صفحة جزء
[ ص: 222 ] فصل فيمن خطبها عليه الصلاة والسلام ، ولم يعقد عليها

قال إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن أم هانئ فاختة بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها ، فذكرت أن لها صبية صغارا فتركها ، وقال : " خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش ; أحناه على طفل في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده " .

وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب أم هانئ بنت أبي طالب ، فقالت : يا رسول الله ، إني قد كبرت ولي عيال .

وقال الترمذي : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي صالح ، عن أم هانئ بنت أبي طالب ، قالت : خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني . ثم أنزل الله إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك [ الأحزاب : 50 ] الآية . [ ص: 223 ] قالت : فلم أكن أحل له ; لأني لم أهاجر ، كنت من الطلقاء . ثم قال : هذا حديث حسن ، لا نعرفه إلا من حديث السدي . فهذا يقتضي أن من لم تكن من المهاجرات لا تحل له صلى الله عليه وسلم . وقد نقل هذا المذهب مطلقا القاضي الماوردي في " تفسيره " عن بعض العلماء . وقيل : المراد بقوله : اللاتي هاجرن معك أي ; من القرابات المذكورات . وقال قتادة : اللاتي هاجرن معك ; أي أسلمن معك . فعلى هذا لا يحرم عليه إلا نساء الكفار وتحل له جميع المسلمات ، فلا ينافي تزويجه من نساء الأنصار إن ثبت ذلك ، ولكن لم يدخل بواحدة منهن أصلا . وأما حكاية الماوردي ، عن الشعبي ، أن زينب بنت خزيمة أم المساكين أنصارية ، فليس بجيد ; فإنها هلالية بلا خلاف ، كما تقدم بيانه . والله أعلم .

وروى محمد بن سعد ، عن هشام بن الكلبي ، عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : أقبلت ليلى بنت الخطيم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو مول ظهره إلى الشمس ، فضربت منكبه فقال : " من هذا ؟ أكله الأسود " وكان كثيرا ما يقولها فقالت : أنا بنت مطعم الطير ، ومباري الريح ، أنا ليلى بنت الخطيم ، [ ص: 224 ] جئتك لأعرض عليك نفسي ، تزوجني . قال : " قد فعلت " . فرجعت إلى قومها فقالت : قد تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم . فقالوا : بئس ما صنعت ، أنت امرأة غيرى ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب نساء ، تغارين عليه ، فيدعو الله عليك ، فاستقيليه . فرجعت فقالت : أقلني يا رسول الله . فأقالها ، فتزوجها مسعود بن أوس بن سواد بن ظفر فولدت له ، فبينما هي يوما تغتسل في بعض حيطان المدينة إذ وثب عليها ذئب أسود فأكل بعضها ، فماتت .

وبه عن ابن عباس أن ضباعة بنت عامر بن قرط ، كانت تحت عبد الله بن جدعان فطلقها ، فتزوجها بعده هشام بن المغيرة فولدت له سلمة ، وكانت امرأة ضخمة جميلة لها شعر غزير يجلل جسمها ، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابنها سلمة ، فقال : حتى أستأمرها . وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إنها قد كبرت . فأتاها ابنها فاستأذنها فقالت : يا بني ، أفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذن ؟ فرجع ابنها فسكت ولم يرد جوابا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكأنه رأى أنها قد طعنت في السن ، وسكت النبي صلى الله عليه وسلم عنها .

وبه عن ابن عباس قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت بشامة بن نضلة العنبري ، وكان أصابها سباء فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : [ ص: 225 ] إن شئت أنا ، وإن شئت زوجك فقالت : بل زوجي . فأرسلها ، فلعنتها بنو تميم .

وقال محمد بن سعد : أنبأنا الواقدي ، ثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن أبيه قال : كانت أم شريك امرأة من بني عامر بن لؤي ، فوهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها ، فلم تتزوج حتى ماتت .

قال محمد بن سعد ، وأنبأنا وكيع ، عن شريك ، عن جابر ، عن الحكم ، عن علي بن الحسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أم شريك الدوسية . قال الواقدي : الثبت عندنا أنها من دوس من الأزد . قال محمد بن سعد : واسمها غزية بنت جابر بن حكيم .

وقال الليث بن سعد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : كنا نتحدث أن أم شريك كانت وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت امرأة صالحة .

[ ص: 226 ] وممن خطبها ولم يعقد عليها جمرة بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة المزني ، فقال أبوها : إن بها سوءا . ولم يكن بها ، فرجع إليها وقد تبرصت ، وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر . هكذا ذكره سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة .

قال : وخطب أم حبيبة بنت العباس بن عبد المطلب فوجد أباها أخاه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب .

فهؤلاء نساؤه ، وهن ثلاثة أصناف ; صنف دخل بهن ومات عنهن ، وهن التسع المبدأ بذكرهن ، وهن حرام على الناس بعد موته عليه الصلاة والسلام بالإجماع المحقق المعلوم من الدين ضرورة ، وعدتهن بانقضاء أعمارهن . قال الله تعالى : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما [ الأحزاب : 53 ] . وصنف دخل بهن صلى الله عليه وسلم ، وطلقهن في حياته ، فهل يحل لأحد أن يتزوجهن بعد انقضاء عدتهن منه عليه الصلاة والسلام ؟ فيه قولان للعلماء ; أحدهما ، لا ; لعموم الآية [ ص: 227 ] التي ذكرناها . والثاني ، نعم ; بدليل آية التخيير وهي قوله : يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما قالوا : فلولا أنها تحل لغيره أن يتزوجها بعد فراقه إياها لم يكن في تخييرها بين الدنيا والآخرة فائدة ، إذ لو كان فراقه لها لا يبيحها لغيره لم يكن فيه فائدة لها ، وهذا قوي . والله تعالى أعلم . وأما الصنف الثالث وهي من تزوجها وطلقها قبل أن يدخل بها ، فهذه يحل لغيره أن يتزوجها . ولا أعلم في هذا القسم نزاعا . وأما من خطبها ولم يعقد عليها فأولى لها أن تتزوج ، وأولى . وسيجيء فصل في كتاب الخصائص يتعلق بهذا المقام . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية