صفحة جزء
[ ص: 351 ] فصل في مروره صلى الله عليه وسلم بوادي القرى ومحاصرته قوما من اليهود ، ومصالحة يهود تيماء على ما ذكره الواقدي

قال الواقدي : حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى ، وكان رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي قد وهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا أسود يقال له : مدعم . وكان يرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما نزلنا بوادي القرى انتهينا إلى يهود ، وقدم إليها ناس من العرب ، فبينا مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد استقبلتنا يهود بالرمي حين نزلنا ، ولم نكن على تعبية ، وهم يصيحون في آطامهم ، فيقبل سهم عائر ، فأصاب مدعما فقتله ، فقال الناس : هنيئا له بالجنة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كلا والذي نفسي بيده ، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم ، لتشتعل عليه نارا " . [ ص: 352 ] فلما سمع بذلك الناس ، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراك أو شراكين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " شراك من نار أو شراكان من نار وهذا الحديث في " الصحيحين " من حديث مالك ، عن ثور بن يزيد ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

قال الواقدي : فعبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال وصفهم ، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة ، وراية إلى الحباب بن المنذر ، وراية إلى سهل بن حنيف ، وراية إلى عباد بن بشر ، ثم دعاهم إلى الإسلام ، وأخبرهم أنهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم وحقنوا دماءهم ، وحسابهم على الله . قال : فبرز رجل منهم ، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله ، ثم برز آخر فبرز إليه علي فقتله ، ثم برز آخر ، فبرز إليه أبو دجانة فقتله ، حتى قتل منهم أحد عشر رجلا كلما قتل منهم رجل ، دعا من بقي منهم إلى الإسلام ، ولقد كانت الصلاة تحضر ذلك اليوم ، فيصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه ، ثم يعود فيدعوهم إلى الإسلام وإلى الله عز وجل ورسوله ، وقاتلهم حتى أمسوا ، وغدا عليهم ، فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا بأيديهم ، وفتحها عنوة ، وغنمهم الله أموالهم ، وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا ، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي القرى أربعة أيام ، فقسم ما أصاب على أصحابه ، وترك الأرض والنخيل في أيدي اليهود [ ص: 353 ] وعاملهم عليها ، فلما بلغ يهود تيماء ما وطئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وفدك ووادي القرى ، صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية ، وأقاموا بأيديهم أموالهم ، فلما كان عمر أخرج يهود خيبر وفدك ، ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى ، لأنهما داخلتان في أرض الشام ، ويرى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز ، وما وراء ذلك من الشام . قال : ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة بعد أن فرغ من خيبر ووادي القرى ، وغنمه الله عز وجل .

قال الواقدي : حدثني يعقوب بن محمد ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة ، عن الحارث بن عبد الله بن كعب ، عن أم عمارة ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجرف وهو يقول : لا تطرقوا النساء بعد صلاة العشاء قالت : فذهب رجل من الحي ، فطرق أهله فوجد ما يكره ، فخلى سبيله ولم يهجه ، وضن بزوجته أن يفارقها ، وكان له منها أولاد ، وكان يحبها ، فعصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى ما يكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية