صفحة جزء
[ ص: 357 ] فصل

وقد ذكر ابن عساكر من أمنائه أبا عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري أحد العشرة ، رضي الله عنه ، وعبد الرحمن بن عوف الزهري .

قلت : أما أبو عبيدة فقد روى البخاري من حديث أبي قلابة ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح وفي لفظ ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لوفد نجران لأبعثن معكم أمينا حق أمين فبعث معهم أبا عبيدة .

قال : ومنهم معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي مولى بني عبد شمس ، كان على خاتمه ، ويقال : كان خازنه . وقال غيره : أسلم قديما ، وهاجر إلى الحبشة في الثانية ، ثم إلى المدينة وشهد بدرا وما بعدها ، وكان على الخاتم ، واستعمله الشيخان على بيت المال . قالوا : وكان قد أصابه الجذام ، فأمر عمر بن الخطاب ، فدووي بالحنظل فتوقف المرض ، وكانت وفاته في خلافة عثمان ، [ ص: 358 ] وقيل : سنة أربعين . فالله أعلم .

قال الإمام أحمد : ثنا يحيى بن أبي بكير ، ثنا شيبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، حدثني معيقب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد ، قال : إن كنت لا بد فاعلا فواحدة وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث شيبان النحوي ، زاد مسلم : وهشام الدستوائي . زاد الترمذي والنسائي وابن ماجه : والأوزاعي . ثلاثتهم عن يحيى بن أبي كثير به ، وقال الترمذي : حسن صحيح .

وقال الإمام أحمد : ثنا خلف بن الوليد ، ثنا أيوب بن عتبة ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن معيقب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويل للأعقاب من النار تفرد به الإمام أحمد .

وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أبي عتاب سهل بن حماد الدلال ، عن أبي مكين نوح بن ربيعة ، عن إياس بن الحارث بن المعيقب ، عن جده - وكان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم - قال : كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة . قال فربما كان في يدي .

[ ص: 359 ] قلت : أما خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ، فالصحيح أنه كان من فضة ، فصه منه ، كما سيأتي في " الصحيحين " ، وكان قد اتخذ قبله خاتم ذهب ، فلبسه حينا ، ثم رمى به ، وقال : والله لا ألبسه . ثم اتخذ هذا الخاتم من فضة ، فصه منه ، ونقشه : محمد رسول الله . " محمد " سطر ، و " رسول " سطر ، و " الله " سطر ، فكان في يده عليه الصلاة والسلام ، ثم كان في يد أبي بكر من بعده ، ثم في يد عمر ، ثم كان في يد عثمان ، فلبث في يده ست سنين ، ثم سقط منه في بئر أريس ، فاجتهد في تحصيله فلم يقدر عليه . وقد صنف أبو داود ، رحمة الله عليه ، كتابا مستقلا في " سننه " في الخاتم وحده ، وسنورد منه إن شاء الله قريبا ما نحتاج إليه . وبالله المستعان . وأما لبس معيقب لهذا الخاتم فيدل على ضعف ما نقل أنه أصابه الجذام ، كما ذكره ابن عبد البر وغيره ، لكنه مشهور ، فلعله أصابه ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم أو كان به وكان مما لا يعدى منه ، أو كان ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم; لقوة توكله ، كما قال لذلك المجذوم - ووضع يده في القصعة - كل ثقة بالله ، وتوكلا عليه رواه أبو داود . وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فر من المجذوم فرارك من الأسد والله أعلم .

وأما أمراؤه عليه الصلاة والسلام فقد ذكرناهم عند بعث [ ص: 360 ] السرايا منصوصا على أسمائهم ، ولله الحمد ، والمنة .

وأما جملة الصحابة ، فقد اختلف الناس في عدتهم ، فنقل عن أبي زرعة أنه قال : يبلغون مائة ألف وعشرين ألفا . وعن الشافعي رحمه الله ، أنه قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمسلمون ممن سمع منه ورآه زهاء ستين ألفا . وقال الحاكم أبو عبد الله : يروى الحديث عن قريب من خمسة آلاف صحابي .

قلت : والذي روى عنهم الإمام أحمد ، مع كثرة روايته واطلاعه واتساع رحلته وإمامته ، من الصحابة تسعمائة وسبعة وثمانون نفسا ، ووقع في الكتب الستة من الزيادات على ذلك قريب من ثلاثمائة صحابي أيضا ، وقد اعتنى جماعة من الحفاظ ، رحمهم الله ، بضبط أسمائهم ، وذكر أيامهم ، ووفياتهم ، من أجلهم الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري في كتابه " الاستيعاب " ، وأبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده ، وأبو موسى المديني ، ثم نظم جميع ذلك الحافظ عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري المعروف بابن الأثير ، صنف كتابه " الغابة " في ذلك ، فأجاد وأفاد ، وجمع وحصل ، ونال ما رام وأمل ، فرحمه الله وأثابه ، وجمعه والصحابة آمين يا رب العالمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية