صفحة جزء
[ ص: 132 ] فصل في كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

وقد تقدم الحديث الذي رواه البيهقي من حديث الأشعث بن طليق ، والبزار من حديث ابن الأصبهاني ، كلاهما عن مرة ، عن ابن مسعود في وصية النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسله رجال أهل بيته ، وأنه قال : كفنوني في ثيابي هذه ، أو في يمنية أو بياض مصر وأنه إذا كفنوه يضعونه على شفير قبره ، ثم يخرجون عنه حتى تصلي عليه الملائكة ، ثم يدخل عليه رجال أهل بيته فيصلون عليه ، ثم الناس بعدهم فرادى . الحديث بتمامه ، وفي صحته نظر كما قدمنا . والله أعلم .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل الرجال ، فصلوا عليه بغير إمام أرسالا حتى فرغوا ، ثم أدخل النساء فصلين عليه ، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه ، ثم أدخل العبيد فصلوا عليه أرسالا ، لم يؤمهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد .

وقال الواقدي : حدثني أبي بن عباس بن سهل بن سعد ، عن أبيه ، عن [ ص: 133 ] جده قال : لما أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكفانه وضع على سريره ، ثم وضع على شفير حفرته ، ثم كان الناس يدخلون عليه رفقاء رفقاء لا يؤمهم أحد .

قال الواقدي : حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم قال : وجدت كتابا بخط أبي فيه أنه لما كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع على سريره ، دخل أبو بكر وعمر ، رضي الله عنهما ، ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار بقدر ما يسع البيت فقالا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته . وسلم المهاجرون والأنصار كما سلم أبو بكر وعمر ، ثم صفوا صفوفا لا يؤمهم أحد ، فقال أبو بكر وعمر وهما في الصف الأول حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم إنا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل إليه ، ونصح لأمته ، وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله تعالى دينه وتمت كلمته ، وأومن به وحده لا شريك له ، فاجعلنا إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه ، واجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا به ، فإنه كان بالمؤمنين رءوفا رحيما ، لا نبتغي بالإيمان بدلا ولا نشتري به ثمنا أبدا . فيقول الناس : آمين آمين . ويخرجون ويدخل آخرون حتى صلى الرجال ، ثم النساء ، ثم الصبيان .

وقد قيل إنهم صلوا عليه من بعد الزوال يوم الاثنين إلى مثله من يوم الثلاثاء . وقيل : إنهم مكثوا ثلاثة أيام يصلون عليه . كما سيأتي بيان ذلك قريبا . والله أعلم .

[ ص: 134 ] وهذا الصنيع ، وهو صلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه ، أمر مجمع عليه لا خلاف فيه ، وقد اختلف في تعليله ; فلو صح الحديث الذي أوردناه عن ابن مسعود لكان نصا في ذلك ، ويكون من باب التعبد الذي يعسر تعقل معناه ، وليس لأحد أن يقول : إنهم إنما صلوا عليه كذلك ; لأنه لم يكن لهم إمام . لأنا قد قدمنا أنهم إنما شرعوا في تجهيزه ، عليه الصلاة والسلام ، بعد تمام بيعة أبي بكر ، رضي الله عنه وأرضاه ، وقد قال بعض العلماء : إنما لم يؤمهم أحد ; ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه إليه ، ولتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد مرة ، من كل فرد فرد من آحاد الصحابة ، رجالهم ونساؤهم وصبيانهم حتى العبيد والإماء .

وأما السهيلي فقال ما حاصله : إن الله قد أخبر أنه وملائكته يصلون عليه ، وأمر كل واحد من المؤمنين أن يصلي عليه ; فوجب على كل أحد أن يباشر الصلاة عليه منه إليه ، والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل . قال : وأيضا فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة . فالله أعلم .

وقد اختلف المتأخرون من أصحاب الشافعي في مشروعية الصلاة على قبره لغير الصحابة ; فقيل : نعم ; لأن جسده ، عليه الصلاة والسلام طري في قبره ، لأن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ، كما ورد [ ص: 135 ] بذلك الحديث في السنن وغيرها فهو كالميت اليوم . وقال آخرون : لا يفعل ; لأن السلف ممن بعد الصحابة لم يفعلوه ، ولو كان مشروعا لبادروا إليه ولثابروا عليه . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية