صفحة جزء
[ ص: 247 ] فصل فيما وقع من الحوادث في هذه السنة

أعني سنة ست من الهجرة ؛ فيها نزل فرض الحج ، كما قرره الشافعي ، رحمه الله ، زمن الحديبية في قوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله ( البقرة : 196 ) ولهذا ذهب إلى أن الحج على التراخي لا على الفور ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا في سنة عشر . وخالفه الثلاثة ؛ مالك وأبو حنيفة وأحمد فعندهم أن الحج يجب على كل من استطاعه على الفور ، ومنعوا أن يكون الوجوب مستفادا من قوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله وإنما في هذه الآية الأمر بالإتمام بعد الشروع فقط ، واستدلوا بأدلة قد أوردنا كثيرا منها عند تفسير هذه الآية من كتابنا " التفسير " ، ولله الحمد والمنة ، بما فيه الكفاية .

وفي هذه السنة حرمت المسلمات على المشركين ؛ تخصيصا لعموم ما وقع به الصلح عام الحديبية على أنه : لا يأتيك منا أحد ، وإن كان على دينك ، إلا رددته علينا . فنزل قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن الآية ( الممتحنة : 1 ) .

وفي هذه السنة كانت غزوة المريسيع ، التي كان فيها قصة الإفك ، ونزول براءة أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها ، كما تقدم . [ ص: 248 ]

وفيها كانت عمرة الحديبية ، وما كان من صد المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكيف وقع الصلح بينهم على وضع الحرب بينهم عشر سنين ، يأمن فيهن الناس بعضهم بعضا ، وعلى أنه لا إغلال ولا إسلال ، وقد تقدم كل ذلك مبسوطا في أماكنه ، ولله الحمد والمنة . وولي الحج في هذه السنة المشركون .

قال الواقدي : وفيها في ذي الحجة منها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر مصطحبين ؛ حاطب بن أبي بلتعة ، إلى المقوقس صاحب الإسكندرية ، وشجاع بن وهب ، من بني أسد بن خزيمة - شهد بدرا - إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ، يعني ملك عرب النصارى بالشام ، ودحية بن خليفة الكلبي ، إلى قيصر ، وهو هرقل ملك الروم ، وعبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك الفرس ، وسليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي ، وعمرو بن أمية الضمري ، إلى النجاشي ملك النصارى بالحبشة ، وهو أصحمة ابن أبجر .

التالي السابق


الخدمات العلمية