صفحة جزء
[ ص: 515 ] باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، شرفها ، الله عز وجل

قال البخاري : حدثنا مسدد ، ثنا يحيى ، عن عبيد الله ، حدثني نافع ، عن ابن عمر قال : بات النبي صلى الله عليه وسلم بذي طوى ، حتى أصبح ، ثم دخل مكة ، وكان ابن عمر يفعله . ورواه مسلم من حديث يحيى بن سعيد القطان به . وزاد حتى صلى الصبح . أو قال : حتى أصبح .

وقال مسلم : ثنا أبو الربيع الزهراني ، ثنا حماد ، عن أيوب ، عن نافع ، أن ابن عمر كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ، ثم يدخل مكة نهارا ، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله . ورواه البخاري من حديث حماد بن زيد ، عن أيوب به .

ولهما من طريق أخرى ، عن أيوب ، عن نافع ، أن ابن عمر كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية ، ثم يبيت بذي طوى . وذكره . وتقدم آنفا ما [ ص: 516 ] أخرجاه من طريق موسى بن عقبة عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبيت بذي طوى حتى يصبح فيصلي الصبح حين يقدم مكة ، ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أكمة غليظة ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل فرضتي الجبل الذي بينه وبين الجبل الطويل نحو الكعبة ، فجعل المسجد الذي بني ثم يسار المسجد بطرف الأكمة ، ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفل منه على الأكمة السوداء تدع من الأكمة عشرة أذرع أو نحوها ، ثم تصلي مستقبل الفرضتين من الجبل الذي بينك وبين الكعبة . أخرجاه في " الصحيحين " .

وحاصل هذا كله أنه ، عليه الصلاة والسلام ، لما انتهى في مسيره إلى ذي طوى وهو قريب من مكة متاخم للحرم ، أمسك عن التلبية ; لأنه قد وصل إلى المقصود ، وبات بذلك المكان حتى أصبح ، فصلى هنالك الصبح ، في المكان الذي وصفوه بين فرضتي الجبل الطويل هنالك ، ومن تأمل هذه الأماكن المشار إليها بعين البصيرة ، عرفها معرفة جيدة ، وتعين له المكان الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم اغتسل صلوات الله وسلامه عليه ، لأجل دخول مكة ، ثم ركب ودخلها نهارا جهرة علانية ، من الثنية العليا التي بالبطحاء - ويقال : كداء - ليراه الناس ويشرف عليهم ، وكذلك دخل منها يوم الفتح ، كما ذكرناه .

قال مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من الثنية العليا ، وخرج من الثنية السفلى أخرجاه في " الصحيحين " من حديثه .

[ ص: 517 ] ولهما من طريق عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من الثنية العليا التي في البطحاء ، وخرج من الثنية السفلى . ولهما أيضا من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة مثل ذلك .

ولما وقع بصره ، عليه الصلاة والسلام ، على البيت قال ما رواه الشافعي في " مسنده " : أخبرنا سعيد بن سالم ، عن ابن جريج ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال : " اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة ، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا " . قال الحافظ البيهقي : هذا منقطع ، وله شاهد مرسل عن سفيان الثوري ، عن أبي سعيد الشامي ، عن مكحول قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة فرأى البيت ، رفع يديه وكبر وقال : " اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، فحينا ربنا بالسلام ، اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من حجه أو اعتمره تكريما وتشريفا وتعظيما وبرا " .

وقال الشافعي : أنبأنا سعيد بن سالم ، عن ابن جريج قال : حدثت عن مقسم ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ترفع الأيدي في الصلاة ، وإذا رأى البيت ، وعلى الصفا والمروة ، وعشية عرفة ، وبجمع ، وعند الجمرتين ، وعلى الميت " .

[ ص: 518 ] قال الحافظ البيهقي : وقد رواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، وعن نافع ، عن ابن عمر ; مرة موقوفا عليهما ، ومرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر الميت . قال : وابن أبي ليلى هذا غير قوي .

ثم إنه ، عليه الصلاة والسلام ، دخل المسجد من باب بني شيبة ، قال الحافظ البيهقي : روينا عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال : يدخل المحرم من حيث شاء . قال : ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة ، وخرج من باب بني مخزوم ، إلى الصفا ثم قال البيهقي : وهذا مرسل جيد .

وقد استدل البيهقي على استحباب دخول المسجد من باب بني شيبة ، بما رواه من طريق أبي داود الطيالسي ، ثنا حماد بن سلمة ، وقيس وسلام ، كلهم عن سماك بن حرب ، عن خالد بن عرعرة ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال لما انهدم البيت بعد جرهم بنته قريش ، فلما أرادوا وضع الحجر تشاجروا من يضعه ، فاتفقوا أن يضعه أول من يدخل من هذا الباب ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب فوضع الحجر في وسطه ، وأمر كل فخذ أن يأخذوا بطائفة من الثوب ، فرفعوه ، وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه . وقد ذكرنا هذا مبسوطا في باب بناء الكعبة قبل البعثة . وفي الاستدلال على استحباب الدخول من باب بني شيبة بهذا نظر . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية