صفحة جزء
[ ص: 384 ] ذكر ثناء الله ورسوله الكريم على عبد الله وخليله إبراهيم

قال الله تعالى : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين [ البقرة : 124 ] . لما وفى ما أمره ربه به من التكاليف العظيمة جعله للناس إماما يقتدون به . ويأتمون بهديه ، وسأل الله أن تكون هذه الإمامة متصلة بسببه وباقية في نسبه وخالدة في عقبه ، فأجيب إلى ما سأل ورام وسلمت إليه الإمامة بزمام ، واستثني من نيلها الظالمون ، واختص بها من ذريته العلماء العاملون ، كما قال تعالى : ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين [ العنكبوت : 27 ] . وقال تعالى : ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم [ الأنعام : 84 - 87 ] . فالضمير في قوله ومن ذريته عائد على إبراهيم على المشهور ولوط ، وإن كان ابن أخيه إلا أنه دخل في الذرية تغليبا ، وهذا هو الحامل للقائل الآخر أن الضمير على نوح ، كما قدمنا في قصته ، والله أعلم . [ ص: 385 ] وقال تعالى : ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب [ الحديد : 26 ] . الآية .

فكل كتاب أنزل من السماء على نبي من الأنبياء بعد إبراهيم الخليل فمن ذريته وشيعته ، وهذه خلعة سنية لا تضاهى ، ومرتبة علية لا تباهى ، وذلك أنه ولد له لصلبه ولدان ذكران عظيمان ؛ إسماعيل من هاجر ، ثم إسحاق من سارة ، وولد لهذا يعقوب وهو إسرائيل الذي ينتسب إليه سائر أسباطهم فكانت فيهم النبوة ، وكثروا جدا بحيث لا يعلم عددهم إلا الذي بعثهم ، واختصهم بالرسالة والنبوة حتى ختموا بعيسى ابن مريم من بني إسرائيل .

وأما إسماعيل عليه السلام فكانت منه العرب على اختلاف قبائلها ، كما سنبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى ، ولم يوجد من سلالته من الأنبياء سوى خاتمهم على الإطلاق وسيدهم ، وفخر بني آدم في الدنيا ، والآخرة ؛ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي المكي ثم المدني صلوات الله وسلامه عليه ، فلم يوجد من هذا الفرع الشريف والغصن المنيف سوى هذه الجوهرة الباهرة ، والدرة الزاهرة ، وواسطة العقد الفاخرة ، وهو السيد الذي يفتخر به أهل الجمع ، ويغبطه الأولون والآخرون يوم القيامة .

وقد ثبت عنه في صحيح مسلم ، كما سنورده أنه قال : سأقوم مقاما يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم . فمدح إبراهيم أباه مدحة عظيمة في هذا السياق ، ودل كلامه على أنه أفضل الخلائق بعده عند الخلاق في هذه [ ص: 386 ] الحياة الدنيا ويوم يكشف عن ساق .

وقال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ، ويقول : إن أباكما كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق : أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة . ورواه أهل السنن من حديث منصور به . وقال تعالى : وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم [ البقرة : 260 ] . ذكر المفسرون لهذا السؤال أسبابا بسطناها في التفسير وقررناها بأتم تقرير ، والحاصل أن الله عز وجل أجابه إلى ما سأل فأمره أن يعمد إلى أربعة من الطيور ، واختلفوا في تعيينها على أقوال ، والمقصود حاصل على كل تقدير ، فأمره أن يمزق لحومهن وريشهن ، ويخلط ذلك بعضه في بعض ، ثم يقسمه قسما ، ويجعل على كل جبل منهن جزءا ففعل ما أمر به ، ثم أمر أن يدعوهن بإذن ربهن ، فلما دعاهن جعل كل عضو يطير إلى صاحبه ، وكل ريشة تأتي إلى أختها حتى اجتمع بدن كل طائر على ما كان عليه ، وهو ينظر إلى قدرة الذي يقول [ ص: 387 ] للشيء : كن فيكون فأتين إليه سعيا ليكون أبين له وأوضح لمشاهدته من أن يأتين طيرانا . ويقال : إنه أمر أن يأخذ رءوسهن في يده فجعل كل طائر يأتي فتلقاه رأسه فيتركب على جثته كما كان ، فلا إله إلا الله . وقد كان إبراهيم عليه السلام يعلم قدرة الله تعالى على إحياء الموتى علما يقينا لا يحتمل النقيض ، ولكن أحب أن يشاهد ذلك عيانا ، ويترقى من علم اليقين إلى عين اليقين فأجابه الله إلى سؤاله ، وأعطاه غاية مأموله . وقال تعالى : يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين [ آل عمران : 65 - 68 ] . ينكر تعالى على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في دعوى كل من الفريقين كون الخليل على ملتهم وطريقتهم ، فبرأه الله منهم وبين كثرة جهلهم وقلة عقلهم في قوله : وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده . أي فكيف يكون على دينكم ، وأنتم إنما شرع لكم ما شرع بعده بمدد متطاولة ؟ ولهذا قال : أفلا تعقلون إلى أن قال : ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين . فبين أنه كان على دين الله الحنيف ، وهو القصد إلى الإخلاص ، والانحراف عمدا عن الباطل إلى الحق الذي هو مخالف لليهودية والنصرانية والمشركية ، كما قال تعالى : ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون [ البقرة : 130 - 140 ] . [ ص: 388 ] فنزه الله عز وجل خليله عليه السلام عن أن يكون يهوديا أو نصرانيا ، وبين أنه إنما كان حنيفا مسلما ولم يكن من المشركين ؛ ولهذا قال تعالى : إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه . يعني الذين كانوا على ملته من أتباعه في زمانه ومن تمسك بدينه من بعدهم وهذا النبي يعني محمدا صلى الله عليه وسلم فإن الله شرع له الدين الحنيف الذي شرعه للخليل وكمله الله تعالى له ، [ ص: 389 ] وأعطاه ما لم يعط نبيا ولا رسولا قبله ، كما قال تعالى : قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين [ الأنعام : 161 - 163 ] . وقد قال تعالى : إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين [ النحل : 120 - 123 ] .

وقال البخاري : حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام ، عن معمر ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت ، ورأى إبراهيم وإسماعيل بأيديهما الأزلام ، فقال : قاتلهم الله ، والله إن استقسما بالأزلام قط . لم يخرجه مسلم ، وفي بعض ألفاظ البخاري قاتلهم الله لقد علموا أن شيخنا لم يستقسم بها قط .

فقوله أمة أي قدوة إماما مهتديا داعيا إلى الخير يقتدى به فيه قانتا لله أي خاشعا له في جميع حالاته وحركاته وسكناته حنيفا أي مخلصا على بصيرة ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه . أي قائما بشكر ربه بجميع جوارحه من قلبه ولسانه وأعماله [ ص: 390 ] اجتباه أي اختاره الله لنفسه واصطفاه لرسالته واتخذه خليلا ، وجمع له بين خيري الدنيا والآخرة . وقال تعالى : ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا [ النساء : 125 ] . يرغب تعالى في اتباع إبراهيم عليه السلام ؛ لأنه كان على الدين القويم والصراط المستقيم ، وقد قام بجميع ما أمره به ربه ، ومدحه تعالى بذلك فقال : وإبراهيم الذي وفى [ النجم : 37 ] . ولهذا اتخذه الله خليلا ، والخلة هي غاية المحبة ، كما قال بعضهم :


قد تخللت مسلك الروح مني وبذا سمي الخليل خليلا

وهكذا نال هذه المنزلة خاتم الأنبياء وسيد الرسل ؛ محمد صلوات الله وسلامه عليه ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث جندب البجلي ، وعبد الله بن عمرو ، وابن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : يا أيها الناس إن الله اتخذني خليلا ، كما اتخذ إبراهيم خليلا . وقال أيضا في آخر خطبة خطبها أيها الناس لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن صاحبكم خليل الله . أخرجاه من حديث أبي سعيد ، وثبت أيضا من حديث عبد الله بن الزبير ، وابن عباس ، وابن مسعود . [ ص: 391 ] وروى البخاري في صحيحه ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا شعبة ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن عمرو بن ميمون قال : إن معاذا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ : واتخذ الله إبراهيم خليلا . فقال رجل من القوم : لقد قرت عين أم إبراهيم . وقال ابن مردويه : حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم ، حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد ، حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني بمكة ، حدثنا عبد الله الحنفي ، حدثنا زمعة بن صالح ، عن سلمة بن وهرام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم ، وإذا بعضهم يقول : عجب أن الله اتخذ من خلقه خليلا ، فإبراهيم خليله . وقال آخر : ماذا بأعجب من أن الله كلم موسى تكليما . وقال آخر : فعيسى روح الله وكلمته . وقال آخر : آدم اصطفاه الله . فخرج عليهم فسلم . وقال : قد سمعت كلامكم ، وعجبكم أن إبراهيم خليل الله وهو كذلك ، وموسى كليمه وهو كذلك ، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ألا وإني حبيب الله ، ولا فخر ، ألا وإني أول شافع وأول مشفع ، ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلقة باب الجنة فيفتحه الله فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ، وأنا أكرم الأولين والآخرين يوم القيامة ، ولا فخر . هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وله شواهد من وجوه أخر ، والله أعلم . [ ص: 392 ] وروى الحاكم في مستدركه من حديث قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أتنكرون أن تكون الخلة لإبراهيم ، والكلام لموسى ، والرؤية لمحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمود بن خالد السلمي ، حدثنا الوليد ، عن إسحاق بن يسار قال : لما اتخذ الله إبراهيم خليلا ألقى في قلبه الوجل حتى إن كان خفقان قلبه ليسمع من بعد ، كما يسمع خفقان الطير في الهواء . وقال عبيد بن عمير : كان إبراهيم عليه السلام يضيف الناس ، فخرج يوما يلتمس إنسانا يضيفه فلم يجد أحدا يضيفه ، فرجع إلى داره فوجد فيها رجلا قائما ، فقال : يا عبد الله ما أدخلك داري بغير إذني ؟ قال : دخلتها بإذن ربها . قال : ومن أنت ؟ قال : أنا ملك الموت أرسلني ربي إلى عبد من عباده أبشره بأن الله قد اتخذه خليلا . قال : من هو ، فوالله إن أخبرتني به ، ثم كان بأقصى البلاد لآتينه ، ثم لا أبرح له جارا حتى يفرق بيننا الموت . قال : ذلك العبد أنت . قال : أنا ! قال : نعم . قال : فبم اتخذني ربي خليلا ؟ قال : بأنك تعطي الناس ولا تسألهم . رواه ابن أبي حاتم ، وقد ذكره الله تعالى في القرآن كثيرا في غير ما موضع بالثناء عليه والمدح له ، فقيل : إنه مذكور في خمسة وثلاثين موضعا ، منها خمسة عشر في البقرة وحدها ، وهو أحد أولي العزم الخمسة المنصوص على أسمائهم [ ص: 393 ] تخصيصا من بين سائر الأنبياء في آيتي الأحزاب والشورى ، وهما قوله تعالى : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا [ الأحزاب : 7 ] . وقوله : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه [ الشورى : 13 ] . الآية ، ثم هو أشرف أولي العزم بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي وجده عليه السلام في السماء السابعة مسندا ظهره بالبيت المعمور الذي يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم ، وما وقع في حديث شريك بن أبي نمر ، عن أنس في حديث الإسراء ؛ من أن إبراهيم في السادسة وموسى في السابعة ، فمما انتقد على شريك في هذا الحديث والصحيح الأول .

ثم مما يدل على أن إبراهيم أفضل من موسى الحديث الذي قال فيه : وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم . رواه مسلم من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه ، وهذا هو المقام المحمود الذي أخبر عنه صلوات الله وسلامه عليه بقوله : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، ولا فخر . ثم ذكر استشفاع الناس بآدم ، ثم بنوح ، ثم بإبراهيم ، ثم موسى ، ثم عيسى فكلهم يحيد عنها ، حتى يأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فيقول : أنا لها أنا لها . الحديث .

قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا [ ص: 394 ] عبد الله ، حدثني سعيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله من أكرم الناس ؟ قال : أتقاهم . قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله . قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : فعن معادن العرب تسألوني ؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا .

وهكذا رواه البخاري في مواضع أخر ، ومسلم ، والنسائي من طرق ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن عبيد الله ، وهو ابن عمر العمري به .

، ثم قال البخاري : قال أبو أسامة ، ومعتمر ، عن عبيد الله ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قلت : وقد أسنده في موضع آخر من حديثهما ، وحديث عبدة بن سليمان ، والنسائي من حديث محمد بن بشر أربعتهم عن عبيد الله بن عمر ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يذكروا أباه .

وقال أحمد : حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا محمد بن عمرو ، حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله . تفرد به أحمد . وقال أحمد : حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا محمد بن عمرو ، حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن . تفرد به أحمد .

وقال البخاري : حدثنا عبدة ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن [ ص: 395 ] إسحاق بن إبراهيم . تفرد به من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، عن أبيه ، عن ابن عمر به .

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، حدثنا يحيى ، عن سفيان ، حدثني مغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : يحشر الناس حفاة عراة غرلا فأول من يكسى إبراهيم عليه السلام . ثم قرأ كما بدأنا أول خلق نعيده . فأخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري ، وشعبة بن الحجاج ، كلاهما عن مغيرة بن النعمان النخعي الكوفي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس به . وهذه الفضيلة المعينة لا تقتضي الأفضلية بالنسبة إلى ما قابلها مما ثبت لصاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون ، وأما الحديث الآخر الذي قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، وأبو نعيم ، حدثنا سفيان هو الثوري ، عن مختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك قال : قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : يا خير البرية فقال : " ذاك إبراهيم " . فقد رواه مسلم من حديث الثوري ، وعبد الله بن إدريس ، وعلي بن مسهر ، ومحمد بن فضيل أربعتهم عن المختار بن فلفل . وقال الترمذي : حسن صحيح . وهذا من باب الهضم ، والتواضع مع والده الخليل عليه السلام ، كما قال : لا تفضلوني على الأنبياء . وقال لا تفضلوني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فأجد موسى [ ص: 396 ] باطشا بقائمة العرش ، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور . وهذا كله لا ينافي ما ثبت بالتواتر عنه صلوات الله وسلامه عليه من أنه سيد ولد آدم يوم القيامة . وكذلك حديث أبي بن كعب في صحيح مسلم وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم . ولما كان إبراهيم عليه السلام أفضل الرسل وأولي العزم بعد محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أمر المصلي أن يقول في تشهده ما ثبت في الصحيحين من حديث كعب بن عجرة ، وغيره قال : قلنا : يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك ؟ قال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .

وقال تعالى : وإبراهيم الذي وفى . قالوا : وفى جميع ما أمر به . وقام بجميع خصال الإيمان وشعبه ، وكان لا يشغله مراعاة الأمر الجليل عن القيام بمصلحة الأمر القليل ، ولا ينسيه القيام بأعباء المصالح الكبار عن الصغار قال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن [ البقرة : 124 ] . قال : ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس ، وخمس في الجسد فأما التي في الرأس ؛ قص الشارب ، والمضمضة ، والسواك ، والاستنشاق ، وفرق [ ص: 397 ] الرأس . وأما التي في الجسد ؛ تقليم الأظفار ، وحلق العانة ، والختان ، ونتف الإبط ، وغسل أثر الغائط والبول بالماء . رواه ابن أبي حاتم . وقال : وروي عن سعيد بن المسيب ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، وأبي صالح ، وأبي الجلد نحو ذلك . قلت : وفي الصحيحين عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الفطرة خمس ؛ الختان ، والاستحداد ، وقص الشارب ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإبط . وفي صحيح مسلم ، وأهل السنن من حديث وكيع ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن مصعب بن شيبة العبدري المكي الحجبي ، عن طلق بن حبيب العنزي ، عن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عشر من الفطرة ؛ قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظفار ، وغسل البراجم ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء يعني الاستنجاء . وسيأتي في ذكر مقدار عمره الكلام على الختان ، والمقصود أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يشغله القيام بالإخلاص لله عز وجل ، وخشوع العبادة العظيمة عن مراعاة مصلحة بدنه ، وإعطاء كل عضو ما يستحقه من الإصلاح والتحسين ، وإزالة ما [ ص: 398 ] يشين من زيادة شعر أو ظفر ، أو وجود قلح أو وسخ ، فهذا من جملة قوله تعالى في حقه من المدح العظيم وإبراهيم الذي وفى .

التالي السابق


الخدمات العلمية