صفحة جزء
فصل

فكان جملة من شهد بدرا من المسلمين ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا ، منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال البخاري : حدثنا عمرو بن خالد ، ثنا زهير ثنا أبو إسحاق ، سمعت البراء بن عازب يقول : حدثني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، ورضي عنهم ، ممن شهد بدرا ، أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ، بضعة عشر وثلاثمائة . قال البراء : لا والله ما جاوز معه النهر إلا مؤمن . ثم رواه البخاري من طريق إسرائيل وسفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن البراء نحوه .

قال ابن جرير : وهذا قول عامة السلف ، أنهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا . [ ص: 250 ] وقال البخاري أيضا : حدثنا محمود ، ثنا وهب ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر ، وكان المهاجرون يوم بدر نيفا على ستين ، والأنصار نيفا وأربعين ومائتين . هكذا وقع في هذه الرواية .

وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، ثنا أبو مالك الجنبي ، عن الحجاج وهو - ابن أرطاة - عن الحكم ، عن مقسم عن ابن عباس قال : كان المهاجرون يوم بدر سبعين رجلا ، وكان الأنصار مائتين وستة وثلاثين رجلا ، وكان حامل راية النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ، وحامل راية الأنصار سعد بن عبادة . وهذا يقتضي أنهم كانوا ثلاثمائة وستة رجال . قال ابن جرير : وقيل : كانوا ثلاثمائة وسبعة رجال .

قلت : وقد يكون هذا عد معهم النبي صلى الله عليه وسلم ، والأول عدهم بدونه . فالله أعلم . وقد تقدم عن ابن إسحاق أن المهاجرين كانوا ثلاثة وثمانين رجلا ، وأن الأوس أحد وستون رجلا ، والخزرج مائة وسبعون رجلا ، وسردهم وهذا مخالف لما ذكره البخاري ، ولما روي عن ابن عباس فالله أعلم . [ ص: 251 ] وفي " الصحيح " عن أنس ، أنه قيل له شهدت بدرا ؟ فقال : وأين أغيب ؟

وفي سنن أبي داود عن سعيد بن منصور ، عن أبى معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان طلحة بن نافع ، عن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام أنه قال : كنت أميح لأصحابي الماء يوم بدر . وهذان لم يذكرهما البخاري ولا الضياء . فالله أعلم .

قلت : وفي الذين عدهم ابن إسحاق في أهل بدر من ضرب له بسهم في مغنمها وأنه لم يحضرها ، تخلف عنها لعذر أذن له في التخلف بسببه ، وكانوا ثمانية أو تسعة ، وهم ، عثمان بن عفان ، تخلف على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمرضها حتى ماتت ، فضرب له بسهمه وأجره ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، كان بالشام ، فضرب له بسهمه وأجره ، وطلحة بن عبيد الله ، كان بالشام أيضا فضرب له بسهمه وأجره ، وأبو لبابة بشير بن عبد المنذر ، رده رسول الله صلى الله عليه وسلم من الروحاء حين بلغه خروج النفير من مكة ، فاستعمله على المدينة ، وضرب له بسهمه وأجره ، والحارث بن حاطب بن عبيد بن أمية ، رده رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا من الطريق ، وضرب له بسهمه وأجره ، والحارث بن الصمة ، كسر بالروحاء فرجع ، فضرب له بسهمه - زاد [ ص: 252 ] الواقدي : وأجره - وخوات بن جبير ، لم يحضر الوقعة وضرب له بسهمه وأجره ، وأبو الضياح بن ثابت ، خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأصاب ساقه فصيل حجر ، فرجع ، وضرب له بسهمه وأجره . قال الواقدي : وسعد بن مالك تجهز ليخرج فمات وقيل إنه مات بالروحاء . فضرب له بسهمه وأجره .

وكان الذين استشهدوا من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلا ، من المهاجرين ستة وهم ، عبيدة بن الحارث بن المطلب ، قطعت رجله فمات بالصفراء ، رحمه الله ، وعمير بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص الزهري ، قتله العاص بن سعيد ، وهو ابن ست عشرة سنة ، ويقال : إنه كان قد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجوع لصغره فبكى ، فأذن له في الذهاب ، فقتل ، رضي الله [ ص: 253 ] عنه . وحليفهم ذو الشمالين بن عبد عمرو الخزاعي ، وصفوان بن بيضاء ، وعاقل بن البكير الليثي ، حليف بني عدي ، ومهجع مولى عمر بن الخطاب ، وكان أول قتيل قتل من المسلمين يومئذ . ومن الأنصار ثمانية وهم : حارثة بن سراقة ، رماه حبان بن العرقة بسهم ، فأصاب حنجرته ، فمات ، ومعوذ وعوف ابنا عفراء ، ويزيد بن الحارث - ويقال ابن فسحم - وعمير بن الحمام ، ورافع بن المعلى بن لوذان ، وسعد بن خيثمة . ومبشر بن عبد المنذر ، رضي الله عن جميعهم .

وكان مع المسلمين سبعون بعيرا كما تقدم . قال ابن إسحاق : وكان معهم فرسان ، على أحدهما المقداد بن الأسود ، واسمها بعزجة - ويقال : سبحة - وعلى الأخرى الزبير بن العوام ، واسمها اليعسوب . وكان معهم لواء يحمله مصعب بن عمير ، ورايتان ، يحمل إحداهما للمهاجرين علي بن أبي طالب ، والتي للأنصار يحملها سعد بن عبادة ، وكان رأس مشورة المهاجرين أبو بكر الصديق ، ورأس مشورة الأنصار سعد بن معاذ

وأما جمع المشركين فأحسن ما يقال فيهم : إنهم كانوا ما بين التسعمائة إلى الألف ، وقد نص عروة وقتادة أنهم كانوا تسعمائة وخمسين رجلا . [ ص: 254 ] وقال الواقدي : كانوا تسعمائة وثلاثين رجلا . وهذا التحديد يحتاج إلى دليل . وقد تقدم في بعض الأحاديث أنهم كانوا أزيد من ألف ، فلعله عدد أتباعهم معهم . والله أعلم . وقد تقدم في الحديث الصحيح عند البخاري ، عن البراء أنه قتل منهم سبعون ، وأسر سبعون . وهذا قول الجمهور ، ولهذا قال كعب بن مالك في قصيدة له :


فأقام بالعطن المعطن منهم سبعون عتبة منهم والأسود

وقد حكى الواقدي الإجماع على ذلك ، وفيما قاله نظر ، فإن موسى بن عقبة وعروة بن الزبير قالا خلاف ذلك ، وهما من أئمة هذا الشأن ، فلا يمكن حكاية الاتفاق بدون قولهما ، وإن كان قولهما مرجوحا بالنسبة إلى الحديث الصحيح والله أعلم . وقد سرد أسماء القتلى والأسارى ابن إسحاق وغيره ، وحرر ذلك الحافظ الضياء في " أحكامه " جيدا ، وقد [ ص: 255 ] تقدم في غضون سياقات القصة ذكر أول من قتل منهم ، وهو الأسود بن عبد الأسد المخزومي ، وأول من فر ، وهو خالد بن الأعلم الخزاعي - أو العقيلي - حليف بني مخزوم ، وما أفاده ذلك ، فإنه أسر ، وهو القائل في شعره :


ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا     ولكن على أقدامنا يقطر الدم

فما صدق في ذلك ، وأول من أسروا : عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث ، قتلا صبرا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين الأسارى ، وقد اختلف في أيهما قتل أولا على قولين ، وأنه عليه الصلاة والسلام ، أطلق جماعة من الأسارى مجانا بلا فداء ، منهم ، أبو العاص بن الربيع الأموي ، والمطلب بن حنطب بن الحارث المخزومي ، وصيفي بن أبي رفاعة كما تقدم ، وأبو عزة الشاعر ، ووهب بن عمير بن وهب الجمحي ، كما تقدم ، وفادى بقيتهم ، حتى عمه العباس أخذ منه أكثر مما أخذ من سائر الأسرى ، لئلا يحابيه لكونه عمه ، مع أنه قد سأله الذين أسروه من الأنصار أن يتركوا له فداءه ، فأبى عليهم ذلك ، وقال " لا تتركوا منه درهما " . وقد كان فداؤهم متفاوتا ، فأقل ما أخذ أربعمائة ، ومنهم من أخذ منه أربعون أوقية من ذهب . قاله موسى بن عقبة . [ ص: 256 ] وأخذ من العباس مائة أوقية من ذهب ، ومنهم من استؤجر على عمل بمقدار فدائه ، كما قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عاصم قال : قال داود ثنا عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة . قال : فجاء غلام يوما يبكي إلى أبيه فقال : ما شأنك ؟ فقال : ضربني معلمي . فقال : الخبيث يطلب بذحل بدر ، والله لا تأتيه أبدا . انفرد به أحمد ، وهو على شرط السنن . وتقدم بسط ذلك كله ، ولله الحمد والمنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية