صفحة جزء
[ ص: 436 ] فصل في بيان وجود الجنة والنار ، وأنهما مخلوقتان موجودتان ، خلافا لمن زعم خلاف ذلك

قال الله تعالى : وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين [ آل عمران : 133 ] . وقال : أعدت للذين آمنوا بالله ورسله [ الحديد : 21 ] . وقال : واتقوا النار التي أعدت للكافرين آل عمران : [ 131 ] وقال تعالى في حق آل فرعون : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا غافر : [ 46 ] الآية . وقال : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين [ السجدة : 17 ] .

وفي " الصحيحين " ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، دخرا ، بله كل ما أطلعكم عليه " . ثم قرأ : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ السجدة : 17 ] .

وفي " الصحيحين " من حديث مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة " .

[ ص: 437 ] وفي " صحيح مسلم " عن ابن مسعود : " أرواح الشهداء في حواصل طير خضر ، تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى قناديل معلقة في العرش " . وذكر الحديث .

وروينا في " مسند الإمام أحمد بن حنبل " ، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي ، عن مالك ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله ، إلى جسده يوم يبعثه " .

وتقدم الحديث المتفق على صحته ، من طريق أبي الزناد ، عن الأعرج " عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات " .

وذكرنا الحديث المروي من طريق حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعا : " لما خلق الله الجنة قال لجبريل اذهب فانظر إليها " . وكذلك قال في النار .

وكذلك الحديث الآخر : " لما خلق الله الجنة قال لها : تكلمي . فقالت : قد أفلح المؤمنون " .

وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة ، وعند مسلم عن أبي سعيد ، عن [ ص: 438 ] النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تحاجت الجنة والنار " . الحديث .

وفيهما عن ابن عمر مرفوعا : " الحمى من فيح جهنم " .

وفيهما عن أبي ذر مرفوعا : " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم " .

وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة : " إذا جاء شهر رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين " . وقد ذكرنا في حديث الإسراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى الجنة والنار ليلتئذ ، قال الله تعالى : ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى [ النجم : 13 - 15 ] . وقال في صفة سدرة المنتهى : " إنه يخرج من أصلها نهران ظاهران ونهران باطنان " . وذكر أن الباطنين في الجنة .

وفي " الصحيحين " : " ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك " .

وفي " صحيح البخاري من حديث قتادة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 439 ] قال : " بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاك ربك " .

وفي مناقب عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " دخلت الجنة فرأيت جارية توضأ عند قصر ، فقلت : لمن أنت ؟ فقالت لعمر بن الخطاب . فأردت أن أدخله فذكرت غيرتك " . فبكى عمر ، رضي الله عنه ، وقال : أوعليك أغار يا رسول الله ؟ ! والحديث في " الصحيحين " عن جابر .

وقال عليه السلام لبلال : " أدخلت الجنة فسمعت خشف نعليك أمامي ، فأخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام " . فقال : ما توضأت إلا وصليت ركعتين . الحديث .

وأخبر عن الرميصاء أنه رآها في الجنة . أخرجاه عن جابر .

وأخبر في يوم صلاة الكسوف أنه عرضت عليه الجنة والنار - وفي رواية : دنت منه الجنة والنار - وأنه هم أن يأخذ من الجنة قطفا من عنب ، وقال : " لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا " .

[ ص: 440 ] وفي " الصحيحين " من طريق الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار " .

وقال في الحديث الآخر : " ورأيت فيها صاحب المحجن " . وقال : " دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ، فلقد رأيتها تخمشها " . وأخبر عن الرجل الذي نحى غصن شوك عن طريق الناس ، قال : " فلقد رأيته يستظل به في الجنة " . وهو في " صحيح مسلم " عن أبي هريرة بلفظ آخر .

وفي الصحيحين " عن عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء " .

وفي " صحيح مسلم " من طريق المختار بن فلفل ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم [ ص: 441 ] كثيرا " . قالوا : يا رسول الله ، وما رأيت ؟ قال : " رأيت الجنة والنار " . وأخبر أن المتوضئ إذا قال بعد وضوئه : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، يدخل من أيها شاء .

وفي " صحيح البخاري " من حديث شعبة ، عن عدي ، عن البراء بن عازب قال : لما توفي إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن له مرضعا في الجنة " .

وقال الله تعالى : وقلنا ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة [ البقرة : 35 ] . والجمهور على أن هذه الجنة جنة المأوى ، وذهب طائفة آخرون إلى أنها جنة في الأرض خلقها الله له ، ثم أخرجه منها ، وقد تقدم ذلك مبسوطا في هذا الكتاب في أوله في قصة آدم .

وقال البيهقي : حدثنا الحاكم ، حدثنا الأصم ، حدثنا حميد بن عياش الرملي ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، حدثنا سفيان ، عن عبد الرحمن الأصبهاني ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أولاد المؤمنين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة " . وكذا رواه وكيع ، عن سفيان ، وهو الثوري ، والأحاديث في هذا كثيرة جدا ، وقد [ ص: 442 ] أوردنا كثيرا منها بأسانيدها ومتونها فيما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية