صفحة جزء
ذكر حجة من ذهب إلى أنه عليه الصلاة والسلام ، كان قارنا وسرد الأحاديث في ذلك

رواية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : قد تقدم ما رواه البخاري من حديث أبي عمرو الأوزاعي ، سمعت يحيى بن أبي كثير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 458 ] بوادي العقيق يقول : " أتاني آت من ربي ، عز وجل ، فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرة في حجة " .

وقال الحافظ البيهقي : أنبأنا علي بن أحمد بن عمر بن حفص المقرئ ببغداد ، أنبأنا أحمد بن سلمان قال : قرئ على عبد الملك بن محمد وأنا أسمع : حدثنا أبو زيد الهروي ، ثنا علي بن المبارك ، ثنا يحيى بن أبي كثير ، ثنا عكرمة ، حدثني ابن عباس ، حدثني عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل ، عليه السلام ، وأنا بالعقيق فقال : صل في هذا الوادي المبارك ركعتين ، وقل : عمرة في حجة . فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " . ثم قال البيهقي : رواه البخاري عن أبي زيد الهروي .

وقال الإمام أحمد : ثنا هشيم ، ثنا سيار ، عن أبي وائل أن رجلا كان نصرانيا ، يقال له : الصبي بن معبد فأراد الجهاد ، فقيل له : ابدأ بالحج . فأتى الأشعري فأمره أن يهل بالحج والعمرة جميعا ، ففعل ، فبينما هو يلبي إذ مر بزيد بن صوحان ، وسلمان بن ربيعة ، فقال أحدهما لصاحبه : لهذا أضل من بعير أهله . فسمعها الصبي فكبر ذلك عليه ، فلما قدم أتى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فقال له عمر : هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم . قال : وسمعته مرة أخرى [ ص: 459 ] يقول : وفقت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم .

وقد رواه الإمام أحمد ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن الأعمش عن شقيق ، عن أبي وائل ، عن الصبي بن معبد عن عمر بن الخطاب فذكره وقال : إنهما لم يقولا شيئا ، هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم . ورواه عن عبد الرزاق ، عن سفيان الثوري عن منصور ، عن أبي وائل به .

ورواه أيضا عن غندر ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن أبي وائل ، وعن سفيان بن عيينة ، عن عبدة بن أبي لبابة ، عن أبي وائل قال : قال الصبي بن معبد : كنت رجلا نصرانيا فأسلمت ، فأهللت بحج وعمرة ، فسمعني زيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة وأنا أهل بهما ، فقالا : لهذا أضل من بعير أهله . فكأنما حمل علي بكلمتهما جبل ، فقدمت على عمر فأخبرته ، فأقبل عليهما فلامهما ، وأقبل علي فقال : هديت لسنة النبي صلى الله عليه وسلم . قال عبدة : قال أبو وائل : كثيرا ما ذهبت أنا ومسروق إلى الصبي بن معبد نسأله عنه . وهذه أسانيد جيدة على شرط الصحيح . وقد رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه من طرق ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة به .

وقال النسائي في كتاب الحج من " سننه " : حدثنا محمد بن علي بن [ ص: 460 ] الحسن بن شقيق ، ثنا أبي ، عن أبي حمزة السكري ، عن مطرف ، عن سلمة بن كهيل ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، عن عمر أنه قال : والله إني لأنهاكم عن المتعة ، وإنها لفي كتاب الله ، وقد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم . إسناد جيد .

رواية أميري المؤمنين عثمان وعلي ، رضي الله عنهما : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن المسيب قال : اجتمع علي وعثمان بعسفان ، وكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة فقال علي : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه! فقال عثمان : دعنا منك . هكذا رواه الإمام أحمد مختصرا .

وقد أخرجاه في " الصحيحين " من حديث شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن المسيب قال : اختلف علي وعثمان وهما بعسفان في المتعة ، فقال علي : ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما رأى ذلك علي بن أبي طالب أهل بهما جميعا . وهكذا لفظ البخاري .

وقال البخاري : ثنا محمد بن بشار ، ثنا غندر ، عن شعبة ، عن الحكم ، [ ص: 461 ] عن علي بن الحسين عن مروان بن الحكم قال : شهدت عثمان وعليا وعثمان ينهى عن المتعة ، وأن يجمع بينهما ، فلما رأى علي أهل بهما : لبيك بعمرة وحج ، قال : ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد . ورواه النسائي من حديث شعبة به ، ومن حديث الأعمش عن مسلم البطين ، عن علي بن الحسين به .

وقال الإمام أحمد : ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن قتادة قال : قال عبد الله بن شقيق : كان عثمان ينهى عن المتعة وعلي يأمر بها ، فقال عثمان لعلي : إنك لكذا وكذا . ثم قال علي : لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : أجل ، ولكنا كنا خائفين . ورواه مسلم من حديث شعبة . فهذا اعتراف من عثمان ، رضي الله عنه ، بما رواه علي رضي الله عنه ، ومعلوم أن عليا ، رضي الله عنه ، أحرم عام حجة الوداع بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان قد ساق الهدي ، وأمره عليه الصلاة والسلام أن يمكث حراما ، وأشركه النبي صلى الله عليه وسلم في هديه ، كما سيأتي بيانه .

وروى مالك في " الموطأ " عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، أن المقداد بن الأسود دخل على علي بن أبي طالب بالسقيا ، وهو ينجع بكرات له دقيقا [ ص: 462 ] وخبطا فقال : هذا عثمان بن عفان ينهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة . فخرج علي وعلى يده أثر الدقيق والخبط - ما أنسى أثر الدقيق والخبط على ذراعيه - حتى دخل على عثمان فقال : أنت تنهى أن يقرن بين الحج والعمرة ؟! فقال عثمان : ذلك رأيي . فخرج علي مغضبا وهو يقول : لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معا .

وقد قال أبو داود في " سننه " : ثنا يحيى بن معين ثنا حجاج ، ثنا يونس ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب قال : كنت مع علي حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن ، فذكر الحديث في قدوم علي ، قال علي : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف صنعت ؟ " قال : قلت : إنما أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم . قال : " إني قد سقت الهدي وقرنت " . وقد رواه النسائي من حديث يحيى بن معين ، بإسناده ، وهو على شرط الشيخين ، وعلله الحافظ البيهقي بأنه لم يذكر هذا اللفظ في سياق حديث جابر الطويل ، وهذا التعليل فيه نظر ; لأنه قد روي القران من حديث جابر بن عبد الله ، كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى .

وروى ابن حبان في " صحيحه " ، عن علي بن أبي طالب قال : خرج [ ص: 463 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ، وخرجت أنا من اليمن ، وقلت : لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فإني أهللت بالحج والعمرة جميعا " .

رواية أنس بن مالك رضي الله عنه : وقد رواه عنه جماعة من التابعين ، ونحن نوردهم مرتبين على حروف المعجم :

بكر بن عبد الله المزني عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، ثنا حميد الطويل ، أنبأنا بكر بن عبد الله المزني قال : سمعت أنس بن مالك يحدث قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعا ، فحدثت بذلك ابن عمر فقال : لبى بالحج وحده . فلقيت أنسا فحدثته بقول ابن عمر ، فقال : ما تعدونا إلا صبيانا ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لبيك عمرة وحجا " . ورواه البخاري ، عن مسدد ، عن بشر بن المفضل ، عن حميد به . وأخرجه مسلم ، عن سريج بن يونس ، عن هشيم به . وعن أمية بن بسطام ، عن يزيد بن زريع ، عن حبيب بن الشهيد ، عن بكر بن عبد الله المزني به .

ثابت البناني عن أنس : قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن ابن أبي ليلى ، عن ثابت ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لبيك بعمرة وحجة معا " .

تفرد به من هذا الوجه الحسن البصري عنه : قال الإمام أحمد : ثنا [ ص: 464 ] روح ، ثنا أشعث ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدموا مكة وقد لبوا بحج وعمرة ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما طافوا بالبيت وبالصفا والمروة ، أن يحلوا وأن يجعلوها عمرة فكأن القوم هابوا ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا أني سقت هديا لأحللت " . فأحل القوم وتمتعوا .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : ثنا الحسن بن قزعة ، ثنا سفيان بن حبيب ، ثنا أشعث ، عن الحسن ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل هو وأصحابه بالحج والعمرة فلما قدموا مكة طافوا بالبيت وبالصفا والمروة ، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلوا ، فهابوا ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحلوا ، فلولا أن معي الهدي لأحللت " فحلوا حتى حلوا إلى النساء . ثم قال البزار : لا نعلم رواه عن الحسن إلا أشعث بن عبد الملك .

حميد بن تيرويه الطويل عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن حميد ، سمعت أنسا ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لبيك بعمرة وحج " . هذا إسناد ثلاثي على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ولا أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه .

لكن رواه مسلم ، عن يحيى بن يحيى ، عن هشيم ، عن يحيى بن أبي [ ص: 465 ] إسحاق ، وعبد العزيز بن صهيب وحميد أنهم سمعوا أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بهما جميعا : " لبيك عمرة وحجا ، لبيك عمرة وحجا " .

وقال الإمام أحمد : ثنا يعمر بن بشر ، ثنا عبد الله ، أنبأنا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك قال : ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنا كثيرة وقال : " لبيك بعمرة وحج " . وإني لعند فخذ ناقته اليسرى . تفرد به أحمد من هذا الوجه أيضا .

حميد بن هلال العدوي البصري عنه : قال الحافظ أبو بكر البزار في " مسنده " : حدثنا محمد بن المثنى ، ثنا عبد الوهاب ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك وحدثناه سلمة بن شبيب ، ثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة وحميد بن هلال ، عن أنس قال : إني ردف أبي طلحة ، وإن ركبته لتمس ركبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلبي بالحج والعمرة . وهذا إسناد جيد قوي على شرط الصحيح ولم يخرجوه ، وقد تأوله البزار على أن الذي كان يلبي بالحج والعمرة أبو طلحة ، قال : ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا التأويل فيه نظر ولا حاجة إليه ; لمجيء ذلك من طرق عن أنس ، كما مضى وكما سيأتي ، ثم عود الضمير إلى أقرب المذكورين أولى ، وهو في هذه الصورة أقوى دلالة . والله أعلم . وسيأتي في رواية سالم بن أبي الجعد عن أنس صريح الرد على هذا التأويل .

[ ص: 466 ] زيد بن أسلم عنه : قال الحافظ أبو بكر البزار : روى سعيد بن عبد العزيز التنوخي ، عن زيد بن أسلم ، عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بحج وعمرة . حدثناه الحسن بن عبد العزيز الجروي ، ومحمد بن مسكين قالا : حدثنا بشر بن بكر ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن زيد بن أسلم ، عن أنس . قلت : وهذا إسناد صحيح ، على شرط الصحيح ولم يخرجوه من هذا الوجه .

وقد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي بأبسط من هذا السياق ، فقال : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ، قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنبأنا العباس بن الوليد بن مزيد ، أخبرني أبي ، ثنا سعيد بن عبد العزيز عن زيد بن أسلم ، وغيره أن رجلا أتى ابن عمر فقال : بم أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال ابن عمر : أهل بالحج . فانصرف ثم أتاه من العام المقبل فقال : بم أهل رسول الله ؟ قال ألم تأتني عام أول ؟ قال : بلى ، ولكن أنس بن مالك يزعم أنه قرن . قال ابن عمر : إن أنس بن مالك كان يدخل على النساء وهن مكشفات الرءوس ، وإني كنت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسني لعابها ، أسمعه يلبي بالحج .

سالم بن أبي الجعد الغطفاني الكوفي عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم ثنا شريك ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن أنس بن [ ص: 467 ] مالك يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الحج والعمرة فقال : " لبيك بعمرة وحجة معا " حسن ولم يخرجوه .

وقال الإمام أحمد : ثنا عفان ، ثنا أبو عوانة ، ثنا عثمان بن المغيرة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن سعد مولى الحسن بن علي قال : خرجنا مع علي فأتينا ذا الحليفة فقال علي : إني أريد أن أجمع بين الحج والعمرة فمن أراد ذلك فليقل كما أقول . ثم لبى قال : لبيك بحجة وعمرة معا . قال : وقال سالم : وقد أخبرني أنس بن مالك قال : والله إن رجلي لتمس رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه ليهل بهما جميعا . وهذا أيضا إسناد جيد من هذا الوجه ، ولم يخرجوه . وهذا السياق يرد على الحافظ البزار ما تأول به حديث حميد بن هلال عن أنس ، كما تقدم . والله أعلم .

سليمان بن طرخان التيمي عنه : قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي ، ثنا المعتمر بن سليمان ، سمعت أبي يحدث عن أنس بن مالك قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعا . ثم قال البزار : لم يروه عن التيمي إلا ابنه المعتمر ، ولم يسمعه إلا من يحيى بن حبيب العربي عنه .

قلت : وهو على شرط الصحيح ولم يخرجوه .

سويد بن حجير عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن أبي قزعة سويد بن حجير ، عن أنس بن مالك قال : كنت رديف أبي طلحة فكانت ركبة أبي طلحة تكاد أن تصيب ركبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 468 ] فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل بهما . وهذا إسناد جيد تفرد به أحمد ولم يخرجوه ، وفيه رد على الحافظ البزار صريح .

عبد الله بن زيد أبو قلابة الجرمي عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس قال : كنت رديف أبي طلحة وهو يساير النبي صلى الله عليه وسلم . قال : فإن رجلي لتمس غرز النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يلبي بالحج والعمرة معا .

وقد رواه البخاري من طرق ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، ثم بات بها حتى أصبح ، ثم ركب راحلته ، حتى استوت به على البيداء حمد الله وسبح وكبر ، وأهل بحج وعمرة ، وأهل الناس بهما جميعا . وفي رواية له : كنت رديف أبي طلحة وإنهم ليصرخون بهما جميعا ; الحج والعمرة . وفي رواية له ، عن أيوب ، عن رجل ، عن أنس قال : ثم بات حتى أصبح ، فصلى الصبح ، ثم ركب راحلته ، حتى إذا استوت به البيداء أهل بعمرة وحج .

عبد العزيز بن صهيب : تقدمت روايته عنه مع رواية حميد الطويل عنه عند مسلم .

علي بن زيد بن جدعان عنه : قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد ، ثنا علي بن حكيم ، عن شريك ، عن علي بن زيد ، عن أنس أن رسول الله [ ص: 469 ] صلى الله عليه وسلم لبى بهما جميعا . هذا غريب من هذا الوجه لم يخرجه أحد من أصحاب السنن ، وهو على شرطهم .

قتادة بن دعامة السدوسي عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا بهز وعبد الصمد ، المعنى قالا : ثنا همام بن يحيى ، ثنا قتادة قال : سألت أنس بن مالك قلت : كم حج النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : حجة واحدة ، واعتمر أربع مرات ; عمرته زمن الحديبية ، وعمرته في ذي القعدة من المدينة ، وعمرته من الجعرانة ، في ذي القعدة حيث قسم غنيمة حنين ، وعمرته مع حجته . وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث همام بن يحيى به .

مصعب بن سليم الزبيري مولاهم عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، ثنا مصعب بن سليم ، سمعت أنس بن مالك يقول : أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة وعمرة تفرد به أحمد .

يحيى بن إسحاق الحضرمي عنه : قال الإمام أحمد : ثنا هشيم ، أنبأنا يحيى بن أبي إسحاق وعبد العزيز بن صهيب وحميد الطويل ، عن أنس أنهم سمعوه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعا ، يقول : " لبيك عمرة وحجا ، لبيك عمرة وحجا " وقد تقدم أن مسلما رواه عن يحيى بن يحيى ، عن هشيم به .

[ ص: 470 ] وقال الإمام أحمد أيضا : ثنا عبد الأعلى ، عن يحيى ، عن أنس قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة . قال : فسمعته يقول : " لبيك عمرة وحجا " .

أبو أسماء الصيقل عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، ثنا زهير ، وحدثنا أحمد بن عبد الملك ، ثنا زهير عن أبي إسحاق ، عن أبي أسماء الصيقل ، عن أنس بن مالك قال : خرجنا نصرخ بالحج ، فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها عمرة ، وقال : " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة ، ولكني سقت الهدي وقرنت الحج بالعمرة " .

ورواه النسائي ، عن هناد ، عن أبي الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن أبي أسماء الصيقل ، عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم يلبي بهما .

أبو قدامة الحنفي - ويقال : إن اسمه محمد بن عبيد - عن أنس : قال الإمام أحمد : ثنا روح بن عبادة ، حدثنا شعبة ، عن يونس بن عبيد عن أبي قدامة الحنفي ، قال : قلت لأنس : بأي شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي ؟ فقال : سمعته سبع مرات : بعمرة وحجة ، بعمرة وحجة . تفرد به الإمام أحمد [ ص: 471 ] وهو إسناد جيد قوي ، ولله الحمد والمنة ، وبه التوفيق والعصمة .

وروى ابن حبان في " صحيحه " عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة ، وقرن القوم معه

وقد أورد الحافظ البيهقي بعض هذه الطرق ، عن أنس بن مالك ، ثم شرع يعلل ذلك بكلام فيه نظر ، وحاصله أنه قال : والاشتباه وقع لأنس لا لمن دونه ، ويحتمل أن يكون سمعه صلى الله عليه وسلم يعلم غيره كيف يهل بالقران ، لا أنه يهل بهما عن نفسه . والله أعلم . قال : وقد روي ذلك عن غير أنس بن مالك وفي ثبوته نظر .

قلت : ولا يخفى ما في هذا الكلام من النظر الظاهر لمن تأمله ، وربما كان ترك هذا الكلام أولى منه ، إذ فيه تطرق احتمال إلى حفظ الصحابي مع تواتره عنه كما رأيت آنفا ، وفتح هذا يفضي إلى محذور كبير . والله تعالى أعلم .

حديث البراء بن عازب في القران : قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا علي بن محمد المصري ، حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى ، ثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر ، كلهن في ذي القعدة . فقالت عائشة : لقد علم أنه اعتمر أربع عمر بعمرته التي حج معها . قال البيهقي : [ ص: 472 ] ليس هذا بمحفوظ . قلت : سيأتي بإسناد صحيح إلى عائشة نحوه .

رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني : حدثنا أبو بكر بن أبي داود ، ومحمد بن جعفر بن رميس ، والقاسم بن إسماعيل أبو عبيد ، وعثمان بن جعفر اللبان وغيرهم ، قالوا : حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي ، ثنا زيد بن الحباب ، ثنا سفيان الثوري عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال : حج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج ; حجتين قبل أن يهاجر ، وحجة قرن معها عمرة . وقد روى هذا الحديث الترمذي وابن ماجه ، من حديث سفيان بن سعيد الثوري به . أما الترمذي فرواه عن عبد الله بن أبي زياد ، عن زيد بن الحباب ، عن سفيان به ، ثم قال : غريب من حديث سفيان ، لا نعرفه إلا من حديث زيد بن الحباب ، ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن - يعني الدارمي - روى هذا الحديث في كتبه عن عبد الله بن أبي زياد ، وسألت محمدا عن هذا ، فلم يعرفه ، ورأيته لا يعده محفوظا . قال : وإنما روي عن الثوري عن أبي إسحاق عن مجاهد مرسلا .

وفي " السنن الكبير " للبيهقي قال أبو عيسى الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل البخاري ، عن هذا الحديث ، فقال : هذا حديث خطأ ، وإنما روي هذا عن الثوري مرسلا . قال البخاري : وكان زيد بن الحباب إذا روى حفظا ربما [ ص: 473 ] غلط في الشيء . وأما ابن ماجه فرواه عن القاسم بن محمد بن عباد المهلبي ، عن عبد الله بن داود الخريبي ، عن سفيان به . وهذه طريق لم يقف عليها الترمذي ولا البيهقي ، وربما ولا البخاري حيث تكلم في زيد بن الحباب ظانا أنه انفرد به وليس كذلك . والله أعلم .

طريق أخرى عن جابر : قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا أبو معاوية ، عن حجاج ، عن أبي الزبير ، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن الحج والعمرة ، وطاف لهما طوافا واحدا . ثم قال : هذا حديث حسن . وفي نسخة : صحيح . ورواه ابن حبان في " صحيحه " عن جابر قال : لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم إلا طوافا واحدا لحجه ولعمرته .

قلت : حجاج هذا هو ابن أرطاة ، وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة ، ولكن قد روي من وجه آخر عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله أيضا ، كما قال الحافظ أبو بكر البزار في " مسنده " : حدثنا مقدم بن محمد ، حدثني عمي القاسم بن يحيى بن مقدم ، عن عبد الرحمن بن عثمان بن خيثم ، عن أبي الزبير ، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم فقرن بين الحج والعمرة ، وساق الهدي . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يقلد الهدي فليجعلها عمرة " . ثم قال البزار : وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن جابر إلا من هذا الوجه [ ص: 474 ] بهذا الإسناد . انفرد بهذه الطريق البزار في " مسنده " ، وإسنادها غريب جدا ، وليست في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه . والله أعلم .

رواية أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، ثنا حجاج - هو ابن أرطاة - عن الحسن بن سعد ، عن ابن عباس قال : أخبرني أبو طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة . ورواه ابن ماجه ، عن علي بن محمد ، عن أبي معاوية بإسناده ، ولفظه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة . الحجاج بن أرطاة فيه ضعف والله أعلم .

رواية سراقة بن مالك بن جعشم : قال الإمام أحمد : حدثنا مكي بن إبراهيم ، ثنا داود - يعني ابن يزيد - سمعت عبد الملك الزراد ، يقول : سمعت النزال بن سبرة صاحب علي يقول : سمعت سراقة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " . قال : وقرن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع .

رواية سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تمتع بالحج إلى العمرة ، وهو [ ص: 475 ] القران : قال الإمام مالك : عن ابن شهاب ، عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أنه حدثه ، أنه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان يذكر التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال الضحاك : لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله . فقال سعد : بئس ما قلت يا ابن أخي . فقال الضحاك : فإن عمر بن الخطاب كان ينهى عنها . فقال سعد : قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه ، ورواه الترمذي والنسائي جميعا ، عن قتيبة ، عن مالك به . وقال الترمذي : هذا حديث صحيح .

وقال الإمام أحمد : ثنا يحيى بن سعيد ، ثنا سليمان - يعني التيمي - حدثني غنيم قال : سألت ابن أبي وقاص عن المتعة فقال : فعلناها وهذا كافر بالعرش . يعني معاوية . هكذا رواه مختصرا . وقد رواه مسلم في " صحيحه " من حديث سفيان بن سعيد الثوري ، وشعبة ومروان الفزاري ويحيى بن سعيد القطان ، أربعتهم عن سليمان بن طرخان التيمي ، سمعت غنيم بن قيس سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة فقال : قد فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرش . قال يحيى بن سعيد في روايته : يعني معاوية . ورواه عبد الرزاق ، عن معتمر بن سليمان وعبد الله بن المبارك ، كلاهما عن سليمان التيمي ، عن غنيم بن قيس سألت سعدا عن التمتع بالعمرة إلى الحج فقال : فعلتها مع رسول الله [ ص: 476 ] صلى الله عليه وسلم وهذا يومئذ كافر بالعرش يعني مكة ، ويعني به معاوية ، وهذا الحديث الثاني أصح إسنادا ، وإنما ذكرناه اعتضادا لا اعتمادا ، والأول صحيح الإسناد ، وهو أصرح في المقصود من هذا . والله أعلم .

رواية عبد الله بن أبي أوفى قال الطبراني حدثنا سعيد بن محمد بن المغيرة المصري ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا يزيد بن عطاء ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال : إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة ; لأنه علم أنه لم يكن حاجا بعد ذلك العام .

رواية عبد الله بن عباس في ذلك : قال الإمام أحمد : ثنا أبو النضر ، ثنا داود - يعني العطار - عن عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر ; عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء ، والثالثة من الجعرانة ، والرابعة التي مع حجته . وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من طرق ، عن داود بن عبد الرحمن العطار المكي عن عمرو بن دينار عن عكرمة ، عن ابن عباس به . وقال الترمذي : حسن غريب . ورواه الترمذي ، عن سعيد بن عبد الرحمن ، عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة مرسلا . ورواه [ ص: 477 ] الحافظ البيهقي من طريق أبي الحسن علي بن عبد العزيز البغوي ، عن الحسن بن الربيع وشهاب بن عباد ، كلاهما عن داود بن عبد الرحمن العطار فذكره . وقال : الرابعة التي قرنها مع حجته .

ثم قال أبو الحسن علي بن عبد العزيز : ليس أحد يقول في هذا الحديث عن ابن عباس إلا داود بن عبد الرحمن . ثم حكى البيهقي عن البخاري أنه قال : داود بن عبد الرحمن صدوق ، إلا أنه ربما يهم في الشيء .

وقد تقدم ما رواه البخاري ، من طريق ابن عباس ، عن عمر أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بوادي العقيق : " أتاني آت من ربي فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرة في حجة " . فلعل هذا مستند ابن عباس فيما حكاه . والله أعلم .

رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : قد تقدم فيما رواه البخاري ومسلم ، من طريق الليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، أنه قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، وأهدى فساق الهدي من ذي الحليفة . وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج . وذكر تمام الحديث في عدم إحلاله بعد السعي ، فعلم كما قررناه أولا أنه ، عليه الصلاة والسلام ، لم يكن متمتعا التمتع الخاص ، وإنما كان قارنا ; لأنه اكتفى بطواف واحد بين [ ص: 478 ] الصفا والمروة عن حجه وعمرته ، وهذا شأن القارن على مذهب الجمهور كما سيأتي بيانه . والله أعلم .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : ثنا أبو خيثمة ، ثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف طوافا واحدا لإقرانه ، لم يحل بينهما واشترى من الطريق . يعني الهدي . وهذا إسناد جيد ، رجاله كلهم ثقات ، إلا أن يحيى بن يمان - وإن كان من رجال مسلم - في أحاديثه عن الثوري نكارة شديدة . والله أعلم . ومما يرجح أن ابن عمر أراد بالإفراد الذى رواه إفراد أفعال الحج ، لا الإفراد الخاص الذي يصير إليه أصحاب الشافعي - وهو الحج ثم الاعتمار بعده في بقية ذي الحجة - قول الشافعي : أنبأنا مالك ، عن صدقة بن يسار ، عن ابن عمر ، أنه قال : لأن أعتمر قبل الحج وأهدي أحب إلي من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة .

رواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو أحمد - يعني الزبيري - حدثنا يونس بن الحارث ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قرن خشية أن يصد عن البيت ، وقال : " إن لم تكن حجة فعمرة " . وهذا حديث غريب سندا ومتنا . تفرد بروايته الإمام [ ص: 479 ] أحمد . وقد قال أحمد في يونس بن الحارث الثقفي هذا : كان مضطرب الحديث . وضعفه ، وكذا ضعفه يحيى بن معين في رواية عنه ، والنسائي . وأما من حيث المتن فقوله : إنما قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يصد عن البيت . فمن الذي كان يصده عليه الصلاة والسلام عن البيت ؟ وقد أطد الله له الإسلام ، وفتح البلد الحرام ، وقد نودي برحاب منى أيام الموسم في العام الماضي أن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان ، وقد كان معه عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع قريب من أربعين ألفا . وما هذا بأعجب من قول أمير المؤمنين عثمان لعلي بن أبي طالب حين قال له علي : لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : أجل ولكنا كنا خائفين . ولست أدري علام يحمل هذا الخوف ؟ ولا من أي جهة كان ؟ إلا أنه تضمن رواية الصحابي لما رواه ، وحمله على معنى ظنه ، فما رواه صحيح مقبول ، وما اعتقده فليس بمعصوم فيه ، فهو موقوف عليه ، وليس بحجة على غيره ، ولا يلزم منه رد الحديث الذي رواه . وهكذا قول عبد الله بن عمرو لو صح السند إليه . والله أعلم .

رواية عمران بن حصين ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : ثنا محمد بن جعفر وحجاج ، قالا : ثنا شعبة ، عن حميد بن هلال ، سمعت مطرفا قال : [ ص: 480 ] قال لي عمران بن حصين إني محدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به ; إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حجة وعمرة ، ثم لم ينه عنه حتى مات ، ولم ينزل قرآن فيه يحرمه ، وإنه كان يسلم علي ، فلما اكتويت أمسك عني ، فلما تركته عاد إلي . وقد رواه مسلم ، عن محمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار ، عن غندر وعن عبيد الله بن معاذ ، عن أبيه ، والنسائي ، عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد بن الحارث ، ثلاثتهم عن شعبة عن حميد بن هلال ، عن مطرف ، عن عمران به . ورواه مسلم ، من حديث شعبة وسعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، عن عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حج وعمرة الحديث .

قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني : حديث شعبة عن حميد بن هلال عن مطرف صحيح ، وأما حديثه عن قتادة ، عن مطرف ، فإنما رواه عن شعبة كذلك بقية بن الوليد ، وقد رواه غندر وغيره ، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة .

قلت : وقد رواه أيضا النسائي في " سننه " عن عمرو بن علي الفلاس ، عن خالد بن الحارث ، عن شعبة ، وفي نسخة : عن سعيد . بدل شعبة ، عن قتادة ، عن مطرف ، عن عمران بن الحصين ، فذكره . والله أعلم .

[ ص: 481 ] وثبت في " الصحيحين " من حديث همام ، عن قتادة ، عن مطرف ، عن عمران بن الحصين قال : تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم لم ينزل قرآن يحرمه ، ولم ينه عنها حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم .

رواية الهرماس بن زياد الباهلي : قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن عمران بن أبي علي أبو محمد ، من أهل الري وكان أصله أصبهانيا ، حدثنا يحيى بن الضريس ، حدثنا عكرمة بن عمار ، عن الهرماس قال : كنت ردف أبي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على بعير وهو يقول : " لبيك بحجة وعمرة معا " . وهذا على شرط السنن ولم يخرجوه .

رواية حفصة بنت عمر أم المؤمنين ، رضي الله عنها : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن حفصة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ما لك لم تحل من عمرتك ؟ قال : " إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي ، فلا أحل حتى أنحر " . وقد أخرجاه في " الصحيحين " من حديث مالك وعبيد الله بن عمر . زاد البخاري : وموسى بن عقبة . زاد [ ص: 482 ] مسلم : وابن جريج ، كلهم عن نافع ، عن ابن عمر به . وفي لفظهما أنها قالت : يا رسول الله ، ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك ؟ فقال : " إني قلدت هديي ، ولبدت رأسي ، فلا أحل حتى أنحر " .

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب بن أبي حمزة قال : قال نافع : كان عبد الله بن عمر يقول : أخبرتنا حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع . فقالت له فلانة : ما يمنعك أن تحل ؟ قال : " إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلست أحل حتى أنحر هديي " .

وقال أحمد أيضا : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق حدثني نافع ، عن عبد الله بن عمر عن حفصة بنت عمر ، أنها قالت : لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أن يحللن بعمرة ، قلنا : فما يمنعك يا رسول الله أن تحل معنا ؟ قال : " إني أهديت ولبدت فلا أحل حتى أنحر هديي " ثم رواه أحمد ، عن كثير بن هشام ، عن جعفر بن برقان ، عن نافع عن ابن عمر ، عن حفصة ، فذكره . فهذا الحديث فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متلبسا بعمرة ، ولم يحل منها ، وقد علم بما تقدم من أحاديث الإفراد أنه كان قد أهل بحج أيضا ، فدل مجموع ذلك أنه قارن ، مع ما سلف من رواية من صرح [ ص: 483 ] بذلك . والله أعلم .

رواية عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : قال البخاري : حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منها جميعا " . فقدمت مكة وأنا حائض فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ، ودعي العمرة " . ففعلت ، فلما قضيت الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت ، فقال : " هذه مكان عمرتك " . قالت : فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى ، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا . وكذلك رواه مسلم من حديث مالك ، عن الزهري ، فذكره .

ثم رواه عن عبد بن حميد ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللت بعمرة ، ولم أكن سقت الهدي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان معه هدي فليهل بالحج مع عمرته ، لا يحل حتى يحل منهما جميعا " . وذكر تمام [ ص: 484 ] الحديث كما تقدم .

والمقصود من إيراد هذا الحديث هاهنا قوله صلى الله عليه وسلم : " من كان معه هدي فليهل بحج وعمرة " . ومعلوم أنه عليه الصلاة والسلام قد كان معه هدي ، فهو أول وأولى من ائتمر بهذا ; لأن المخاطب داخل في عموم متعلق خطابه على الصحيح ، وأيضا فإنها قالت : وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا . يعني بين الصفا والمروة .

وقد روى مسلم عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما طاف بين الصفا والمروة طوافا واحدا . فعلم من هذا أنه كان قد جمع بين الحج والعمرة .

وقد روى مسلم من حديث حماد بن زيد ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : فكان الهدي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وذوي اليسار . وأيضا فإنها ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتحلل من النسكين ، فلم يكن متمتعا ، وذكرت أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعمرها من التنعيم ، وقالت : يا رسول الله ، يرجع الناس بحج وعمرة وأنطلق بحج ؟ فبعثها مع أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر ، فأعمرها من التنعيم ، ولم يذكر أنه ، عليه الصلاة والسلام ، اعتمر بعد حجته فلم يكن مفردا ، فعلم أنه كان قارنا ; لأنه كان [ ص: 485 ] باتفاق الناس قد اعتمر في حجة الوداع . والله أعلم .

وقد تقدم ما رواه الحافظ البيهقي من طريق يزيد بن هارون ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب أنه قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر ، كلهن في ذي القعدة . فقالت عائشة : لقد علم أنه اعتمر أربع عمر بعمرته التي حج معها .

وقال البيهقي في " الخلافيات " : أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه ، أنبأنا أبو محمد بن حبان الأصبهاني ، أنبأنا إبراهيم بن شريك ، أنبأنا أحمد بن يونس ، ثنا زهير ، ثنا أبو إسحاق ، عن مجاهد قال : سئل ابن عمر : كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : مرتين . فقالت عائشة : لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثا ، سوى العمرة التي قرنها مع حجة الوداع . ثم قال البيهقي : وهذا إسناد لا بأس به لكن فيه إرسال ; مجاهد لم يسمع من عائشة في قول بعض المحدثين . قلت : كان شعبة ينكره ، وأما البخاري ومسلم فإنهما أثبتاه . والله أعلم .

وقد روى من حديث القاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر وعروة بن الزبير وغير واحد ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه الهدي عام حجة الوداع ، [ ص: 486 ] وفي إعمارها من التنعيم ومصادفتها له منهبطا على أهل مكة وبيتوتته بالمحصب حتى صلى الصبح بمكة ، ثم رجع إلى المدينة . وهذا كله مما يدل على أنه ، عليه الصلاة والسلام ، لم يعتمر بعد حجته تلك ، ولم أعلم أحدا من الصحابة نقله . ومعلوم أنه لم يتحلل بين النسكين ، ولا روى أحد أنه ، عليه الصلاة والسلام ، بعد طوافه بالبيت وسعيه بين الصفا والمروة حلق ولا قصر ولا تحلل ، بل استمر على إحرامه باتفاق ، ولم ينقل أنه أهل بحج لما سار إلى منى ، فعلم أنه لم يكن متمتعا . وقد اتفقوا على أنه ، عليه الصلاة والسلام ، اعتمر عام حجة الوداع ، فلم يتحلل بين النسكين ، ولا أنشأ إحراما للحج ، ولا اعتمر بعد الحج ، فلزم القران وهذا مما يعسر الجواب عنه . والله أعلم . وأيضا فإن رواية القران مثبتة لما سكت عنه أو نفاه من روى الإفراد والتمتع ، فهي مقدمة عليها ، كما هو مقرر في علم الأصول .

وعن أبي عمران أنه حج مع مواليه ، قال : فأتيت أم سلمة فقلت : يا أم المؤمنين ، إني لم أحج قط ، فبأيهما أبدأ ; بالعمرة أم بالحج ؟ قالت : ابدأ بأيهما شئت . قال : ثم أتيت صفية أم المؤمنين فسألتها ، فقالت لي مثل ما قالت . قال : ثم جئت أم سلمة فأخبرتها بقول صفية ، فقالت لي أم سلمة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يا آل محمد ، من حج منكم فليهل بعمرة في [ ص: 487 ] حجة " . رواه ابن حبان في " صحيحه " ، وقد رواه ابن حزم في " حجة الوداع " من حديث الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أسلم ، عن أبي عمران ، عن أم سلمة به .

التالي السابق


الخدمات العلمية