صفحة جزء
ذكر الأمر بطلب الجنة وترغيب الله عباده فيها وأمرهم بالمبادرة إليها

قال الله تعالى : والله يدعو إلى دار السلام يونس : 25 ] . وقال : وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين [ آل عمران : 133 ] . وقال : سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض الآية [ الحديد : 21 ] . وقال : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة [ التوبة : 111 ] . وقال : يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون [ المطففين : 25 ، 26 ] .

وقد روى البخاري وغيره من حديث سعيد بن ميناء ، عن جابر ، أن ملائكة [ ص: 384 ] جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم ، فقال بعضهم : هو نائم . وقال بعضهم : إن العين نائمة ، والقلب يقظان . فقالوا : اضربوا له مثلا . فقالوا : مثله كمثل رجل بنى دارا ، واتخذ فيها مأدبة ، وبعث داعيا ، فمن أجاب الداعي دخل الدار ، وأكل من المأدبة ، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ، ولم يأكل من المأدبة . قالوا : فأولوها له يعقلها . فقال بعضهم : إنه نائم . وقال بعضهم : إن العين نائمة ، والقلب يقظان . فقالوا : الدار الجنة ، والداعي محمد ، فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله ، ومن عصى محمدا فقد عصى الله ، ومحمد فرق بين الناس .

وروى الترمذي هذا الحديث ، ولفظه : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فقال : " إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي ، وميكائيل عند رجلي ، يقول أحدهما لصاحبه : اضرب له مثلا . فقال : اسمع سمعت أذنك ، واعقل عقل قلبك ، إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارا ، ثم بنى فيها بيتا ، صنع مأدبة ، ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه ، فمنهم من أجاب الرسول ، ومنهم من تركه ، فالله هو الملك ، والدار الإسلام ، والبيت الجنة ، وأنت يا محمد رسول ، فمن أجابك دخل الإسلام ، ومن دخل الإسلام دخل الجنة ، ومن دخل الجنة أكل مما فيها " . وروى الترمذي عن ابن مسعود نحوه ، وصححه أيضا .

وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن [ ص: 385 ] سيدا بنى دارا ، واتخذ مأدبة ، وبعث داعيا ، فمن أجاب الداعي دخل الدار ، وأكل من المأدبة ، ورضي عنه السيد ، ألا وإن السيد الله ، والدار الإسلام ، والمأدبة الجنة ، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم .

وقال أبو يعلى : حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا جرير عن يونس ، هو ابن خباب ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما استجار عبد من النار سبع مرات إلا قالت النار ؟ يا رب ، إن عبدك فلانا قد استجار مني فأجره . ولا سأل عبد الجنة سبع مرات إلا قالت الجنة : يا رب ، إن عبدك فلانا سألني فأدخله الجنة " . إسناده على شرط مسلم .

وروى الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن هناد ، عن أبي الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن بريد بن أبي مريم ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سأل الله الجنة ثلاث مرات ، قالت الجنة : اللهم أدخله الجنة . ومن استجار من النار ثلاث مرات ، قالت النار : اللهم أجره من النار " .

وقال الحسن بن سفيان : حدثنا المقدمي ثنا عمر بن علي ، عن يحيى بن عبد الله ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكثروا مسألة الله الجنة ، واستعيذوا به من النار ، فإنهما شافعتان مشفعتان ؟ فإن العبد إذا [ ص: 386 ] أكثر مسألة الجنة قالت الجنة : يا رب ، عبدك هذا الذي سألنيك فأسكنه إياي . وتقول النار : يا رب ، عبدك هذا الذي استعاذ بك مني فأعذه مني " .

وقال البزار : حدثنا أحمد بن عمرو بن عبيدة العصفري ، حدثنا يعقوب بن إسحاق ، حدثنا سليمان بن معاذ ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يسأل بوجه الله إلا الجنة " . ورواه أبو داود من حديث محمد بن المنكدر .

وفي " الترمذي " عن أبي هريرة مرفوعا : " من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة " .

وقال أبو بكر الشافعي ، عن كليب بن حزن : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اطلبوا الجنة جهدكم ، واهربوا من النار جهدكم; فإن الجنة لا ينام طالبها ، وإن النار لا ينام هاربها ، وإن الآخرة اليوم محفوفة بالمكاره ، وإن الدنيا محفوفة باللذات والشهوات ، فلا تلهينكم عن الآخرة " .

وقال أبو يعلى الموصلي : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا أيوب بن شبيب الصنعاني ، قال : كان فيما عرضنا على رباح بن زيد حديث عبد الله بن [ ص: 387 ] بحير : سمعت عبد الرحمن بن يزيد ، سمعت عبد الله بن عمر ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تنسوا العظيمتين " . قلنا : وما العظيمتان يا رسول الله ؟ قال : " الجنة والنار " .

وقال كلثوم بن عياض القشيري ، على منبر دمشق أيام هشام بن عبد الملك : من آثر الله آثره الله ، فرحم الله عبدا استعان بنعمته على طاعته ، ولم يستعن بنعمته على معصيته; فإنه لا يأتي على صاحب الجنة ساعة إلا وهو يزداد فيها صنفا من النعمة لم يكن يعرفه ، ولا يأتي على صاحب العذاب ساعة إلا وهو يستنكر لشيء من العذاب لم يكن يعرفه . كان هذا الرجل متوليا على دمشق أيام هشام بن عبد الملك ، ثم بعثه إلى غزو بلاد المغرب ، فقتل هناك ، رحمه الله . أورده ابن عساكر .

التالي السابق


الخدمات العلمية