صفحة جزء
[ ص: 174 ] قدوم رسول قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك .

قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى حدثنا يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن أبي راشد قال : لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص ، وكان جارا لي شيخا كبيرا قد بلغ الفند أو قرب . فقلت : ألا تخبرني عن رسالة هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ؟ فقال : بلى ، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك ، فبعث دحية الكلبي إلى هرقل فلما أن جاءه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قسيسي الروم وبطارقتها ، ثم أغلق عليه وعليهم الدار ، فقال : قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم ، وقد أرسل إلي يدعوني إلى ثلاث خصال ، يدعوني إلى أن أتبعه على دينه ، أو على أن نعطيه مالنا على أرضنا والأرض أرضنا ، أو نلقي إليه الحرب ، والله لقد عرفتم فيما تقرءون من الكتب ليأخذن ما تحت قدمي فهلم فلنتبعه على دينه أو نعطه مالنا على أرضنا . فنخروا نخرة رجل واحد حتى خرجوا من [ ص: 175 ] برانسهم ، وقالوا : تدعونا إلى أن نذر النصرانية أو نكون عبيدا لأعرابي جاء من الحجاز ؟ فلما ظن أنهم إن خرجوا من عنده أفسدوا عليه الروم رفأهم ولم يكد ، وقال : إنما قلت ذلك لكم لأعلم صلابتكم على أمركم . ثم دعا رجلا من عرب تجيب كان علىنصارى العرب ، قال : ادع لي رجلا حافظا للحديث عربي اللسان أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه . فجاء بي فدفع إلي هرقل كتابا ، فقال : اذهب بكتابي إلى هذا الرجل ، فما سمعت من حديثه فاحفظ لي منه ثلاث خصال ; انظر هل يذكر صحيفته التي كتب إلي بشيء ، وانظر إذا قرأ كتابي فهل يذكر الليل ، وانظر في ظهره هل به شيء يريبك . قال : فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوك ، فإذا هو جالس بين ظهراني أصحابه محتبيا على الماء ، فقلت : أين صاحبكم ؟ قيل : ها هو ذا . فأقبلت أمشي حتى جلست بين يديه فناولته كتابي ، فوضعه في حجره ثم قال : " ممن أنت ؟ " فقلت : أنا أخو تنوخ . قال : " هل لك إلى الإسلام الحنيفية ملة أبيك إبراهيم ؟ " قلت : إني رسول قوم وعلى دين قوم ، لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم . فضحك وقال : إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ( القصص : 56 ) يا أخا تنوخ ، إني كتبت بكتاب إلى كسرى فمزقه ، والله ممزقه وممزق ملكه ، وكتبت إلى النجاشي بصحيفة فخرقها والله مخرقه ومخرق ملكه ، وكتبت إلى صاحبك بصحيفة فأمسكها ، فلن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش خير " . قلت : هذه إحدى الثلاث التي أوصاني بها صاحبي . فأخذت سهما من جعبتي فكتبته في جلد سيفي ، ثم إنه ناول الصحيفة رجلا عن يساره ، قلت : من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم ؟ قالوا : معاوية . فإذا في كتاب صاحبي : تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ، فأين النار ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله ! أين الليل إذا جاء النهار ؟ ! " قال : فأخذت سهما من جعبتي فكتبته في جلد سيفي . فلما أن فرغ من قراءة كتابي ، قال : " إن لك حقا وإنك رسول ، فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها ، إنا سفر مرملون " . قال : فناداه رجل من طائفة الناس ، قال : أنا أجوزه ففتح رحله ، فإذا هو يأتي بحلة صفورية فوضعها في حجري ، قلت : من صاحب الجائزة ؟ قيل لي : عثمان . ثم قال رسول الله : " أيكم ينزل هذا الرجل ؟ " فقال فتى من الأنصار : أنا . فقام الأنصاري وقمت معه حتى إذا خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله فقال : " تعال يا أخا تنوخ " . فأقبلت أهوي إليه حتى كنت قائما في مجلسي الذي كنت [ ص: 177 ] بين يديه ، فحل حبوته عن ظهره ، وقال : " هاهنا امض لما أمرت به " . فجلت في ظهره ، فإذا أنا بخاتم في موضع غضون الكتف مثل الحجمة الضخمة . هذا حديث غريب وإسناده لا بأس به تفرد به الإمام أحمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية