تعالى : مفتحة لهم الأبواب [ ص : 50 ] . وقال تعالى : والملائكة يدخلون عليهم من كل باب [ الرعد : 23 ] .

[ ص: 258 ] وقد تقدم أن المؤمنين إذا انتهوا إلى باب الجنة وجدوه مغلقا ، فيستشفعون الله ; ليفتح لهم ، بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فيأتي باب الجنة ثم يقعقع حلقة الباب ، فيقول الخازن : من أنت ؟ فيقول : " محمد " . فيقول : بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك .

وثبت في " الصحيح " أنه أول شافع في الجنة ، وأول من يقعقع باب الجنة ، وسيأتي في الحديث : " مفتاح الجنة لا إله إلا الله " .

وروى الإمام أحمد ، ومسلم ، وأهل السنن ، من رواية عقبة بن عامر وغيره ، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم رفع بصره إلى السماء فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا عبد [ ص: 259 ] الرحمن بن إسحاق ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة بابا يدعى الريان ، يقال يوم القيامة : أين الصائمون ؟ فإذا دخلوه أغلق فلم يدخل منه غيرهم " . قال بشر : فلقيت أبا حازم ، فسألته ، فحدثني به ، غير أني لحديث عبد الرحمن أحفظ .

وقال الطبراني : حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا أبو غسان ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " في الجنة ثمانية أبواب ؟ باب منها يسمى الريان ، لا يدخله إلا الصائمون " .

وقد رواه البخاري ، عن سعيد بن أبي مريم ، به . ورواه أيضا مسلم ، من حديث سليمان بن بلال ، عن أبي حازم سلمة بن دينار ، عن سهل ، به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة ، وللجنة ثمانية أبواب ، [ ص: 260 ] فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد " . فقال أبو بكر : والله يا رسول الله ، ما على أحد من ضرورة دعي ، من أيها دعي ، فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال : " نعم ، وأرجو أن تكون منهم " .

وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث الزهري به ، ولهما من حديث شيبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

وقال عبد الله بن الإمام أحمد حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، حدثنا حريز بن عثمان ، عن شرحبيل بن شفعة قال : لقيني عتبة بن عبد السلمي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مسلم يتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية ، من أيها شاء دخل " .

[ ص: 261 ] ورواه ابن ماجه ، عن ابن نمير أيضا .

وروى البيهقي من حديث الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، عن أبي المثنى الأملوكي ، أنه سمع عتبة بن عبد السلمي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في حديث ذكره في قتال المخلص والمذنب والمنافق ، قال فيه : " وللجنة ثمانية أبواب ، وإن السيف محاء للذنوب ، ولا يمحو النفاق " . الحديث بطوله .

وتقدم الحديث المتفق عليه ، من حديث أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، في حديث الشفاعة ، قال فيه : " فيقول الله : يا محمد ، أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن ، وهم شركاء الناس في سائر الأبواب . والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة وما بين عضادتي الباب كما بين مكة وهجر ، أو كما بين مكة وبصرى " .

وفي " صحيح مسلم " ، عن خالد بن عمير العدوي ، أن عتبة بن غزوان خطبهم ، فقال بعد حمد الله ، والثناء عليه : أما بعد ، فإن الدنيا قد آذنت بصرم ، وولت حذاء ، وإنما بقي منها صبابة كصبابة الإناء يتصابها [ ص: 262 ] صاحبها ، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها ، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم ; فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم ، فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا ، ووالله لتملأن ، أفعجبتم ؟ ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة ، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام ، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر ، حتى قرحت أشداقنا ، فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك ، فاتزرت بنصفها ، واتزر سعد بنصفها ، فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميرا على مصر من الأمصار ، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا ، وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت ، حتى يكون آخر عاقبتها ملكا ، فستخبرون وتجربون الأمراء بعدنا .

وفي " المسند " من حديث حماد بن سلمة ، عن الجريري ، عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنتم توفون سبعين أمة ، أنتم آخرها وأكرمها على الله ، وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما ، وليأتين عليه يوم وإنه لكظيظ " .

ورواه البيهقي ، من طريق علي بن عاصم ، عن سعيد الجريري ، عن حكيم [ ص: 263 ] بن معاوية ، به ، وقال : " مسيرة سبع سنين " .

وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا الفضل بن الصباح أبو العباس ، حدثنا معن بن عيسى ، حدثنا خالد بن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " باب أمتي التي تدخل منه الجنة عرضه مسيرة الراكب المجود ثلاثا ، ثم إنهم ليضغطون عليه حتى تكاد مناكبهم تزول " .

وقد رواه الترمذي من حديث خالد هذا ، ثم قال : وسألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث ، فلم يعرفه ، وقال : لخالد بن أبي بكر مناكير عن سالم .

قال البيهقي : وحديث عتبة بن غزوان : " أربعين سنة " . أصح .

وروى عبد بن حميد في " مسنده " ، عن الحسن بن موسى الأشيب ، عن ابن لهيعة ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن ما بين مصراعين في الجنة لمسيرة أربعين سنة " .

فأما حديث لقيط بن عامر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن للنار سبعة [ ص: 264 ] أبواب ، ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما " . وكذلك قال في بعد ما بين أبواب الجنة ، فهو حديث مشهور ، وحمله بعض العلماء على بعد ما بين الباب إلى الباب الآخر ، لا على ما بين المصراعين اللذين في باب واحد ، بل الباب يدور في طول الجدار كما يدور حول صدور البلد إلى الباب الآخر ; لئلا يعارض ما تقدم . والله أعلم .

وقد ذكر القرطبي وادعى أن للجنة ثلاثة عشر بابا ، ولكن لم يقم على ذلك دليلا قويا أكثر من أنه قال : ومما يدل على أنها أكثر من ثمانية حديث عمر : " من توضأ فقال : أشهد أن لا إله إلا الله " . وفي آخره قال : " فتح له من أبواب الجنة ثمانية أبواب يدخل من أيها شاء " . خرجه الترمذي وغيره . قال : وروى الآجري في كتاب " النصيحة " عن أبي هريرة مرفوعا : " إن في الجنة بابا يقال له : باب الضحى . ينادي مناد : أين الذين كانوا يداومون على صلاة الضحى ؟ هذا بابكم فادخلوا " . قال : وقال الترمذي الحكيم أبو عبد الله : أبواب الجنة منها باب محمد صلى الله عليه وسلم وهو باب التوبة ، وباب الصلاة ، وباب [ ص: 265 ] الصوم ، وباب الزكاة ، وباب الصدقة ، وباب الحج ، وباب العمرة ، وباب الجهاد ، وباب الصلة . وزاد غيره باب الكاظمين ، وباب الراضين ، والباب الأيمن الذي يدخل منه الذين لا حساب عليهم . وجعل القرطبي الباب الذي عرضه مسيرة ثلاثة أيام للراكب المجود - كما وقع عند الترمذي - بابا ثالث عشر . فالله أعلم .

وقال الحسن بن عرفة : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ، عن شهر بن حوشب ، عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله " .

وفي " صحيح البخاري " قال : وقيل لوهب بن منبه : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : بلى ، ولكن إن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، وإلا لم يفتح لك . يعني : لا بد أن يكون مع التوحيد أعمال صالحة من فعل الطاعات وترك المحرمات . والله أعلم .

وتقدم في حديث علي ، قال : يساق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا ، حتى إذا انتهوا إلى أول باب من أبوابها ، وجدوا عنده شجرة . وذكر الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية