صفحة جزء
[ ص: 296 ] فصل في فتح حصونها وقسم أرضها

قال الواقدي : لما تحولت اليهود من حصن ناعم وحصن الصعب بن معاذ إلى قلعة الزبير ، حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ، فجاء رجل من اليهود يقال له : غزال . فقال : يا أبا القاسم ، تؤمنني على أن أدلك على ما تستريح به من أهل النطاة ، وتخرج إلى أهل الشق ، فإن أهل الشق قد هلكوا رعبا منك ؟ قال : فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله وماله ، فقال له اليهودي : إنك لو أقمت شهرا تحاصرهم ما بالوا بك ، إن لهم تحت الأرض دبولا يخرجون بالليل فيشربون منها ، ثم يرجعون إلى قلعتهم . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع دبولهم ، فخرجوا فقاتلوا أشد القتال ، وقتل من المسلمين يومئذ نفر ، وأصيب من اليهود عشرة ، وافتتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان آخر حصون النطاة ، وتحول إلى الشق ، وكان به حصون ذوات عدد ، فكان أول حصن بدأ به منها حصن أبي ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على قلعة يقال لها : سموان . [ ص: 297 ] فقاتل عليها أهل الحصن أشد القتال ، فخرج منهم رجل يقال له : عزول ، فدعا إلى البراز ، فبرز إليه الحباب بن المنذر ، فقطع يده اليمنى من نصف ذراعه ، ووقع السيف من يده ، وفر اليهودي راجعا ، فاتبعه الحباب فقطع عرقوبه ، وبرز منهم آخر ، فقام إليه رجل من المسلمين ، فقتله اليهودي فنهض إليه أبو دجانة فقتله وأخذ سلبه ، وأحجموا عن البراز ، فكبر المسلمون ، ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه ، وأمامهم أبو دجانة ، فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما ، وهرب من كان فيه من المقاتلة ، وتقحموا الجدر كأنهم الظباء ، حتى صاروا إلى حصن النزار بالشق ، وتمنعوا أشد الامتناع ، فزحف إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فتراموا ، ورمى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة ، حتى أصاب نبلهم ثيابه ، عليه الصلاة والسلام . فأخذ عليه السلام كفا من الحصا فرمى حصنهم بها ، فرجف بهم حتى ساخ في الأرض ، وأخذهم المسلمون أخذا باليد .

قال الواقدي : ثم تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الكتيبة والوطيح [ ص: 298 ] والسلالم ؛ حصني بني أبي الحقيق ، وتحصنوا أشد التحصن ، وجاء إليهم كل فل كان قد انهزم من النطاة والشق ، فتحصنوا معهم في القموص - وهو في الكتيبة ، وكان حصنا منيعا - وفي الوطيح والسلالم ، وجعلوا لا يطلعون من حصونهم ، حتى هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصب المنجنيق عليهم ، فلما أيقنوا بالهلكة - وقد حصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر يوما - نزل إليه ابن أبي الحقيق ، فصالحه على حقن دمائهم ويسيرهم ويخلون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ما كان لهم من الأرض ، والأموال ، والصفراء والبيضاء ، والكراع والحلقة ، وعلى البز ، إلا ما كان على ظهر الإنسان ، يعني لباسهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتم شيئا " . فصالحوه على ذلك .

قلت : ولهذا لما كتموا وكذبوا وأخفوا ذلك المسك الذي كان فيه أموال جزيلة ، تبين أنه لا عهد لهم ، فقتل ابن أبي الحقيق وطائفة من أهله ، بسبب نقض العهود منهم والمواثيق . [ ص: 299 ]

وقال الحافظ البيهقي : حدثني أبو الحسن علي بن محمد المقرئ الإسفراييني ، حدثنا الحسن بن محمد بن إسحاق ، حدثنا يوسف بن يعقوب ، حدثنا عبد الواحد بن غياث ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا عبيد الله بن عمر - فيما يحسب أبو سلمة - عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم ، فغلب على الأرض والزرع والنخل ، فصالحوه على أن يجلوا منها ، ولهم ما حملت ركابهم ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء ، ويخرجون منها ، واشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئا ، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد ، فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب ، وكان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعم حيي : " ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير ؟ " فقال : أذهبته النفقات والحروب . فقال : " العهد قريب والمال أكثر من ذلك " . فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزبير ، فمسه بعذاب ، وقد كان حيي قبل ذلك دخل خربة ، فقال : قد رأيت حييا يطوف في خربة هاهنا . فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة ، فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق - وأحدهما زوج صفية بنت حيي بن أخطب - وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءهم وذراريهم ، وقسم أموالهم بالنكث الذي نكثوا ، وأراد إجلاءهم منها ، فقالوا : يا محمد ، دعنا [ ص: 300 ] نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها ، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها ، وكانوا لا يفرغون أن يقوموا عليها ، فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ونخيل وشيء ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام فيخرصها عليهم ، ثم يضمنهم الشطر ، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة خرصه ، وأرادوا أن يرشوه ، فقال : يا أعداء الله ، تطعموني السحت ، والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي ، ولأنتم أبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير ، ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم . فقالوا : بهذا قامت السماوات والأرض . قال : فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعين صفية خضرة ، فقال : " يا صفية ، ما هذه الخضرة ؟ " فقالت : كان رأسي في حجر ابن أبي الحقيق وأنا نائمة ، فرأيت كأن قمرا وقع في حجري ، فأخبرته بذلك فلطمني ، وقال : تتمنين ملك يثرب ؟! قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبغض الناس إلي ؛ قتل زوجي وأبي ، فما زال يعتذر إلي ويقول : " إن أباك ألب علي العرب " وفعل وفعل ، حتى ذهب ذلك من نفسي ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي كل امرأة من نسائه ثمانين وسقا من تمر كل عام ، وعشرين وسقا من شعير ، فلما كان في زمان عمر غشوا المسلمين ، وألقوا ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه ، [ ص: 301 ] فقال عمر : من كان له سهم بخيبر فليحضر حتى نقسمها . فقسمها بينهم . فقال رئيسهم : لا تخرجنا ، دعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر . فقال عمر لرئيسهم : أتراني سقط عني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوما ثم يوما؟ " وقسمها عمر بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية . وقد رواه أبو داود مختصرا من حديث حماد بن سلمة .

قال البيهقي : علقه البخاري في " كتابه " فقال : ورواه حماد بن سلمة قلت : ولم أره في " الأطراف " . فالله أعلم .

وقال أبو داود : وحدثني سليمان بن داود المهري ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني أسامة بن زيد الليثي ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر قال : لما فتحت خيبر سألت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم ، على أن يعملوا على النصف مما [ ص: 302 ] خرج منها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقركم فيها على ذلك ما شئنا " . فكانوا على ذلك ، وكان التمر يقسم على السهمان من نصف خيبر ، ويأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس ، وكان أطعم كل امرأة من أزواجه من الخمس مائة وسق من تمر ، وعشرين وسقا من شعير ، فلما أراد عمر إخراج اليهود ، أرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهن : من أحب منكن أن أقسم لها نخلا بخرصها مائة وسق ، فيكون لها أصلها وأرضها وماؤها ، ومن الزرع مزرعة عشرين وسقا من شعير فعلنا ، ومن أحب أن نعزل الذي لها في الخمس كما هو فعلنا .

وقد روى أبو داود من حديث محمد بن إسحاق ، حدثني نافع ، عن عبد الله بن عمر ، أن عمر قال : أيها الناس ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر على أن يخرجهم إذا شاء ، فمن كان له مال فليلحق به ، فإني مخرج يهود . فأخرجهم .

وقال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب أن جبير بن مطعم أخبره قال : مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ، ونحن وهم بمنزلة واحدة منك . فقال : " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد " . قال جبير بن مطعم : ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني [ ص: 303 ] عبد شمس وبني نوفل شيئا . تفرد به دون مسلم . وفي لفظ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن بني هاشم وبني عبد المطلب شيء واحد ، إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام .

قال الشافعي : دخلوا معهم في الشعب ، وناصروهم في إسلامهم وجاهليتهم .

قلت : وقد ذم أبو طالب بني عبد شمس وبني نوفل حيث يقول :


جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا عقوبة شر عاجلا غير آجل

وقال البخاري : حدثنا الحسن بن إسحاق ، ثنا محمد بن سابق ، ثنا زائدة ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهما . قال : فسره نافع فقال : إذا كان مع الرجل فرس ، فله ثلاثة أسهم ، وإن لم يكن معه فرس ، فله سهم .

وقال البخاري : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، ثنا محمد بن جعفر ، أخبرني زيد ، عن أبيه ، أنه سمع عمر بن الخطاب يقول : أما والذي نفسي بيده ، لولا أن أترك آخر الناس ببانا ليس لهم شيء ، ما فتحت علي قرية إلا قسمتها [ ص: 304 ] كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر ، ولكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها . وقد رواه البخاري أيضا من حديث مالك ، وأبو داود ، عن أحمد بن حنبل ، عن ابن مهدي ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر به . وهذا السياق يقتضي أن خيبر بكمالها قسمت بين الغانمين .

وقد قال أبو داود : ثنا ابن السرح ، أنبأنا ابن وهب أخبرني يونس ، عن ابن شهاب قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال ، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال . وبهذا قال الزهري : خمس رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ثم قسم سائرها على من شهدها .

وفيما قاله الزهري نظر ، فإن الصحيح أن خيبر جميعها لم تقسم ، وإنما قسم نصفها بين الغانمين كما سيأتي بيانه ، وقد احتج بهذا مالك ومن تابعه على أن الإمام مخير في الأراضي المغنومة ، إن شاء قسمها ، وإن شاء أرصدها [ ص: 305 ] لمصالح المسلمين ، وإن شاء قسم بعضها وأرصد بعضها لما ينوبه في الحاجات والمصالح .

قال أبو داود : حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن ، ثنا أسد بن موسى ، حدثنا يحيى بن زكريا ، حدثني سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار ، عن سهل بن أبي حثمة ، قال : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين ، نصفا لنوائبه وحاجته ، ونصفا بين المسلمين ، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما . تفرد به أبو داود . ثم رواه أبو داود من حديث بشير بن يسار مرسلا ، فعين نصف النوائب ، الوطيح والكتيبة والسلالم وما حيز معها ، ونصف المسلمين ، الشق والنطاة وما حيز معهما ، وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حيز معهما .

وقال أيضا : حدثنا حسين بن علي ، ثنا محمد بن فضيل ، عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار ، مولى الأنصار ، عن رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر فقسمها على ستة وثلاثين سهما ، جمع كل سهم مائة سهم ، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين النصف من ذلك وعزل النصف الثاني لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس . تفرد به أبو داود . [ ص: 306 ]

قال أبو داود : حدثنا محمد بن عيسى ، ثنا مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد الأنصاري ، سمعت أبي يعقوب بن مجمع يقول ، عن عمه عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري ، عن عمه مجمع بن جارية الأنصاري - وكان أحد القراء الذين قرءوا القرآن - قال : قسمت خيبر على أهل الحديبية ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهما ، وكان الجيش ألفا وخمسمائة ، فيهم ثلاثمائة فارس ، فأعطى الفارس سهمين ، وأعطى الراجل سهما . تفرد به أبو داود .

وقال مالك : عن الزهري ، أن سعيد بن المسيب أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح بعض خيبر عنوة . رواه أبو داود . ثم قال أبو داود : قرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد ، أخبركم ابن وهب ، حدثني مالك بن أنس ، عن ابن شهاب أن خيبر بعضها كان عنوة ، وبعضها صلحا ، والكتيبة أكثرها عنوة ، وفيها صلح . قلت لمالك : وما الكتيبة؟ قال : أرض خيبر ، وهي أربعون ألف عذق . قال أبو داود : والعذق : النخلة . والعذق : العرجون .

ولهذا قال البخاري : حدثنا محمد بن بشار ، ثنا حرمي ، ثنا شعبة ، ثنا [ ص: 307 ] عمارة ، عن عكرمة ، عن عائشة قالت : لما فتحت خيبر قلنا : الآن نشبع من التمر .

حدثنا الحسن ، ثنا قرة بن حبيب ، ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال : ما شبعنا - يعني من التمر - حتى فتحنا خيبر .

وقال محمد بن إسحاق : كانت الشق والنطاة في سهمان المسلمين ، الشق ثلاثة عشر سهما ، ونطاة خمسة أسهم ، قسم الجميع على ألف وثمانمائة سهم ، ودفع ذلك إلى من شهد الحديبية ، من حضر خيبر ومن غاب عنها ، ولم يغب عن خيبر ممن شهد الحديبية إلا جابر بن عبد الله ، فضرب له بسهمه . قال : وكان أهل الحديبية ألفا وأربعمائة ، وكان معهم مائتا فرس ، لكل فرس سهمان ، فصرف إلى كل مائة رجل سهم من ثمانية عشر سهما ، وزيد المائتا فارس أربعمائة سهم لخيولهم .

وهكذا رواه البيهقي من طريق سفيان بن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن صالح بن كيسان أنهم كانوا ألفا وأربعمائة ، ومائتا فرس .

قلت : وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم بسهم ، وكان أول سهم من سهمان الشق مع عاصم بن عدي .

قال ابن إسحاق : وكانت الكتيبة خمسا لله تعالى ، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، وطعمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وطعمة أقوام مشوا في صلح أهل فدك ، منهم محيصة بن مسعود ، أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين وسقا من تمر ، وثلاثين وسقا من شعير . قال : وكان وادياها اللذان قسمت عليه يقال لهما : وادي السرير ووادي خاص . ثم ذكر ابن إسحاق تفاصيل الإقطاعات منها فأجاد وأفاد ، رحمه الله .

قال : وكان الذي ولي قسمتها وحسابها جبار بن صخر بن أمية بن خنساء ، أخو بني سلمة ، وزيد بن ثابت ، رضي الله عنهما .

قلت : وكان الأمير على خرص نخيل خيبر عبد الله بن رواحة ، فخرصها سنتين ، ثم لما قتل ، رضي الله عنه - كما سيأتي في يوم مؤتة - ولي بعده جبار بن صخر ، رضي الله عنه .

وقد قال البخاري : حدثنا إسماعيل ، حدثني مالك ، عن عبد المجيد بن سهيل ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر ، فجاء بتمر جنيب ، فقال رسول الله [ ص: 309 ] صلى الله عليه وسلم : " كل تمر خيبر هكذا؟ " قال : لا والله يا رسول الله ، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين ، والصاعين بالثلاثة . فقال : " لا تفعل ، بع الجمع بالدراهم ، ثم ابتع بالدراهم جنيبا .

قال البخاري : وقال الدراوردي ، عن عبد المجيد ، عن سعيد بن المسيب أن أبا سعيد وأبا هريرة حدثاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي من الأنصار إلى خيبر وأمره عليها . وعن عبد المجيد ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي سعيد وأبي هريرة مثله .

قلت : كان سهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي أصاب مع المسلمين مما قسم بخيبر وفدك بكمالها - وهي طائفة كبيرة من أرض خيبر نزلوا من شدة رعبهم منه ، صلوات الله وسلامه عليه فصالحوه - وأموال بني النضير ، المتقدم ذكرها ، مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت هذه الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، وكان يعزل منها نفقة أهله لسنة ، ثم يجعل ما بقي مجعل مال الله ، يصرفه في الكراع والسلاح ومصالح المسلمين ، فلما مات ، صلوات الله وسلامه عليه ، اعتقدت فاطمة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم - أو أكثرهن - أن هذه الأراضي تكون موروثة عنه ، ولم يبلغهن ما ثبت عنه من قوله صلى الله عليه وسلم : " نحن معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه فهو صدقة " . ولما طلبت فاطمة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم والعباس نصيبهم من ذلك ، وسألوا الصديق أن يسلمه [ ص: 310 ] إليهم ، ذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة " . وقال : أنا أعول من كان يعول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي . وصدق ، رضي الله عنه وأرضاه ، فإنه البار الراشد في ذلك ، التابع للحق ، وطلب العباس وعلي - على لسان فاطمة ، إذ قد فاتهم الميراث - أن ينظرا في هذه الصدقة ، وأن يصرفا ذلك في المصارف التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصرفها فيها ، فأبى عليهم الصديق ذلك ، ورأى أن حقا عليه أن يقوم فيما كان يقوم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن لا يخرج من مسلكه ولا عن سننه . فتغضبت فاطمة ، رضي الله عنها ، عليه في ذلك ، ووجدت في نفسها بعض الموجدة ، ولم يكن لها ذلك ، والصديق من قد عرفت هي والمسلمون محله ومنزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيامه في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته ، فجزاه الله عن نبيه وعن الإسلام وأهله خيرا ، وتوفيت فاطمة ، رضي الله عنها ، بعد ستة أشهر ، ثم جدد علي البيعة بعد ذلك ، فلما كان أيام عمر بن الخطاب ، سألوه أن يفوض أمر هذه الصدقة إلى علي ، والعباس ، وثقلوا عليه بجماعة من سادات الصحابة ، ففعل عمر ، رضي الله عنه ذلك ، وذلك لكثرة أشغاله واتساع مملكته وامتداد رعيته ، فتغلب على علي عمه العباس فيها ، ثم تساوقا يختصمان إلى عمر ، وقدما بين أيديهما جماعة من الصحابة ، وسألا منه أن يقسمها بينهما ، فينظر كل منهما فيما لا ينظر فيه الآخر . فامتنع عمر من ذلك أشد الامتناع ، وخشي أن تكون هذه القسمة تشبه قسمة المواريث ، وقال : انظرا فيها وأنتما جميع ، فإن عجزتما [ ص: 311 ] عنها فادفعاها إلي ، والذي تقوم السماء والأرض بأمره لا أقضي فيها قضاء غير هذا . فاستمرا فيها ، ومن بعدهما من ولدهما إلى أيام بني العباس ، تصرف في المصارف التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرفها فيها ، أموال بني النضير وفدك ، وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر .

التالي السابق


الخدمات العلمية