صفحة جزء
[ ص: 559 ] فصل ( ركوب النبي صلى الله عليه وسلم قاصدا إلى منى قبل الزوال )

فأقام عليه الصلاة والسلام بالأبطح - كما قدمنا - يوم الأحد ويوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء وقد حل الناس ، إلا من ساق الهدي ، وقدم في هذه الأيام علي بن أبي طالب من اليمن بمن معه من المسلمين وما معه من الأموال ، ولم يعد ، عليه الصلاة والسلام ، إلى الكعبة بعدما طاف بها ، فلما أصبح ، عليه الصلاة والسلام ، يوم الخميس صلى بالأبطح الصبح من يومئذ ، وهو يوم التروية ، ويقال له : يوم منى ; لأنه يسار فيه إليها ، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب قبل هذا اليوم . ويقال للذي قبله فيما رأيته في بعض التعاليق يوم الزينة . لأنه تزين فيه البدن بالجلال ونحوها . فالله أعلم .

قال الحافظ البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا أحمد بن محمد بن جعفر الجلودي ، ثنا محمد بن إسماعيل بن مهران ، ثنا محمد بن يوسف ، ثنا أبو قرة ، عن موسى بن عقبة عن نافع ، عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قبل يوم التروية خطب الناس فأخبرهم بمناسكهم .

فركب ، عليه الصلاة والسلام ، قاصدا إلى منى قبل الزوال ، وقيل : بعده . وأحرم الذين كانوا قد حلوا بالحج من الأبطح حين توجهوا إلى منى ، وانبعثت رواحلهم نحوها .

[ ص: 560 ] قال عبد الملك ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله : قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحللنا ، حتى كان يوم التروية وجعلنا مكة منا بظهر ، لبينا بالحج . ذكره البخاري تعليقا مجزوما .

وقال مسلم : ثنا محمد بن حاتم ، ثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير ، عن جابر قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى . قال : وأهللنا من الأبطح .

وقال عبيد بن جريج لابن عمر : رأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ، ولم تهل أنت حتى يوم التروية . فقال : لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته . رواه البخاري في جملة حديث طويل .

قال البخاري : وسئل عطاء عن المجاور منى يلبي بالحج ؟ فقال : كان ابن عمر يلبي يوم التروية إذا صلى الظهر واستوى على راحلته .

قلت : هكذا كان ابن عمر يصنع إذا حج معتمرا ; يحل من العمرة فإذا كان يوم التروية لا يلبي حتى تنبعث به راحلته متوجها إلى منى ، كما أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة بعد ما صلى الظهر وانبعثت به راحلته ، لكن يوم التروية لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالأبطح ، وإنما صلاها يومئذ بمنى ، وهذا مما لا نزاع فيه .

[ ص: 561 ] قال البخاري : باب أين يصلي الظهر يوم التروية ، حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا إسحاق الأزرق ، ثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع قال : سألت أنس بن مالك قلت : أخبرني بشيء عقلته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ; أين صلى الظهر والعصر يوم التروية ؟ قال : بمنى . قلت : فأين صلى العصر يوم النفر ؟ قال : بالأبطح . ثم قال : افعل كما يفعل أمراؤك . وقد أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من طرق ، عن إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن سفيان الثوري به . وكذلك رواه الإمام أحمد ، عن إسحاق بن يوسف الأزرق به . وقال الترمذي : حسن صحيح ، يستغرب من حديث الأزرق ، عن الثوري .

ثم قال البخاري : حدثنا علي ، سمع أبا بكر بن عياش ، ثنا عبد العزيز بن رفيع قال : لقيت أنس بن مالك . وحدثني إسماعيل بن أبان ، ثنا أبو بكر بن عياش ، عن عبد العزيز قال : خرجت إلى منى يوم التروية ، فلقيت أنسا ذاهبا على حمار ، فقلت : أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا اليوم الظهر ؟ فقال : انظر حيث يصلي أمراؤك فصل

وقال أحمد : ثنا أسود بن عامر ، ثنا أبو كدينة ، عن الأعمش ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خمس [ ص: 562 ] صلوات بمنى .

وقال أحمد أيضا : حدثنا أسود بن عامر ، ثنا أبو محياة يحيى بن يعلى التيمي ، عن الأعمش ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم التروية بمنى ، وصلى الغداة يوم عرفة بها .

وقد رواه أبو داود ، عن زهير بن حرب ، عن أحوص بن جواب ، عن عمار بن رزيق ، عن سليمان بن مهران الأعمش به ، ولفظه : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى . وأخرجه الترمذي ، عن الأشج ، عن عبد الله بن الأجلح ، عن الأعمش بمعناه ، وقال : ليس هذا مما عده شعبة فيما سمعه الحكم عن مقسم .

وقال الترمذي : ثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا عبد الله بن الأجلح ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم غدا إلى عرفات . ثم قال : وإسماعيل بن مسلم قد تكلم فيه ، وفي الباب عن عبد الله بن الزبير وأنس بن مالك .

وقال الإمام أحمد : ثنا يزيد بن عبد ربه ، ثنا الوليد أبو مسلم ، عن [ ص: 563 ] عثمان بن أبي العاتكة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم عن أبي أمامة ، عمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه راح إلى منى يوم التروية ، وإلى جانبه بلال ، بيده عود عليه ثوب يظلل به رسول الله صلى الله عليه وسلم . يعني من الحر . تفرد به أحمد . وقد نص الشافعي على أنه ، عليه الصلاة والسلام ، ركب من الأبطح إلى منى بعد الزوال ، ولكنه إنما صلى الظهر بمنى ، فقد يستدل له بهذا الحديث . والله أعلم . وتقدم في حديث جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر قال : فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي ، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج ، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، وأمر بقبة له من شعر ، فضربت له بنمرة ، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام ، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له ، فأتى بطن الوادي ، فخطب الناس وقال : " إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع ربانا ; ربا العباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله ، واتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن [ ص: 564 ] بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي إن اعتصمتم به ; كتاب الله ، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ " قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت . فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : " اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، اللهم اشهد " . ثلاث مرات .

وقال أبو عبد الرحمن النسائي : أنبأنا علي بن حجر قال : أنبأنا جرير ، عن مغيرة ، عن موسى بن زياد بن حذيم بن عمرو السعدي ، عن أبيه ، عن جده قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع : " اعلموا أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ، كحرمة يومكم هذا ، كحرمة شهركم هذا ، كحرمة بلدكم هذا " .

وقال أبو داود : باب الخطبة على المنبر بعرفة ، حدثنا هناد ، عن ابن أبي زائدة ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن زيد بن أسلم ، عن رجل من بني ضمرة ، عن أبيه أو عمه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر بعرفة . وهذا الإسناد ضعيف ; لأن فيه رجلا مبهما ، ثم تقدم في حديث جابر الطويل أنه ، عليه الصلاة والسلام ، خطب على ناقته القصواء .

ثم قال أبو داود : ثنا مسدد ، ثنا عبد الله بن داود ، عن سلمة بن نبيط [ ص: 565 ] عن رجل من الحي ، عن أبيه نبيط ، أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفة على بعير أحمر يخطب . وهذا فيه مبهم أيضا ، ولكن حديث جابر شاهد له .

ثم قال أبو داود : حدثنا هناد بن السري وعثمان بن أبي شيبة ، قالا : ثنا وكيع ، عن عبد المجيد أبي عمرو قال : حدثني العداء بن خالد بن هوذة - وقال هناد : عن عبد المجيد ، حدثني خالد بن العداء بن هوذة - قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم عرفة على بعير قائما في الركابين . قال أبو داود : رواه ابن العلاء ، عن وكيع ، كما قال هناد ، وحدثنا عباس بن عبد العظيم ، ثنا عثمان بن عمر ، ثنا عبد المجيد أبو عمرو ، عن العداء بن خالد بمعناه .

وفي " الصحيحين " عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات : " من لم يجد نعلين فليلبس الخفين ، ومن لم يجد إزارا فليلبس السراويل " . للمحرم .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد قال : كان الرجل الذي يصرخ في الناس بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة ربيعة بن أمية بن خلف ; قال : يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قل أيها [ ص: 566 ] الناس ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هل تدرون أي شهر هذا ؟ " فيقولون : الشهر الحرام . فيقول : " قل لهم : إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم ، كحرمة شهركم هذا " . ثم يقول : " قل : أيها الناس ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هل تدرون أي بلد هذا ؟ " وذكر تمام الحديث .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني ليث بن أبي سليم ، عن شهر بن حوشب ، عن عمرو بن خارجة قال : بعثني عتاب بن أسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة في حاجة فبلغته ، ثم وقفت تحت ناقته ، وإن لعابها ليقع على رأسي ، فسمعته يقول : " أيها الناس إن الله قد أدى إلى كل ذي حق حقه ، وإنه لا تجوز وصية لوارث ، والولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، ومن ادعى إلى غير أبيه ، أو تولى غير مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا " . ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه ، من حديث قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن عمرو بن خارجة به . وقال الترمذي : حسن صحيح . قلت : وفيه اختلاف على قتادة . والله أعلم . وسنذكر الخطبة التي خطبها ، عليه الصلاة والسلام ، بعد هذه الخطبة يوم النحر ، وما فيها من الحكم والمواعظ والتفاصيل والآداب النبوية ، إن شاء الله تعالى .

[ ص: 567 ] قال البخاري : باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة ، حدثنا عبد الله بن يوسف ، أنبأنا مالك ، عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة : كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه ، ويكبر المكبر منا فلا ينكر عليه . وأخرجه مسلم من حديث مالك وموسى بن عقبة ، كلاهما عن محمد بن أبي بكر بن عوف بن رياح الثقفي الحجازي ، عن أنس به .

وقال البخاري : ثنا عبد الله بن مسلمة ، ثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج بن يوسف أن يأتم بعبد الله بن عمر في الحج ، فلما كان يوم عرفة ، جاء ابن عمر وأنا معه حين زاغت الشمس - أو زالت الشمس - فصاح عند فسطاطه : أين هذا ؟ فخرج إليه ، فقال ابن عمر : الرواح . فقال : الآن ؟ قال : نعم . فقال : أنظرني حتى أفيض علي ماء . فنزل ابن عمر حتى خرج ، فسار بيني وبين أبي ، فقلت : إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم فاقصر الخطبة وعجل الوقوف . فقال ابن عمر : صدق . ورواه البخاري أيضا ، عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك به . وأخرجه النسائي من حديث أشهب وابن وهب ، عن مالك .

[ ص: 568 ] ثم قال البخاري بعد روايته هذا الحديث : وقال الليث : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سالم أن الحجاج عام نزل بابن الزبير سأل عبد الله : كيف تصنع في الموقف ؟ فقال سالم : إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة . فقال ابن عمر : صدق ، إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة . فقلت لسالم : أفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : هل تبتغون بذلك إلا سنته .

وقال أبو داود : ثنا أحمد بن حنبل ، ثنا يعقوب ، ثنا أبي ، عن ابن إسحاق عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غدا من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة ، فنزل بنمرة ، وهي منزل الإمام الذي ينزل به بعرفة ، حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجرا ، فجمع بين الظهر والعصر . وهكذا ذكر جابر في حديثه بعد ما أورد الخطبة المتقدمة ، قال : ثم أذن بلال ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا . وهذا يقتضي أنه ، عليه الصلاة والسلام ، خطب أولا ، ثم أقيمت الصلاة ، ولم يتعرض للخطبة الثانية .

وقد قال الشافعي : أنبأنا إبراهيم بن محمد وغيره ، عن جعفر بن محمد ، [ ص: 569 ] عن أبيه ، عن جابر في حجة الإسلام قال : فراح النبي صلى الله عليه وسلم إلى الموقف بعرفة ، فخطب الناس الخطبة الأولى ، ثم أذن بلال ، ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة الثانية ، ففرغ من الخطبة وبلال من الأذان ، ثم أقام بلال فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر . قال البيهقي : تفرد به إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى .

قال مسلم ، عن جابر : ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف ، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل جبل المشاة بين يديه ، واستقبل القبلة .

وقال البخاري : ثنا يحيى بن سليمان ، عن ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن بكير ، عن كريب ، عن ميمونة ، أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف ، فشرب منه والناس ينظرون . وأخرجه مسلم ، عن هارون بن سعيد الأيلي ، عن ابن وهب به .

وقال البخاري : أنبأنا عبد الله بن يوسف ، أنبأنا مالك ، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله ، عن عمير ، مولى ابن عباس ، عن أم الفضل بنت الحارث ، أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : هو صائم . وقال بعضهم : ليس بصائم . فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره ، [ ص: 570 ] فشربه . ورواه مسلم من حديث مالك أيضا . وأخرجاه من طرق أخر ، عن أبي النضر به .

قلت : أم الفضل هي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين وقصتهما واحدة . والله أعلم . وصح إسناد الإرسال إليهما ; لأنه من عندهما ، اللهم إلا أن يكون بعد ذلك ، أو تعدد الإرسال من هذه ومن هذه . والله أعلم .

وقال الإمام أحمد : ثنا إسماعيل ، ثنا أيوب قال : لا أدري أسمعته من سعيد بن جبير ، أم نبئته عنه ، قال : أتيت على ابن عباس بعرفة وهو يأكل رمانا ، وقال : أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة ، وبعثت إليه أم الفضل بلبن فشربه .

وقال أحمد : ثنا وكيع ، ثنا ابن أبي ذئب ، عن صالح مولى التوأمة ، عن ابن عباس ، أنهم تماروا في صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، فأرسلت أم الفضل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن فشربه .

وقال الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق وابن بكر قالا : أنبأنا ابن جريج ، [ ص: 571 ] قال : قال عطاء : دعا عبد الله بن عباس الفضل بن عباس إلى الطعام يوم عرفة ، فقال : إني صائم . فقال عبد الله : لا تصم ; فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب إليه حلاب فيه لبن يوم عرفة ، فشرب منه ، فلا تصم ، فإن الناس مستنون بكم . وقال ابن بكير وروح : إن الناس يستنون بكم .

وقال البخاري : ثنا سليمان بن حرب ، ثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير ، ، عن ابن عباس قال : بينا رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته - أو قال : فأوقصته - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبين ، ولا تمسوه طيبا ، ولا تخمروا رأسه ، ولا تحنطوه ، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا " . ورواه مسلم ، عن أبي الربيع الزهراني ، عن حماد بن زيد .

وقال النسائي : أنبأنا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - أخبرنا وكيع ، أنبأنا سفيان الثوري ، عن بكير بن عطاء ، عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال : شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة وأتاه ناس من أهل نجد ، فسألوه عن الحج ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحج عرفة ، فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه " . وقد رواه بقية أصحاب السنن من حديث سفيان الثوري - زاد النسائي : وشعبة - عن بكير بن عطاء به .

[ ص: 572 ] وقال النسائي : أنبأنا قتيبة ، أنبأنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، أخبرني عمرو بن عبد الله بن صفوان ، أن يزيد بن شيبان قال : كنا وقوفا بعرفة مكانا بعيدا من الموقف ، فأتانا ابن مربع الأنصاري فقال : إني رسول رسول الله إليكم ، يقول لكم : " كونوا على مشاعركم ، فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم " . وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ، من حديث سفيان بن عيينة به . وقال الترمذي : هذا حديث حسن ، ولا نعرفه إلا من حديث ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، وابن مربع اسمه يزيد بن مربع الأنصاري ، وإنما يعرف له هذا الحديث الواحد . قال : وفي الباب عن علي ، وعائشة ، وجبير بن مطعم ، والشريد بن سويد .

وقد تقدم من رواية مسلم ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " وقفت هاهنا ، وعرفة كلها موقف " . زاد مالك في " موطئه " : " وارفعوا عن بطن عرنة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية