صفحة جزء
[ ص: 251 ] قال الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عساكر :

باب ذكر عبيده عليه الصلاة والسلام ، وإمائه ، وذكر خدمه وكتابه وأمنائه

مع مراعاة الحروف في أسمائهم ، وذكر بعض ما ذكر من أنبائهم .

ولنذكر ما أورده مع الزيادة والنقصان ، وبالله المستعان .

فمنهم أسامة بن زيد بن حارثة أبو زيد الكلبي . ويقال أبو يزيد . ويقال : أبو محمد . مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن مولاه ، وحبه وابن حبه ، وأمه أم أيمن ، واسمها بركة ، كانت حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صغره ، وممن آمن به قديما بعد بعثته ، وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أيام حياته ، وكان عمره إذ ذاك ثماني عشرة أو تسع عشرة سنة ، وتوفي صلى الله عليه وسلم وهو أمير على جيش كثيف ، منهم عمر بن الخطاب ، ويقال : وأبو بكر الصديق . وهو قول ضعيف ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصبه للإمامة ، فلما توفي عليه الصلاة والسلام [ ص: 252 ] وجيش أسامة مخيم بالجرف ، كما قدمناه ، استطلق أبو بكر من أسامة عمر بن الخطاب في الإقامة عنده ; ليستضيء برأيه ، فأطلقه له ، وأنفذ أبو بكر جيش أسامة بعد مراجعة كثيرة من الصحابة له في ذلك ، وكل ذلك يأبى عليهم ويقول : والله لا أحل راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم . فساروا حتى بلغوا تخوم البلقاء من أرض الشام حيث قتل أبوه زيد ، وجعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم ، فأغار على تلك البلاد ، وغنم وسبى ، وكر راجعا سالما مؤيدا ، كما سيأتي . فلهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، لا يلقى أسامة إلا قال له : السلام عليك أيها الأمير . ولما عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم راية الإمرة ، طعن بعض الناس في إمارته فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيها : " إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل ، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة ، وإن كان لمن أحب الخلق إلي ، وإن هذا لمن أحب الخلق إلي بعده " وهو في " الصحيح " من حديث موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه .

وثبت في " صحيح البخاري " عن أسامة ، رضي الله عنه ، أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسن ، فيقول : " اللهم إني أحبهما فأحبهما " .

وروي عن الشعبي ، عن عائشة رضي الله عنها ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أحب الله ورسوله فليحب أسامة بن زيد " ولهذا لما فرض عمر بن الخطاب للناس في الديوان فرض لأسامة في خمسة آلاف ، وأعطى ابنه [ ص: 253 ] عبد الله بن عمر في أربعة آلاف ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك ، وأبوه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك .

وقد روى عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن أسامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه خلفه على حمار عليه قطيفة ، حين ذهب يعود سعد بن عبادة ، قبل وقعة بدر .

قلت : وهكذا أردفه وراءه على ناقته حين دفع من عرفات إلى المزدلفة ، كما قدمنا في حجة الوداع . وقد ذكر غير واحد أنه ، رضي الله عنه ، لم يشهد مع علي شيئا من مشاهده ، واعتذر إليه بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قتل ذلك الرجل ، وقد قال : لا إله إلا الله ، فقال : " من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة ؟ ! أقتلته بعد ما قال : لا إله إلا الله ؟ ! من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة ؟ ! " الحديث . وذكر فضائله كثيرة ، رضي الله عنه ، وقد كان أسود كالليل ، أفطس حلوا حسنا كبيرا فصيحا عالما ربانيا ، رضي الله عنه ، وقد كان أبوه كذلك إلا أنه كان أبيض شديد البياض ، ولهذا طعن بعض من لا يعلم في نسبه منه ، ولما مر مجزز المدلجي عليهما وهما نائمان في قطيفة ، وقد بدت أقدامهما ; أسامة بسواده ، وأبوه زيد ببياضه قال : سبحان الله إن بعض هذه الأقدام لمن بعض . أعجب بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخل على عائشة مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال : " ألم تري أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة ، وأسامة بن زيد ، [ ص: 254 ] فقال : إن بعض هذه الأقدام لمن بعض " ولهذا أخذ فقهاء الحديث كالشافعي وأحمد من هذا الحديث ، من حيث التقرير عليه والاستبشار به ، العمل بقول القافة في اختلاط الأنساب واشتباهها ، كما هو مقرر في موضعه .

والمقصود أنه ، رضي الله عنه ، توفي سنة أربع وخمسين فيما صححه أبو عمر . وقال غيره : سنة ثمان أو تسع وخمسين . وقيل : مات بعد مقتل عثمان . فالله أعلم . وروى له الجماعة في كتبهم الستة .

ومنهم أسلم . وقيل : إبراهيم . وقيل : ثابت . وقيل : هرمز . أبو رافع القبطي . أسلم قبل بدر ولم يشهدها ; لأنه كان بمكة مع سادته آل العباس ، وكان ينحت القداح ، وقصته مع الخبيث أبي لهب حين جاء خبر وقعة بدر تقدمت ، ولله الحمد . ثم هاجر وشهد أحدا وما بعدها ، وكان كاتبا ، وقد كتب بين يدي علي بن أبي طالب بالكوفة . قاله المفضل بن غسان الغلابي . وشهد فتح مصر في أيام عمر ، وقد كان أولا للعباس بن عبد المطلب ، فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم وأعتقه ، وزوجه مولاته سلمى ، فولدت له أولادا ، وكان يكون على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال الإمام أحمد : ثنا محمد بن جعفر وبهز ، قالا : ثنا شعبة ، عن [ ص: 255 ] الحكم ، عن ابن أبي رافع ، عن أبي رافع ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة ، فقال لأبي رافع : اصحبني كيما تصيب منها . فقال : لا ، حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال : " الصدقة لا تحل لنا ، وإن مولى القوم منهم " وقد رواه الثوري ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن الحكم به .

وروى أبو يعلى في " مسنده " عنه ، أنه أصابهم برد شديد وهم بخيبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان له لحاف فليلحف من لا لحاف له " قال أبو رافع : فلم أجد من يلحفني معه ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى علي من لحافه ، فنمنا حتى أصبحنا ، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رجليه حية فقال : " يا أبا رافع اقتلها اقتلها " وروى له الجماعة في كتبهم ، ومات في أيام علي رضي الله عنه .

ومنهم أنسة بن بادة أبو مسرح . ويقال : أبو مسروح . من مولدي السراة ، مهاجري ، شهد بدرا فيما ذكره عروة والزهري وموسى بن عقبة [ ص: 256 ] ومحمد بن إسحاق والبخاري وغير واحد . قالوا : وكان ممن يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس .

وذكر خليفة بن خياط في كتابه ، قال : قال علي بن محمد ، عن عبد العزيز بن أبي ثابت ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : استشهد يوم بدر أنسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الواقدي : وليس هذا بثبت عندنا ، ورأيت أهل العلم يثبتون أنه شهد أحدا أيضا وبقي زمانا . وأنه توفي في حياة أبي بكر ، رضي الله عنه ، أيام خلافته . لا رواية له .

ومنهم أيمن بن عبيد بن زيد الحبشي . ونسبه ابن منده إلى عوف بن الخزرج ، وفيه نظر . وهو ابن أم أيمن بركة ، أخو أسامة لأمه .

قال ابن إسحاق وكان على مطهرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان ممن ثبت يوم [ ص: 257 ] حنين . ويقال : إن فيه وفي أصحابه نزل قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [ الكهف : 110 ] قال الشافعي : قتل أيمن مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين . قال : فرواية مجاهد عنه منقطعة .

يعني بذلك ما رواه الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عطاء ، عن أيمن الحبشي قال : لم يقطع النبي صلى الله عليه وسلم السارق إلا في المجن ، وكان ثمن المجن يومئذ دينارا . وقد رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة ، عن هارون بن عبد الله ، عن أسود بن عامر ، عن الحسن بن صالح ، عن منصور ، عن الحكم ، عن مجاهد وعطاء ، عن أيمن عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه . وهذا يقتضي تأخر موته عن النبي صلى الله عليه وسلم إن لم يكن الحديث مدلسا عنه ، ويحتمل أن يكون أريد غيره ، والجمهور كابن إسحاق وغيره ذكروه فيمن قتل من الصحابة يوم حنين . فالله أعلم . ولابنه الحجاج بن أيمن مع عبد الله بن عمر قصة .

ومنهم باذام . وسيأتي ذكره في ترجمة طهمان

ومنهم ثوبان بن بجدد . ويقال ابن جحدر . أبو عبد الله . ويقال : أبو [ ص: 258 ] عبد الكريم . ويقال : أبو عبد الرحمن . أصله من أهل السراة ، مكان بين مكة واليمن ، وقيل : من حمير من أهل اليمن . وقيل : من ألهان . وقيل : من الحكم بن سعد العشيرة من مذحج ، أصابه سباء في الجاهلية ، فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه وخيره إن شاء أن يرجع إلى قومه ، وإن شاء أن يثبت ، فإنه منهم أهل البيت ، فأقام على ولاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يفارقه حضرا ولا سفرا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشهد فتح مصر أيام عمر ، ونزل حمص بعد ذلك ، وابتنى بها دارا ، وأقام بها إلى أن مات سنة أربع وخمسين ، وقيل : سنة أربع وأربعين . وهو خطأ . وقيل : إنه مات بمصر . والصحيح بحمص ، كما قدمنا . والله أعلم . روى له البخاري في كتاب " الأدب " ومسلم في " صحيحه " ، وأهل السنن الأربعة .

ومنهم حنين مولى النبي صلى الله عليه وسلم . وهو جد إبراهيم بن عبد الله بن حنين وروينا أنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ويوضئه ، فإذا فرغ النبي صلى الله عليه وسلم خرج بفضلة الوضوء إلى أصحابه ، فمنهم من يشرب منه ، ومنهم من يتمسح به ، فاحتبسه حنين فخبأه عنده في جرة حتى شكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له : " ما تصنع به ؟ " فقال : أدخره عندي أشربه يا رسول الله . فقال عليه الصلاة والسلام : " هل رأيتم غلاما أحصى ما أحصى هذا ؟ " ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهبه لعمه العباس ، فأعتقه ، رضي الله عنهما .

ومنهم ذكوان . يأتي ذكره في ترجمة طهمان .

ومنهم رافع أو أبو رافع . ويقال له : أبو البهي . قال أبو بكر بن أبي خيثمة : كان لأبي أحيحة سعيد بن العاص الأكبر ، فورثه بنوه ، وأعتق ثلاثة [ ص: 259 ] منهم أنصباءهم ، وشهد معهم يوم بدر فقتلوا ثلاثتهم ، ثم اشترى أبو رافع بقية أنصباء بني سعيد مولاه ، إلا نصيب خالد بن سعيد ، فوهب خالد نصيبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله وأعتقه ، فكان يقول : أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك كان بنوه يقولون من بعده .

ومنهم رباح الأسود ، وكان يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي أخذ الإذن لعمر بن الخطاب حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك المشربة يوم آلى من نسائه ، واعتزلهن في تلك المشربة وحده ، عليه الصلاة والسلام . هكذا جاء مصرحا باسمه في حديث عكرمة بن عمار ، عن أبي زميل سماك بن الوليد ، عن ابن عباس ، عن عمر .

وقال الإمام أحمد : ثنا وكيع ثنا عكرمة بن عمار ، عن إياس بن سلمة بن الأكوع ، عن أبيه قال : كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام يسمى رباحا .

ومنهم رويفع مولاه ، عليه الصلاة والسلام . هكذا عده في الموالي مصعب بن عبد الله الزبيري وأبو بكر بن أبي خيثمة ، قالا : وقد وفد ابنه على عمر بن عبد العزيز في أيام خلافته ففرض له . قالا : ولا عقب له .

قلت : كان عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ، شديد الاعتناء بموالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يحب أن يعرفهم ويحسن إليهم . وقد كتب في أيام خلافته إلى أبي [ ص: 260 ] بكر بن حزم عالم أهل المدينة في زمانه ، أن يفحص له عن موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ; الرجال والنساء وخدامه . رواه الواقدي . وقد ذكره أبو عمر مختصرا وقال : لا أعلم له رواية . حكاه ابن الأثير في " الغابة " .

ومنهم زيد بن حارثة الكلبي . وقد قدمنا طرفا من ذكره عند ذكر مقتله بغزوة مؤتة رضي الله عنه ، وذلك في جمادى من سنة ثمان قبل الفتح بأشهر ، وقد كان هو الأمير المقدم ، ثم بعده جعفر ثم بعدهما عبد الله بن رواحة ، رضي الله عنهم .

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في سرية إلا أمره عليهم ، ولو بقي بعده لاستخلفه . رواه أحمد .

ومنهم زيد أبو يسار . قال أبو القاسم البغوي في " معجم الصحابة " : سكن المدينة روى حديثا واحدا لا أعلم له غيره ; حدثنا محمد بن علي الجوزجاني ، ثنا أبو سلمة - هو التبوذكي - ثنا حفص بن عمر الطائي ، ثنا أبي عمر بن مرة : سمعت بلال بن يسار بن زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم ، سمعت أبي حدثني عن جدي ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من قال : أستغفر الله الذي [ ص: 261 ] لا إله إلا هو الحي القيوم ، وأتوب إليه . غفر له ، وإن كان فر من الزحف " . وهكذا رواه أبو داود عن أبي سلمة ، وأخرجه الترمذي عن محمد بن إسماعيل البخاري ، عن أبي سلمة موسى بن إسماعيل به . وقال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

ومنهم سفينة أبو عبد الرحمن . ويقال : أبو البختري . كان اسمه مهران وقيل : عبس . وقيل : أحمر . وقيل : رومان . فلقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة لسبب سنذكره ، فغلب عليه ، وكان مولى لأم سلمة ، فأعتقته واشترطت عليه أن يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يموت ، فقبل ذلك ، وقال : لو لم تشترطي علي ما فارقته . وهذا الحديث في " السنن " . وهو من مولدي العرب ، وأصله من أبناء فارس وهو سفينة بن مارفنة .

وقال الإمام أحمد : ثنا أبو النضر ، ثنا حشرج بن نباتة العبسي كوفي ، حدثنا سعيد بن جمهان ، حدثني سفينة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ، ثم ملكا بعد ذلك " ثم قال لي سفينة : أمسك خلافة أبي بكر ، وخلافة عمر ، وخلافة عثمان ، وأمسك خلافة علي ، ثم قال : فوجدناها ثلاثين سنة ، ثم نظرت بعد ذلك في الخلفاء فلم أجده يتفق لهم ثلاثون . قلت [ ص: 262 ] لسعيد : أين لقيت سفينة ؟ قال : ببطن نخلة في زمن الحجاج ، فأقمت عنده ثلاث ليال أسأله عن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت له : ما اسمك ؟ قال : ما أنا بمخبرك ، سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة . قلت : ولم سماك سفينة ؟ قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه ، فثقل عليهم متاعهم فقال لي : ابسط كساءك فبسطته ، فجعلوا فيه متاعهم ، ثم حملوه علي ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احمل ، فإنما أنت سفينة " فلو حملت يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل علي إلا أن يجفوا . وهذا الحديث عند أبي داود والترمذي والنسائي . ولفظه عندهم : " خلافة النبوة ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا " .

وقال الإمام أحمد : ثنا بهز ، ثنا حماد بن سلمة ، عن سعيد بن جمهان ، عن سفينة قال : كنا في سفر ، فكان كلما أعيا رجل ألقى علي ثيابه ; ترسا أو سيفا ، حتى حملت من ذلك شيئا كثيرا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أنت سفينة " هذا هو المشهور في تسميته سفينة .

وقد قال أبو القاسم البغوي ثنا أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني ، ومحمد بن جعفر الوركاني ، قالا : ثنا شريك بن عبد الله النخعي ، عن عمران [ ص: 263 ] البجلي ، عن مولى لأم سلمة قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررنا بواد أو نهر ، فكنت أعبر الناس ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما كنت منذ اليوم إلا سفينة " وهكذا رواه الإمام أحمد ، عن أسود بن عامر ، عن شريك .

وقال أبو عبد الله بن منده : ثنا الحسن بن مكرم ، ثنا عثمان بن عمر ، ثنا أسامة بن زيد ، عن محمد بن المنكدر ، عن سفينة قال : ركبت البحر في سفينة فكسرت بنا ، فركبت لوحا منها فطرحني في جزيرة فيها أسد ، فلم يرعني إلا به ، فقلت : يا أبا الحارث ، أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فجعل يغمزني بمنكبه حتى أقامني على الطريق ، ثم همهم فظننت أنه السلام . وقد رواه أبو القاسم البغوي ، عن إبراهيم بن هانئ ، عن عبيد الله بن موسى ، عن رجل ، عن محمد بن المنكدر عنه . ورواه أيضا ، عن محمد بن عبد الله المخرمي ، عن حسين بن محمد قال : قال عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، عن محمد بن المنكدر ، عن سفينة . فذكره .

ورواه أيضا : حدثنا هارون بن عبد الله ، ثنا علي بن عاصم ، حدثني أبو ريحانة ، عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لقيني الأسد ، فقلت : أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فضرب بذنبه الأرض وقعد . وروى له مسلم وأهل [ ص: 264 ] السنن . وقد تقدم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد أنه كان يسكن بطن نخلة ، وأنه تأخر إلى أيام الحجاج .

ومنهم سلمان الفارسي أبو عبد الله مولى الإسلام . أصله من فارس وتنقلت به الأحوال إلى أن صار لرجل من يهود المدينة فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أسلم سلمان ، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فكاتب سيده اليهودي ، وأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أداء ما عليه فنسب إليه ، وقال : " سلمان منا أهل البيت " وقد قدمنا صفة هجرته من بلده ، وصحبته لأولئك الرهبان واحدا بعد واحد ، حتى آل به الحال إلى المدينة النبوية ، وذكر صفة إسلامه رضي الله عنه ، في أوائل الهجرة النبوية إلى المدينة وكانت وفاته في سنة خمس وثلاثين في آخر أيام عثمان ، أو في أول سنة ست وثلاثين . وقيل : إنه توفي في أيام عمر بن الخطاب والأول أكثر .

قال العباس بن يزيد البحراني : وكان أهل العلم لا يشكون أنه عاش مائتين وخمسين سنة ، واختلفوا فيما زاد على ذلك إلى ثلاثمائة وخمسين . وقد ادعى بعض الحفاظ المتأخرين أنه لم يجاوز المائة . فالله أعلم بالصواب .

ومنهم شقران الحبشي . واسمه صالح بن عدي ، ورثه عليه الصلاة والسلام من أبيه . وقال مصعب الزبيري ومحمد بن سعد : كان لعبد الرحمن بن عوف ، فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم . وقد روى أحمد بن حنبل ، عن إسحاق بن عيسى ، [ ص: 265 ] عن أبي معشر أنه ذكره فيمن شهد بدرا ، قال : ولم يقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهكذا ذكره محمد بن سعد فيمن شهد بدرا وهو مملوك ، فلهذا لم يسهم له ، بل استعمله على الأسرى ، فجزاه كل رجل له أسير شيئا ، فحصل له أكثر من نصيب كامل . قال : وقد كان ببدر ثلاثة غلمان غيره ; غلام لعبد الرحمن بن عوف ، وغلام لحاطب بن أبي بلتعة ، وغلام لسعد بن معاذ ، فرضخ لهم ولم يقسم . قال أبو القاسم البغوي ، وليس له ذكر فيمن شهد بدرا في كتاب الزهري ، ولا في كتاب ابن إسحاق

وذكر الواقدي ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم قال : استعمل رسول الله شقران مولاه على جميع ما وجد في رحال أهل المريسيع من رثة المتاع والسلاح والنعم والشاء ، وجمع الذرية ناحية .

وقال الإمام أحمد : ثنا أسود بن عامر ، ثنا مسلم بن خالد ، عن عمرو بن يحيى المازني ، عن أبيه ، عن شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : رأيته - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - متوجها إلى خيبر على حمار يصلي عليه ، يومئ إيماء . وفي هذه الأحاديث شواهد أنه ، رضي الله عنه ، شهد هذه المشاهد .

[ ص: 266 ] وروى الترمذي ، عن زيد بن أخزم ، عن عثمان بن فرقد ، عن جعفر بن محمد ، أخبرني ابن أبي رافع قال : سمعت شقران يقول : أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر . وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : الذي ألحد قبر النبي صلى الله عليه وسلم أبو طلحة ، والذي ألقى القطيفة تحته شقران . ثم قال الترمذي : حسن غريب . وقد تقدم أنه شهد غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل في قبره ، وأنه وضع تحته القطيفة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليها وقال : والله لا يلبسها أحد بعدك . وذكر الحافظ أبو الحسن بن الأثير في " الغابة " أنه انقرض نسله ، فكان آخرهم موتا بالمدينة في أيام الرشيد .

ومنهم ضميرة بن أبي ضميرة الحميري . أصابه سباء في الجاهلية ، فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه . ذكره مصعب الزبيري قال : وكانت له دار بالبقيع ، وولد .

قال عبد الله بن وهب ، عن ابن أبي ذئب ، عن حسين بن عبد الله بن ضميرة ، عن أبيه ، عن جده ضميرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأم ضميرة وهي تبكي فقال لها : ما يبكيك أجائعة أنت ؟ أعارية أنت ؟ قالت : يا رسول [ ص: 267 ] الله ، فرق بيني وبين ابني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يفرق بين الوالدة ، وولدها " ثم أرسل إلى الذي عنده ضميرة ، فدعاه فابتاعه منه ببكر . قال ابن أبي ذئب ثم أقرأني كتابا عنده : " بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ضميرة وأهل بيته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقهم ، وأنهم أهل بيت من العرب ، إن أحبوا أقاموا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن أحبوا رجعوا إلى قومهم فلا يعرض لهم إلا بحق ، ومن لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيرا . " وكتب أبي بن كعب

ومنهم طهمان . ويقال : ذكوان . ويقال : مهران . ويقال : ميمون . وقيل : كيسان . وقيل : باذام . روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي ، وإن مولى القوم من أنفسهم " رواه البغوي ، عن منجاب بن الحارث وغيره ، عن شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن إحدى بنات علي بن أبي طالب ، وهي أم كلثوم بنت علي قالت : حدثني مولى للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له : طهمان أو ذكوان . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكره .

ومنهم عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم . قال أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن سليمان التيمي ، عن شيخ ، عن عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال : قلت : هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بصلاة سوى المكتوبة ؟ قال : صلاة بين المغرب والعشاء . قال أبو القاسم البغوي لا أعلم روى غيره . قال ابن عساكر : وليس كما قال . ثم [ ص: 268 ] ساق من طريق أبي يعلى الموصلي ، حدثنا عبد الأعلى بن حماد ، ثنا حماد بن سلمة ، عن سليمان التيمي ، عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن امرأتين كانتا صائمتين ، وكانتا تغتابان الناس ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح ، فقال لهما : " قيئا " . فقاءتا قيحا ودما ولحما عبيطا ، ثم قال : " إن هاتين صامتا عن الحلال ، وأفطرتا على الحرام " وقد رواه الإمام أحمد ، عن يزيد بن هارون وابن أبي عدي ، عن سليمان التيمي ، عن رجل حدثهم في مجلس أبي عثمان ، عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره . ورواه أحمد أيضا ، عن غندر ، عن عثمان بن غياث قال : كنت مع أبي عثمان ، فقال رجل : حدثني سعيد أو عبيد - عثمان يشك - مولى النبي صلى الله عليه وسلم . فذكره .

ومنهم فضالة مولى النبي صلى الله عليه وسلم . قال محمد بن سعد : أنبأنا الواقدي ، حدثني عتبة بن جبيرة الأشهلي قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم أن افحص لي عن أسماء خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء ومواليه ، فكتب إليه قال : وكان فضالة مولى له يمانيا نزل الشام بعد ، وكان أبو مويهبة مولدا من مولدي مزينة فأعتقه . قال ابن عساكر : لم أجد لفضالة ذكرا في الموالي إلا من هذا الوجه .

[ ص: 269 ] ومنهم قفيز . أوله قاف وآخره زاي . قال أبو عبد الله بن منده : أنبأنا سهل بن السري ، ثنا أحمد بن محمد بن المنكدر ، ثنا محمد بن يحيى ، عن محمد بن سليمان الحراني ، عن زهير بن محمد ، عن أبي بكر بن عبيد الله بن أنس ، عن أنس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلام يقال له : قفيز . تفرد به محمد بن سليمان .

ومنهم كركرة . كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته ، وقد ذكره أبو بكر بن حزم فيما كتب به إلى عمر بن عبد العزيز

قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن عمرو عن سالم بن أبي الجعد ، عن عبد الله بن عمرو قال : كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له : كركرة فمات ، فقال : " هو في النار " فنظروا فإذا عليه عباءة قد غلها ، أو كساء قد غله . رواه البخاري ، عن علي بن المديني ، عن سفيان . قلت : وقصته شبيهة بقصة مدعم الذي أهداه رفاعة من بني الضبيب كما سيأتي .

ومنهم كيسان . قال البغوي : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا ابن [ ص: 270 ] فضيل ، عن عطاء بن السائب قال : أتيت أم كلثوم بنت علي فقالت : حدثني مولى للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له : كيسان . قال له النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من أمر الصدقة : " إنا أهل بيت نهينا أن نأكل الصدقة ، وإن مولانا من أنفسنا ، فلا يأكل الصدقة " .

ومنهم مأبور القبطي الخصي . أهداه له صاحب إسكندرية مع مارية وسيرين والبغلة . وقد قدمنا من خبره في ترجمة مارية ، رضي الله عنهما ، ما فيه كفاية .

ومنهم مدعم . وكان أسود من مولدي حسمى ، أهداه رفاعة بن زيد الجذامي ، قتل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك مرجعهم من خيبر فلما وصلوا إلى وادي القرى ، فبينما مدعم يحط عن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم رحلها ، إذ جاءه سهم عائر فقتله ، فقال الناس : هنيئا له الشهادة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلا والذي نفسي بيده ، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا " فلما سمعوا ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " شراك من نار أو شراكان من نار " أخرجاه من حديث مالك ، عن ثور بن زيد ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة .

ومنهم مهران . ويقال : طهمان . وهو الذي روت عنه أم كلثوم بنت علي في تحريم الصدقة على بني هاشم ومواليهم ، كما تقدم .

[ ص: 271 ] ومنهم ميمون . وهو الذي قبله .

ومنهم نافع مولاه . قال الحافظ ابن عساكر : أنبأنا أبو الفتح الماهاني ، أنبأنا شجاع الصوفي ، أنبأنا محمد بن إسحاق ، أنبأنا أحمد بن محمد بن زياد ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان ، ثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا أبو مالك الأشجعي ، عن يوسف بن ميمون ، عن نافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يدخل الجنة شيخ زان ، ولا مسكين مستكبر ، ولا منان بعمله على الله عز وجل " .

ومنهم نفيع . ويقال : مسروح . ويقال نافع بن مسروح . والصحيح نافع بن الحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج بن أبي سلمة عبد العزى بن غيرة بن عوف بن قسي ، وهو ثقيف أبو بكرة الثقفي ، وأمه سمية أم زياد ، تدلى هو وجماعة من العبيد من سور الطائف فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان نزوله في بكرة ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلمأبا بكرة . قال أبو نعيم : كان رجلا صالحا ، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي برزة الأسلمي .

قلت : وهو الذي صلى عليه بوصيته إليه ، ولم يشهد أبو بكرة وقعة الجمل ، ولا أيام صفين وكانت وفاته في سنة إحدى وخمسين ، وقيل سنة اثنتين [ ص: 272 ] وخمسين .

ومنهم واقد ، أو أبو واقد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني : حدثنا أبو عمرو بن حمدان ، ثنا الحسن بن سفيان ، ثنا محمد بن يحيى بن عبد الكريم ، ثنا الحسين بن محمد ، ثنا الهيثم بن حماد ، عن الحارث بن غسان ، عن رجل من قريش من أهل المدينة عن زاذان ، عن واقد مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أطاع الله فقد ذكر الله وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن ، ومن عصى الله فلم يذكره ، وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن " .

ومنهم هرمز أبو كيسان . ويقال : هرمز أو كيسان . وهو الذي يقال فيه : طهمان . كما تقدم . وقد قال ابن وهب ثنا علي بن عابس ، عن عطاء بن السائب ، عن فاطمة بنت علي أو أم كلثوم بنت علي قالت : سمعت مولى لنا يقال له : هرمز . يكنى أبا كيسان ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة ، وإن موالينا من أنفسنا ، فلا تأكلوا الصدقة " وقد رواه الربيع بن سليمان ، عن أسد بن موسى ، عن ورقاء ، عن عطاء بن السائب قال : دخلت على أم كلثوم ، فقالت : إن هرمز أو كيسان حدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنا لا نأكل الصدقة " .

[ ص: 273 ] وقال أبو القاسم البغوي ثنا منصور بن أبي مزاحم ، ثنا أبو حفص الأبار ، عن ابن أبي زياد ، عن معاوية قال : شهد بدرا عشرون مملوكا ، منهم مملوك للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له : هرمز . فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : " إن الله قد أعتقك ، وإن مولى القوم من أنفسهم ، وإنا أهل بيت لا نأكل الصدقة فلا تأكلها " .

ومنهم هشام مولى النبي صلى الله عليه وسلم . قال محمد بن سعد : أنبأنا سليمان بن عبيد الله الرقي . أنبأنا محمد بن أيوب الرقي ، عن سفيان ، عن عبد الكريم ، عن أبي الزبير ، عن هشام مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : جاء رجل فقال : يا رسول الله ، إن امرأتي لا تدفع يد لامس . قال : " طلقها " . قال : إنها تعجبني . قال : " فتمتع بها " . قال ابن منده : وقد رواه جماعة ، عن سفيان الثوري عن عبد الكريم ، عن أبي الزبير ، عن مولى بني هاشم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم - ولم يسمه - ورواه عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم ، عن أبي الزبير ، عن جابر .

ومنهم يسار . ويقال : إنه الذي قتله العرنيون ومثلوا به . وقد ذكر الواقدي بسنده عن يعقوب بن عتبة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه يوم قرقرة الكدر مع نعم بني غطفان ، وسليم ، فوهبه الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقبله منهم لأنه رآه يحسن الصلاة فأعتقه ، ثم قسم في الناس النعم ، فأصاب كل إنسان منهم [ ص: 274 ] سبعة أبعرة ، وكانوا مائتين .

ومنهم أبو الحمراء مولى النبي صلى الله عليه وسلم وخادمه . وهو الذي يقال : إن اسمه هلال بن الحارث . وقيل : ابن ظفر . وقيل هلال بن الحارث بن ظفر السلمي . أصابه سباء في الجاهلية .

وقال أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم : ثنا أحمد بن حازم ، أنبأنا عبيد الله بن موسى والفضل بن دكين ، عن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي داود القاص ، عن أبي الحمراء قال : رابطت المدينة سبعة أشهر كيوم ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي باب علي وفاطمة كل غداة فيقول : الصلاة الصلاة " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " [ الأحزاب : 33 ] .

قال أحمد بن حازم : وأنبأنا عبيد الله بن موسى والفضل بن دكين واللفظ له ، عن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي داود ، عن أبي الحمراء قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل عنده طعام في وعاء ، فأدخله يده فقال : " غششته ، من غشنا فليس منا " وقد رواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن أبي نعيم به . وليس عنده سواه . وأبو داود هذا هو نفيع بن الحارث الأعمى ، أحد المتروكين الضعفاء . قال عباس الدوري عن ابن معين : أبو الحمراء صاحب رسول الله [ ص: 275 ] صلى الله عليه وسلم اسمه هلال بن الحارث ، كان يكون بحمص ، وقد رأيت بها غلاما من ولده . وقال غيره : كان منزله خارج باب حمص . وقال أبو الوازع عن سمرة : كان أبو الحمراء من الموالي .

ومنهم أبو سلمى راعي النبي صلى الله عليه وسلم . ويقال أبو سلام . واسمه حريث .

قال أبو القاسم البغوي ثنا كامل بن طلحة ، ثنا عباد بن عبد الصمد ، حدثني أبو سلمى راعي النبي صلى الله عليه وسلم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من لقي الله يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وآمن بالبعث ، والحساب دخل الجنة " قلنا : أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأدخل أصبعيه في أذنيه ، ثم قال : أنا سمعت هذا منه غير مرة ، ولا مرتين ، ولا ثلاث ، ولا أربع . لم يورد له ابن عساكر سوى هذا الحديث . وقد روى له النسائي في اليوم والليلة آخر ، وأخرج له ابن ماجه ثالثا .

ومنهم أبو صفية مولى النبي صلى الله عليه وسلم . قال أبو القاسم البغوي ثنا أحمد بن المقدام ، ثنا معتمر ، ثنا أبو كعب ، عن جده بقية ، عن أبي صفية مولى النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يوضع له نطع ويجاء بزبيل فيه حصى فيسبح به إلى نصف [ ص: 276 ] النهار ، ثم يرفع فإذا صلى الأولى سبح حتى يمسي .

ومنهم أبو ضميرة مولى النبي صلى الله عليه وسلم ، والد ضميرة المتقدم ، وزوج أم ضميرة . وقد تقدم في ترجمة ابنه طرف من ذكرهم وخبرهم في كتابهم .

وقال محمد بن سعد في " الطبقات " : أنبأنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المدني ، حدثني حسين بن عبد الله بن أبي ضميرة ، أن الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ضميرة : بسم الله الرحمن الرحيم ، كتاب من محمد رسول الله لأبي ضميرة وأهل بيته ، إنهم كانوا أهل بيت من العرب ، وكانوا مما أفاء الله على رسوله فأعتقهم ثم خير أبا ضميرة ; إن أحب أن يلحق بقومه فقد أذن له ، وإن أحب أن يمكث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكونوا من أهل بيته ، فاختار الله ورسوله ودخل في الإسلام ، فلا يعرض لهم أحد إلا بخير ، ومن لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيرا " وكتب أبي بن كعب . قال إسماعيل بن أبي أويس : فهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أحد حمير ، وخرج قوم منهم في سفر ، ومعهم هذا الكتاب ، فعرض لهم اللصوص ، فأخذوا ما معهم ، فأخرجوا هذا الكتاب إليهم وأعلموهم بما فيه ، فقرأوه فردوا عليهم ما أخذوا منهم ، ولم يعرضوا لهم .

قال : ووفد حسين بن عبد الله بن أبي ضميرة إلى المهدي أمير المؤمنين ، وجاء معه بكتابهم هذا فأخذه المهدي ، فوضعه على بصره ، وأعطى حسينا ثلاثمائة دينار .

[ ص: 277 ] ومنهم أبو عبيد مولاه عليه الصلاة والسلام . قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، ثنا أبان العطار ، ثنا قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي عبيد ، أنه طبخ لرسول الله صلى الله عليه وسلم . قدرا فيها لحم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ناولني ذراعها " فناولته ، فقال " ناولني ذراعها " فناولته فقال : " ناولني ذراعها " فقال : يا نبي الله ، كم للشاة من ذراع ؟ قال : " والذي نفسي بيده لو سكت لأعطيتني ذراعها ما دعوت به " ورواه الترمذي في الشمائل ، عن بندار ، عن مسلم بن إبراهيم ، عن أبان بن يزيد العطار به .

ومنهم أبو عسيب ، ومنهم من يقول : أبو عسيم . والصحيح الأول ، ومن الناس من فرق بينهما ، وقد تقدم أنه شهد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وحضر دفنه ، وروى قصة المغيرة بن شعبة

وقال الحارث بن أبي أسامة : ثنا يزيد بن هارون ، ثنا مسلم بن عبيد أبو نصيرة قال : سمعت أبا عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أتاني جبريل بالحمى والطاعون ، فأمسكت الحمى بالمدينة ، وأرسلت الطاعون إلى الشام ، فالطاعون شهادة لأمتي ، ورحمة لهم ، ورجس على الكافر " وكذا رواه الإمام أحمد ، عن يزيد بن هارون .

[ ص: 278 ] وقال أبو عبد الله بن منده : أنبأنا محمد بن يعقوب ، ثنا محمد بن إسحاق الصاغاني ، ثنا يونس بن محمد ، ثنا حشرج بن نباتة ، حدثني أبو نصيرة البصري ، عن أبي عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا ، فمر بي فدعاني فخرجت إليه ، ثم مر بأبي بكر فدعاه فخرج إليه ، ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه ، ثم انطلق يمشي حتى دخل حائطا لبعض الأنصار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الحائط : " أطعمنا بسرا " فجاء به فوضعه ، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكلوا جميعا ، ثم دعا بماء فشرب منه ، ثم قال : " إن هذا النعيم ، لتسألن يوم القيامة عن هذا " فأخذ عمر العذق ، فضرب به الأرض حتى تناثر البسر ، ثم قال يا نبي الله ، إنا لمسئولون عن هذا يوم القيامة ؟ قال : " نعم إلا من ثلاثة ; خرقة يستر بها الرجل عورته ، أو كسرة يسد بها جوعته ، أو جحر يدخل فيه " يعني من الحر والقر . ورواه الإمام أحمد ، عن سريج ، عن حشرج .

وروى محمد بن سعد في " الطبقات " عن موسى بن إسماعيل ، حدثتنا مسلمة بنت أبان القريعية قالت : سمعت ميمونة بنت أبي عسيب قالت : كان أبو عسيب يواصل بين ثلاث في الصيام ، وكان يصلي الضحى قائما ، [ ص: 279 ] فعجز ، وكان يصوم البيض . قالت ، وكان في سريره جلجل ، فيعجز صوته حتى يناديها به ، فإذا حركه جاءت .

ومنهم أبو كبشة الأنماري . من أنمار مذحج على المشهور ، مولى النبي صلى الله عليه وسلم ، في اسمه أقوال ، أشهرها أن اسمه سليم ، وقيل عمرو بن سعد . وقيل عكسه . وأصله من مولدي أرض دوس ، وكان ممن شهد بدرا . قاله موسى بن عقبة عن الزهري . وذكره ابن إسحاق والبخاري والواقدي ومصعب الزبيري وأبو بكر بن أبي خيثمة . زاد الواقدي : وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد ، وتوفي يوم استخلف عمر بن الخطاب ، وذلك في يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة . وقال خليفة بن خياط وفي سنة ثلاث وعشرين توفي أبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد تقدم عن أبي كبشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر في ذهابه إلى تبوك بالحجر جعل الناس يدخلون بيوتهم ، فنودي أن الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يدخلكم على هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم ؟ " فقال رجل : نعجب منهم يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بأعجب من ذلك ؟ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم ، وما يكون بعدكم " الحديث .

[ ص: 280 ] وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن معاوية بن صالح ، عن أزهر بن سعيد الحرازي ، سمعت أبا كبشة الأنماري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في أصحابه ، فدخل ثم خرج وقد اغتسل ، فقلنا : يا رسول الله ، قد كان شيء ؟ قال : " أجل مرت بي فلانة فوقع في نفسي شهوة النساء ، فأتيت بعض أزواجي فأصبتها ، فكذلك فافعلوا ، فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال " .

وقال أحمد : حدثنا وكيع ثنا الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن أبي كبشة الأنماري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر ; رجل آتاه الله مالا وعلما ، فهو يعمل به في ماله ، وينفقه في حقه ، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا ، فهو يقول : لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فهما في الأجر سواء ، ورجل آتاه الله مالا ، ولم يؤته علما فهو يخبط فيه ينفقه في غير حقه ، ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما ، فهو يقول : لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فهما في الوزر سواء " وهكذا رواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وعلي بن محمد كلاهما عن وكيع . ورواه ابن ماجه أيضا من وجه آخر من حديث منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن ابن أبي كبشة ، [ ص: 281 ] عن أبيه . وسماه بعضهم عبد الله بن أبي كبشة .

وقال أحمد : حدثنا يزيد بن عبد ربه ، ثنا محمد بن حرب ، ثنا الزبيدي ، عن راشد بن سعد ، عن أبي عامر الهوزني ، عن أبي كبشة الأنماري ، أنه أتاه فقال : أطرقني من فرسك ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أطرق مسلما فعقب له الفرس كان له كأجر سبعين فرسا حمل عليه في سبيل الله عز وجل .

وقد روى الترمذي ، عن محمد بن إسماعيل ، عن أبي نعيم ، عن عبادة بن مسلم ، عن يونس بن خباب ، عن سعيد أبي البختري الطائي ، حدثني أبو كبشة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ثلاث أقسم عليهن ، وأحدثكم حديثا فاحفظوه ; ما نقص مال عبد من صدقة ، وما ظلم عبد بمظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا ، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر " الحديث . وقال : حسن صحيح . وقد رواه أحمد ، عن غندر ، عن شعبة ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد عنه .

[ ص: 282 ] وروى أبو داود وابن ماجه من حديث الوليد بن مسلم ، عن ابن ثوبان ، عن أبيه ، عن أبي كبشة الأنماري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحتجم على هامته ، وبين كتفيه .

وروى الترمذي حدثنا حميد بن مسعدة ، ثنا محمد بن حمران ، عن أبي سعيد ، وهو عبد الله بن بسر قال : سمعت أبا كبشة الأنماري يقول : كانت كمام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطحا .

ومنهم أبو مويهبة مولاه ، عليه الصلاة والسلام . وكان من مولدي مزينة ، اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه ، ولا يعرف اسمه رضي الله عنه . وقال مصعب الزبيري شهد أبو مويهبة المريسيع وهو الذي كان يقود لعائشة ، رضي الله عنها ، بعيرها . وقد تقدم ما رواه الإمام أحمد بسنده عنه في ذهابه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل إلى البقيع فوقف عليه الصلاة والسلام ، فدعا لهم ، واستغفر لهم ، ثم قال : " ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس . أتت الفتن كقطع الليل المظلم يركب بعضها بعضا ، الآخرة أشد من الأولى ، فليهنكم ما أنتم فيه " ثم رجع فقال " يا أبا مويهبة ، إني خيرت مفاتيح ما يفتح على أمتي من [ ص: 283 ] بعدي والجنة أو لقاء ربي ، فاخترت لقاء ربي " قال : فما لبث بعد ذلك إلا سبعا أو ثمانيا حتى قبض صلى الله عليه وسلم . فهؤلاء عبيده ، عليه الصلاة والسلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية