صفحة جزء
[ ص: 410 ] باب تاريخ خروجه ، عليه الصلاة والسلام ، من المدينة لحجة الوداع بعد ما استعمل عليها أبا دجانة سماك بن خرشة الساعدي ، ويقال : سباع بن عرفطة الغفاري

قال محمد بن إسحاق : فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو القعدة - من سنة عشر - تجهز للحج ، وأمر الناس بالجهاز له ، فحدثني عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه القاسم بن محمد ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج لخمس ليال بقين من ذي القعدة . وهذا إسناد جيد .

وروى الإمام مالك في " موطئه " عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة ، عن عائشة ، ورواه الإمام أحمد ، عن عبد الله بن نمير ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عنها ، وهو ثابت في " الصحيحين " ، و " سنن [ ص: 411 ] النسائي " وابن ماجه و " مصنف ابن أبي شيبة " ، من طرق ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة ، عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا الحج . الحديث بطوله ، كما سيأتي .

وقال البخاري : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، ثنا فضيل بن سليمان ، ثنا موسى بن عقبة أخبرني كريب ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعد ما ترجل وادهن ، ولبس إزاره ورداءه ، ولم ينه عن شيء من الأردية ولا الأزر إلا المزعفرة التي تردع على الجلد ، فأصبح بذي الحليفة ، ركب راحلته حتى استوى على البيداء ، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة ، فقدم مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة . تفرد به البخاري . فقوله : وذلك لخمس بقين من ذي القعدة . إن أراد به صبيحة يومه بذي الحليفة صح قول ابن حزم في دعواه أنه صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة يوم الخميس وبات بذي الحليفة ليلة الجمعة ، وأصبح بها يوم الجمعة ، [ ص: 412 ] وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة . وإن أراد ابن عباس بقوله : وذلك لخمس بقين من ذي القعدة . يوم انطلاقه ، عليه الصلاة والسلام من المدينة بعدما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه - كما قالت عائشة وجابر : إنهم خرجوا من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة - بعد قول ابن حزم وتعذر المصير إليه ، وتعين القول بغيره ، ولم ينطبق ذلك إلا على يوم الجمعة ، إن كان شهر ذي القعدة كاملا .

ولا يجوز أن يكون خروجه ، عليه الصلاة والسلام ، من المدينة كان يوم الجمعة ; لما رواه البخاري ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، ثنا وهيب ، ثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه بالمدينة الظهر أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، ثم بات بها حتى أصبح ، ثم ركب ، حتى استوت به راحلته على البيداء ، حمد الله ، عز وجل ، وسبح وكبر ، ثم أهل بحج وعمرة

وقد رواه مسلم والنسائي جميعا عن قتيبة ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين

وقال أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن محمد - يعني ابن [ ص: 413 ] المنكدر - وإبراهيم بن ميسرة ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين . ورواه البخاري ، عن أبي نعيم ، عن سفيان الثوري به . وأخرجه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، من حديث سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر ، وإبراهيم بن ميسرة ، عن أنس به .

وقال أحمد : ثنا محمد بن بكير ، ثنا ابن جريج عن محمد بن المنكدر ، عن أنس قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، ثم بات بذي الحليفة حتى أصبح ، فلما ركب راحلته واستوت به أهل .

وقال أحمد : ثنا يعقوب ، ثنا أبي ، عن محمد بن إسحاق ، حدثني محمد بن المنكدر التيمي ، عن أنس بن مالك الأنصاري قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر في مسجده بالمدينة أربع ركعات ، ثم صلى بنا العصر بذي الحليفة ركعتين ، آمنا لا يخاف ، في حجة الوداع . تفرد به أحمد من هذين الوجهين الآخرين وهما على شرط الصحيح ، وهذا ينفي كون خروجه ، عليه الصلاة والسلام ، يوم الجمعة قطعا ، ولا يجوز على هذا أن يكون خروجه يوم الخميس كما قال ابن حزم ; لأنه كان يوم الرابع والعشرين من ذي القعدة ; [ ص: 414 ] لأنه لا خلاف أن أول ذي الحجة كان يوم الخميس ; لما ثبت بالتواتر والإجماع من أنه ، عليه الصلاة والسلام ، وقف بعرفة يوم الجمعة ، وهو تاسع ذي الحجة بلا نزاع ، فلو كان خروجه يوم الخميس الرابع والعشرين من ذي القعدة ، لبقي في الشهر ست ليال قطعا ; ليلة الجمعة ، والسبت ، والأحد ، والاثنين ، والثلاثاء ، والأربعاء ، فهذه ست ليال .

وقد قال ابن عباس ، وعائشة ، وجابر : إنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة . وتعذر أنه يوم الجمعة ; لحديث أنس ، فتعين على هذا أنه ، عليه الصلاة والسلام ، خرج من المدينة يوم السبت ، وظن الراوي أن الشهر يكون تاما ، فاتفق في تلك السنة نقصانه فانسلخ يوم الأربعاء ، واستهل شهر ذي الحجة ليلة الخميس ، ويؤيده ما وقع في رواية جابر : لخمس بقين أو أربع . وهذا التقرير على هذا التقدير لا محيد عنه ، ولا بد منه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية