صفحة جزء
[ ص: 388 ] وأما قصة تزويجه ، عليه الصلاة والسلام ، بميمونة

فقال ابن إسحاق : حدثني أبان بن صالح وعبد الله بن أبي نجيح ، عن عطاء ومجاهد ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك وهو حرام ، وكان الذي زوجه إياها العباس بن عبد المطلب قال ابن هشام : كانت جعلت أمرها إلى أختها أم الفضل ، فجعلت أم الفضل أمرها إلى زوجها العباس ، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصدقها عنه أربعمائة درهم . وذكر السهيلي أنه لما انتهت إليها خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وهي راكبة بعيرا قالت : الجمل وما عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : وفيها نزلت الآية : وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ( الأحزاب : 50 ) .

وقد روى البخاري من طريق أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم ، وبنى بها وهو حلال ، وماتت بسرف . [ ص: 389 ]

قال السهيلي : وروى الدارقطني من طريق أبي الأسود يتيم عروة ، ومن طريق مطر الوراق ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال ، قال : وتأولوا رواية ابن عباس الأولى أنه كان محرما ، أي في شهر حرام ، كما قال الشاعر :


قتلوا ابن عفان الخليفة محرما فدعا فلم أر مثله مخذولا

أي في شهر حرام .

قلت : وفي هذا التأويل نظر ، لأن الروايات متظافرة عن ابن عباس بخلاف ذلك ، ولا سيما قوله : تزوجها وهو محرم ، وبنى بها وهو حلال ، وقد كان في شهر ذي القعدة أيضا ، وهو شهر حرام .

وقال محمد بن يحيى الذهلي : ثنا عبد الرزاق قال : قال لي الثوري : لا تلتفت إلى قول أهل المدينة ، أخبرني عمرو ، عن أبي الشعثاء ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج وهو محرم . قال أبو عبد الله : قلت لعبد الرزاق : روى سفيان الحديثين جميعا ، عن عمرو بن أبي الشعثاء ، عن ابن عباس ، وابن خثيم ، [ ص: 390 ] عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ؟ قال : نعم ، أما حديث ابن خثيم فحدثنا هاهنا - يعني باليمن - وأما حديث عمرو فحدثنا ثم - يعني بمكة - وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث عمرو بن دينار به .

وفي " صحيح البخاري " من طريق الأوزاعي ، أنبأنا عطاء ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم .

فقال سعيد بن المسيب : وهل ابن عباس ، وإن كانت خالته ، ما تزوجها إلا بعد ما أحل .

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدثني ثقة ، عن سعيد بن المسيب أنه قال : هذا عبد الله بن عباس ، يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم . فذكر كلمته : إنما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، فكان الحل والنكاح جميعا ، فشبه ذلك على الناس . [ ص: 391 ]

وروى مسلم وأهل السنن من طرق ، عن يزيد بن الأصم العامري ، عن خالته ميمونة بنت الحارث قالت : تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف . لكن قال الترمذي : روى غير واحد هذا الحديث ، عن يزيد بن الأصم مرسلا ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال .

وقال الحافظ البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأصفهاني الزاهد ، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، ثنا سليمان بن حرب ، ثنا حماد بن زيد ، ثنا مطر الوراق ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن سليمان بن يسار ، عن أبي رافع قال : تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال ، وبنى بها وهو حلال ، وكنت الرسول بينهما ، وهكذا رواه الترمذي والنسائي جميعا ، عن قتيبة ، عن حماد بن زيد ، به . ثم قال الترمذي : حسن ، ولا نعلم أحدا أسنده غير حماد ، عن مطر ، ورواه مالك ، عن ربيعة ، عن سليمان مرسلا ، ورواه سليمان بن بلال ، عن ربيعة [ ص: 392 ] مرسلا .

قلت : وكانت وفاتها بسرف سنة ثلاث وستين ، ويقال : سنة ستين . رضي الله عنها .

التالي السابق


الخدمات العلمية