صفحة جزء
[ ص: 440 ] باب بسط البيان لما أحرم به ، عليه الصلاة والسلام ، في حجته هذه من الإفراد والتمتع والقران

ذكر الأحاديث الواردة بأنه ، عليه الصلاة والسلام ، كان مفردا

رواية عائشة أم المؤمنين في ذلك : قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي : أنبأنا مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج . ورواه مسلم ، عن إسماعيل ، عن أبي أويس ، ويحيى بن يحيى ، عن مالك . ورواه الإمام أحمد ، عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك به .

وقال أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثني المنكدر بن محمد ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج

[ ص: 441 ] وقال الإمام أحمد : ثنا سريج ، ثنا ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عروة ، عن عائشة ، وعن علقمة بن أبي علقمة ، عن أمه ، عن عائشة ، وعن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج تفرد به أحمد من هذه الوجوه عنها .

وقال الإمام أحمد : حدثني عبد الأعلى بن حماد قال : قرأت على مالك بن أنس ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج

وقال : حدثنا روح ، ثنا مالك ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل - وكان يتيما في حجر عروة - عن عروة بن الزبير عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج . ورواه ابن ماجه ، عن أبي مصعب ، عن مالك كذلك . ورواه النسائي ، عن قتيبة ، عن مالك ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج .

وقال أحمد أيضا : ثنا عبد الرحمن ، عن مالك ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمنا من أهل بالحج ، ومنا من أهل بالعمرة ، ومنا من أهل بالحج والعمرة ، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ، فأما من أهل بالعمرة فأحلوا حين طافوا بالبيت وبالصفا والمروة ، وأما من أهل بالحج أو بالحج والعمرة فلم يحلوا إلى يوم النحر . وهكذا رواه البخاري ، عن عبد الله [ ص: 442 ] بن يوسف والقعنبي وإسماعيل بن أبي أويس ، عن مالك . ورواه مسلم ، عن يحيى بن يحيى ، عن مالك به .

وقال أحمد : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ، وأهل ناس بالحج والعمرة ، وأهل ناس بالعمرة . ورواه مسلم ، عن ابن أبي عمر ، عن سفيان بن عيينة به نحوه .

فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد : ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا عبد العزيز بن محمد ، عن علقمة بن أبي علقمة ، عن أمه ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس في حجة الوداع فقال : " من أحب أن يبدأ بعمرة قبل الحج فليفعل " . وأفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج ولم يعتمر . فإنه حديث غريب جدا ، تفرد به أحمد بن حنبل ، وإسناده لا بأس به ، ولكن لفظه فيه نكارة شديدة ، وهو قوله : فلم يعتمر . فإن أريد بهذا أنه لم يعتمر مع الحج ولا قبله ، فهو قول من ذهب إلى الإفراد ، وإن أريد أنه لم يعتمر بالكلية لا قبل الحج ولا معه ولا بعده ، فهذا مما لا أعلم أحدا من العلماء قال به ، ثم هو مخالف لما صح عن عائشة وغيرها من أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر ، كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته . وسيأتي تقرير هذا في فصل القران مستقصى . والله أعلم .

وهكذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد قائلا في " مسنده " : حدثنا [ ص: 443 ] روح ، ثنا صالح بن أبي الأخضر ، ثنا ابن شهاب ، أن عروة أخبره ، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج والعمرة في حجة الوداع ، وساق معه الهدي ، وأهل ناس بالعمرة وساقوا الهدي ، وأهل ناس بالعمرة ولم يسوقوا هديا . قالت عائشة : وكنت ممن أهل بالعمرة ولم أسق هديا ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كان منكم أهل بالعمرة فساق معه الهدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ، ولا يحل منه شيء حرم منه حتى يقضي حجه وينحر هديه يوم النحر ، ومن كان منكم أهل بالعمرة ولم يسق معه هديا فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم ليقصر وليحلل ، ثم ليهل بالحج وليهد ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " . قالت عائشة : فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج الذي خاف فوته ، وأخر العمرة . فهو حديث من أفراد الإمام أحمد ، وفي بعض ألفاظه نكارة ، ولبعضه شاهد في الصحيح ، وصالح بن أبي الأخضر ليس من علية أصحاب الزهري ، لا سيما إذا خالفه غيره ، كما هاهنا في بعض ألفاظ سياقه هذا . وقوله : فقدم الحج الذي يخاف فوته وأخر العمرة . لا يلتئم مع أول الحديث : أهل بالحج والعمرة . فإن أراد أنه أهل بهما في الجملة وقدم أفعال الحج ، ثم بعد فراغه أهل بالعمرة - كما يقوله من ذهب إلى الإفراد - فهو مما نحن فيه هاهنا ، وإن أراد أنه أخر العمرة بالكلية بعد إحرامه بها فهذا لا أعلم أحدا من العلماء صار إليه ، وإن أراد أنه المقضي بأفعال الحج عن أفعال العمرة ، ودخلت العمرة في الحج ، فهذا قول من ذهب إلى القران ، وهم يؤولون قول من روى أنه ، عليه الصلاة والسلام ، أفرد الحج . أي أفرد أفعال الحج وإن [ ص: 444 ] كان قد نوى معه العمرة ، قالوا : لأنه قد روى القران كل من روى الإفراد . كما سيأتي بيانه . والله تعالى أعلم .

رواية جابر بن عبد الله في الإفراد : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، ثنا الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر بن عبد الله قال : أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالحج . إسناده جيد على شرط مسلم .

ورواه البيهقي . عن الحاكم وغيره ، عن الأصم ، عن أحمد بن عبد الجبار ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش عن أبي سفيان ، عن جابر قال : أهل رسول الله في حجته بالحج ليس معه عمرة . وهذه الزيادة غريبة جدا ، ورواية الإمام أحمد بن حنبل أحفظ . والله أعلم .

وفي " صحيح مسلم " من طريق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر قال : أهللنا بالحج لسنا نعرف العمرة .

وقد روى ابن ماجه ، عن هشام بن عمار ، عن الدراوردي وحاتم بن إسماعيل ، كلاهما عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج . وهذا إسناد جيد .

وقال الإمام أحمد : ثنا عبد الوهاب الثقفي ، ثنا حبيب - يعني المعلم - [ ص: 445 ] عن عطاء ، حدثني جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هو وأصحابه بالحج ، ليس مع أحد منهم هدي إلا النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة . وذكر تمام الحديث ، وهو في " صحيح البخاري " بطوله ، كما سيأتي عن محمد بن المثنى ، عن عبد الوهاب .

رواية عبد الله بن عمر للإفراد : قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن محمد ، ثنا عباد - يعني ابن عباد - حدثني عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : أهللنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحج مفردا

ورواه مسلم في " صحيحه " ، عن عبد الله بن عون ، عن عباد بن عباد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج مفردا

وقال الحافظ أبو بكر البزار : ثنا الحسن بن عبد العزيز ومحمد بن مسكين ، قالا : ثنا بشر بن بكر ، ثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج . يعني مفردا . إسناده جيد ، ولم يخرجوه .

رواية ابن عباس للإفراد : روى الحافظ البيهقي من حديث روح بن [ ص: 446 ] عبادة ، عن شعبة ، عن أيوب ، عن أبي العالية البراء ، عن ابن عباس أنه قال : أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ، فقدم لأربع مضين من ذي الحجة ، فصلى بنا الصبح بالبطحاء ، ثم قال : " من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها " . ثم قال : رواه مسلم ، عن إبراهيم بن دينار ، عن روح .

وتقدم من رواية قتادة ، عن أبي حسان الأعرج ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ، ثم أتى ببدنة فأشعر صفحة سنامها الأيمن ، ثم أتى براحلته فركبها ، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج . وهو في " صحيح مسلم " أيضا .

وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني : ثنا الحسين بن إسماعيل ، ثنا أبو هشام ، ثنا أبو بكر بن عياش ، ثنا أبو حصين ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه ، قال : حججت مع أبي بكر فجرد ، ومع عمر فجرد ، ومع عثمان فجرد . تابعه الثوري ، عن أبي حصين . وهذا إنما ذكرناه هاهنا لأن الظاهر أن هؤلاء الأئمة ، رضي الله عنهم ، إنما يفعلون هذا عن توقيف ، والمراد بالتجريد هاهنا الإفراد . والله أعلم .

وقال الدارقطني : ثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل ومحمد بن مخلد ، قالا : ثنا علي بن محمد بن معاوية البزاز ، ثنا عبد الله بن نافع ، عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل عتاب بن أسيد على الحج فأفرد ، ثم استعمل أبا بكر سنة تسع فأفرد الحج ، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر فأفرد الحج ، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر ، فبعث عمر فأفرد الحج ، ثم حج أبو بكر فأفرد الحج ، وتوفي أبو بكر واستخلف عمر ، فبعث عبد الرحمن بن عوف فأفرد الحج ، ثم حج عمر سنيه كلها فأفرد الحج ، ثم توفي عمر واستخلف عثمان فأفرد الحج ، ثم حصر عثمان ، فأقام عبد الله بن عباس للناس فأفرد الحج . في إسناده عبد الله بن عمر العمري ، وهو ضعيف ، لكن قال الحافظ البيهقي : له شاهد بإسناد صحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية