صفحة جزء
[ ص: 315 ] ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب ومن كان بقي بالحبشة ممن هاجر إليها من المسلمين ، ومن انضم إليهم من أهل اليمن ، على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مخيم بخيبر

قال البخاري : حدثنا محمد بن العلاء ، ثنا أبو أسامة ، ثنا بريد بن عبد الله بن أبي بردة ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى قال : بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن ، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي ، أنا أصغرهم ، أحدهما أبو بردة ، والآخر أبو رهم - إما قال : في بضع . وإما قال : في ثلاثة وخمسين ، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي - فركبنا سفينة ، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة ، فوافقنا جعفر بن أبي طالب ، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا ، فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر ، فكان أناس من الناس يقولون لنا - يعني لأهل السفينة - : سبقناكم بالهجرة . ودخلت أسماء بنت عميس ، وهي ممن قدم معنا ، على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة ، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر ، فدخل عمر على حفصة ، وأسماء عندها ، فقال عمر حين رأى أسماء : من هذه ؟ قالت : أسماء بنت عميس قال عمر : [ ص: 316 ] الحبشية هذه ؟ البحرية هذه ؟ قالت أسماء : نعم . قال : سبقناكم بالهجرة ، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم . فغضبت وقالت : كلا والله ، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ، ويعظ جاهلكم ، وكنا في دار - أو في أرض - البعداء والبغضاء بالحبشة ، وذلك في الله وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأسأله ، ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه . فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت : يا نبي الله ، إن عمر قال كذا وكذا ، قال : " فما قلت له ؟ " قالت : قلت كذا وكذا قال : " ليس بأحق بي منكم ، وله ولأصحابه هجرة واحدة ، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان " . قالت : فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا يسألوني عن هذا الحديث ، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم . قال أبو بردة : قالت أسماء : فلقد رأيت أبا موسى ، وإنه ليستعيد هذا الحديث مني .

وقال أبو بردة ، عن أبي موسى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن ، حين يدخلون بالليل ، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل ، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار ، ومنهم حكيم ، إذا لقي العدو - أو قال : الخيل - قال لهم : إن أصحابي يأمرونكم أن [ ص: 317 ] تنظروهم . وهكذا رواه مسلم عن أبي كريب وعبد الله بن براد ، عن أبي أسامة به .

ثم قال البخاري : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، ثنا حفص بن غياث ، ثنا بريد بن عبد الله بن أبي بردة ، عن أبي موسى ، قال : قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن افتتح خيبر ، فقسم لنا ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا تفرد به البخاري دون مسلم ورواه أبو داود ، والترمذي وصححه من حديث بريد ، به .

وقد ذكر محمد بن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ، يطلب منه من بقي من أصحابه بالحبشة ، فقدموا صحبة جعفر وقد فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر قال ابن هشام : وذكر سفيان بن عيينة ، عن الأجلح ، عن الشعبي ، أن جعفر بن أبي طالب قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر ، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه والتزمه ، وقال : " ما أدري بأيهما أنا أسر ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ؟ " وهكذا رواه سفيان الثوري ، عن [ ص: 318 ] الأجلح ، عن الشعبي مرسلا .

وأسند البيهقي ، من طريق حسن بن حسين العرني ، عن الأجلح عن الشعبي ، عن جابر ، قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قدم جعفر من الحبشة ، فتلقاه وقبل جبهته وقال : والله ما أدري بأيهما أفرح ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر .

ثم قال البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو الحسين بن أبي إسماعيل العلوي ، ثنا أحمد بن محمد البيروتي ، ثنا محمد بن أحمد بن أبي طيبة ، حدثني مكي بن إبراهيم الرعيني ، ثنا سفيان الثوري ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة ، تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما نظر جعفر إليه حجل - قال مكي : يعني مشى على رجل واحدة ، إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم - فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه . ثم قال البيهقي : في إسناده من لا يعرف إلى الثوري .

قال ابن إسحاق : وكان الذين تأخروا مع جعفر من أهل مكة إلى أن [ ص: 319 ] قدموا معه خيبر ستة عشر رجلا وسرد أسماءهم وأسماء نسائهم وهم ، جعفر بن أبي طالب الهاشمي ، وامرأته أسماء بنت عميس ، وابنه عبد الله ، ولد بالحبشة ، وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس ، وامرأته أمينة بنت خلف بن أسعد ، وولداه سعيد وأمة بنت خالد ، ولدا بأرض الحبشة ، وأخوه عمرو بن سعيد بن العاص ، ومعيقيب بن أبي فاطمة ، وكان إلى آل سعيد بن العاص . قال : وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس ، حليف آل عتبة بن ربيعة ، وأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد الأسدي ، وجهم بن قيس بن عبد شرحبيل العبدري ، وقد ماتت امرأته أم حرملة بنت عبد الأسود بأرض الحبشة ، وابنه عمرو وابنته خزيمة ماتا بها ، رحمهم الله ، وعامر بن أبي وقاص الزهري ، وعتبة بن مسعود ، حليف لهم من هذيل ، والحارث بن خالد بن صخر التيمي ، وقد هلكت بها امرأته ريطة بنت الحارث ، رحمها الله ، وعثمان بن ربيعة بن أهبان الجمحي ، ومحمية بن جزء الزبيدي حليف بني سهم ، ومعمر بن عبد الله بن نضلة العدوي ، وأبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس ، ومالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس العامريان ، ومع مالك هذا امرأته عمرة بنت السعدي ، والحارث بن عبد قيس بن لقيط الفهري .

قلت : ولم يذكر ابن إسحاق أسماء الأشعريين الذين كانوا مع أبي موسى الأشعري ، وأخويه أبا بردة وأبا رهم ، وعمه أبا عامر ، بل لم يذكر من [ ص: 320 ] الأشعريين غير أبي موسى ، ولم يتعرض لذكر أخويه وهما أسن منه ، كما تقدم في " صحيح البخاري " وكأن ابن إسحاق ، رحمه الله ، لم يطلع على حديث أبي موسى في ذلك . والله أعلم .

قال : وقد كان معهم في السفينتين نساء ، من نساء من هلك من المسلمين هنالك . وقد حرر هاهنا شيئا كثيرا حسنا .

قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، ثنا سفيان ، سمعت الزهري وسأله إسماعيل بن أمية ، قال : أخبرني عنبسة بن سعيد ، أن أبا هريرة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله - يعني أن يقسم له - فقال بعض بني سعيد بن العاص : لا تعطه . فقال أبو هريرة هذا قاتل ابن قوقل . فقال : واعجبا لوبر تدلى من قدوم الضأن! تفرد به دون مسلم .

قال البخاري : ويذكر عن الزبيدي ، عن الزهري ، أخبرني عنبسة بن سعيد ، أنه سمع أبا هريرة يخبر سعيد بن العاص قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 321 ] أبان على سرية من المدينة قبل نجد . قال أبو هريرة : فقدم أبان وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعدما افتتحها ، وإن حزم خيلهم لليف . قال أبو هريرة فقلت : يا رسول الله ، لا تقسم لهم . فقال أبان : وأنت بهذا يا وبر تحدر من رأس ضال ؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أبان ، اجلس " . ولم يقسم لهم وقد أسند أبو داود هذا الحديث ، عن سعيد بن منصور ، عن إسماعيل بن عياش ، عن محمد بن الوليد الزبيدي ، به نحوه .

ثم قال البخاري : حدثنا موسى بن إسماعيل ، ثنا عمرو بن يحيى بن سعيد ، أخبرني جدي - وهو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص - أن أبان بن سعيد أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه ، فقال أبو هريرة : يا رسول الله ، هذا قاتل ابن قوقل . فقال أبان لأبي هريرة : واعجبا لك ، وبر تردى من قدوم ضال! تنعى علي امرأ أكرمه الله بيدي ، ومنعه أن يهينني بيده ؟! هكذا رواه منفردا به هاهنا .

وقال في الجهاد : حدثنا الحميدي ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن [ ص: 322 ] عنبسة بن سعيد ، عن أبي هريرة قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعدما افتتحها ، فقلت : يا رسول الله ، أسهم لي . فقال بعض آل سعيد بن العاص : لا تقسم له . فقلت : يا رسول الله ، هذا قاتل ابن قوقل . الحديث . قال سفيان : حدثنيه السعيدي - يعني عمرو بن يحيى بن سعيد - عن جده ، عن أبي هريرة بهذا . ففي هذا الحديث التصريح من أبي هريرة بأنه لم يشهد خيبر وتقدم في أول هذه الغزوة ، رواه الإمام أحمد من طريق عراك بن مالك ، عن أبي هريرة ، وأنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما افتتح خيبر فكلم المسلمين ، فأشركونا في أسهامهم .

قال الإمام أحمد : حدثنا روح ، ثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن عمار بن أبي عمار قال : قال أبو هريرة : ما شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغنما قط إلا قسم لي ، إلا خيبر ، فإنها كانت لأهل الحديبية خاصة .

قلت : وكان أبو هريرة وأبو موسى ، جاءا بين الحديبية وخيبر .

وقد قال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا معاوية بن عمرو ، ثنا أبو إسحاق ، عن مالك بن أنس ، حدثني ثور ، حدثني سالم مولى عبد الله بن مطيع ، أنه سمع أبا هريرة يقول : افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبا ولا فضة ، إنما [ ص: 323 ] غنمنا الإبل ، والبقر ، والمتاع ، والحوائط ، ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى ، ومعه عبد له يقال له : مدعم . أهداه له بعض بني الضبيب ، فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر ، حتى أصاب ذلك العبد ، فقال الناس : هنيئا له الشهادة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلا ، والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر ، لم تصبها المقاسم ، لتشتعل عليه نارا " . فجاء رجل حين سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراك أو شراكين فقال : هذا شيء كنت أصبته . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شراك أو شراكان من نار .

التالي السابق


الخدمات العلمية