صفحة جزء
فصل ( الجواب عن حديث الطيالسي أن رسول الله نهى أن يجمع بين الحج والعمرة )

إن قيل : فما جوابكم عن الحديث الذي رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده " : حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن أبي شيخ الهنائي ، واسمه حيوان بن خالد ، أن معاوية قال لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صفف النمور ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : وأنا أشهد . قال : أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الذهب إلا مقطعا ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقرن بين الحج والعمرة ؟ قالوا : اللهم لا . قال : والله إنها لمعهن .

وقال الإمام أحمد : ثنا عفان ، ثنا همام ، عن قتادة ، عن أبي شيخ الهنائي [ ص: 489 ] قال : كنت في ملأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند معاوية ، فقال معاوية : أنشدكم بالله ، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود النمور أن يركب عليها ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : وتعلمون أنه نهى عن لباس الذهب إلا مقطعا ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : وتعلمون أنه نهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : وتعلمون أنه نهى عن المتعة ؟ - يعني متعة الحج - قالوا : اللهم لا . قال : أما إنها معهن .

وقال أحمد : ثنا محمد بن جعفر ، ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي شيخ الهنائي ، أنه شهد معاوية وعنده جمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم معاوية : أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب جلود النمور ؟ قالوا : نعم . قال : أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب في آنية الذهب والفضة ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : أتعملون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جمع بين حج وعمرة ؟ قالوا : اللهم لا . قال : فوالله إنها لمعهن . وكذا رواه حماد بن سلمة ، عن قتادة ، وزاد : ولكنكم نسيتم . وكذا رواه أشعث بن بزار ، وسعيد بن أبي عروبة [ ص: 490 ] وهمام ، عن قتادة ، بأصله . ورواه مطر الوراق ، وبيهس بن فهدان ، عن أبي شيخ في متعة الحج . فقد رواه أبو داود والنسائي من طرق ، عن أبي شيخ الهنائي به . وهو حديث جيد الإسناد ، ويستغرب منه رواية معاوية ، رضي الله عنه ، النهي عن الجمع بين الحج والعمرة ، ولعل أصل الحديث النهي عن المتعة ، فاعتقد الراوي أنها متعة الحج ، وإنما هي متعة النساء ، ولم يكن عند أولئك الصحابة رواية في النهي عنها ، أو لعل النهي عن الإقران في التمر ، كما في حديث ابن عمر ، فاعتقد الراوي أن المراد القران في الحج ، وليس كذلك ، أو لعل معاوية ، رضي الله عنه ، إنما قال : أتعلمون أنه نهي عن كذا ؟ فبناه لما لم يسم فاعله ، فصرح الراوي بالرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ووهم في ذلك ; فإن الذي كان ينهى عن متعة الحج إنما هو عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، ولم يكن نهيه عن ذلك على وجه التحريم ولا الحتم ، كما قدمنا ، وإنما كان ينهى عنها لتفرد عن الحج بسفر آخر ; لتكثر زيارة البيت ، وقد كان الصحابة ، رضي الله عنهم ، يهابونه كثيرا ، فلا يتجاسرون على مخالفته غالبا وكان ابنه عبد الله [ ص: 491 ] يخالفه ، فيقال له : إن أباك كان ينهى عنها . فيقول : لقد خشيت أن يقع عليكم حجارة من السماء ، قد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أفسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تتبع أم سنة عمر بن الخطاب ؟ وكذلك كان عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، ينهى عنها ، وخالفه علي بن أبي طالب - كما تقدم - وقال : لا أدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس . وقال عمران بن حصين تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم لم ينزل قرآن يحرمه ، ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات . أخرجاه في " الصحيحين " . وفي " صحيح مسلم " عن سعد أنه أنكر على معاوية إنكاره المتعة ، وقال : قد فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا يومئذ كافر بالعرش . يعني معاوية ، أنه كان حين فعلوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كافرا بمكة يومئذ .

قلت : وقد تقدم أنه ، عليه الصلاة والسلام ، حج قارنا ، بما ذكرناه من الأحاديث الواردة في ذلك ، ولم يكن بين حجة الوداع وبين وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أحد وثمانون يوما ، وقد شهد تلك الحجة ما ينيف على أربعين ألف صحابي قولا منه وفعلا ، فلو كان قد نهى عن القران في الحج الذي شهده منه الناس ; لم ينفرد به واحد من الصحابة ، ويرده عليه جماعة منهم ممن سمع منه ومن لم يسمع ، فهذا كله مما يدل على أن هذا هكذا ليس محفوظا عن معاوية ، رضي الله عنه . والله أعلم .

[ ص: 492 ] وقال أبو داود : ثنا أحمد بن صالح ، ثنا ابن وهب ، أخبرني حيوة ، أخبرني أبو عيسى الخراساني ، عن عبد الله بن القاسم الخراساني ، عن سعيد بن المسيب أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى عمر بن الخطاب ، فشهد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج . وهذا الإسناد لا يخلو عن نظر ، ثم إن كان هذا الصحابي هو معاوية فقد تقدم الكلام على ذلك ، ولكن في هذا النهي عن المتعة لا القران ، وإن كان في غيره فهو مشكل في الجملة ، لكن لا على القران . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية