صفحة جزء
[ ص: 361 ] باب ما يذكر من آثار النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يختص بها في حياته من ثياب وسلاح ومراكب وغير ذلك مما يجري في مجراه وينتظم في معناه

ذكر الخاتم الذي كان يلبسه عليه الصلاة والسلام ومن أي شيء كان من الأجسام

وقد أفرد له أبو داود في كتابه " السنن " كتابا على حدة ، ولنذكر عيون ما ذكره في ذلك مع ما نضيفه إليه ، والمعول في أصل ما نذكره عليه .

قال أبو داود : حدثنا عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي ، حدثنا عيسى ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى بعض الأعاجم ، فقيل له : إنهم لا يقرؤن كتابا إلا بخاتم . فاتخذ خاتما من فضة ، ونقش فيه محمد رسول الله . وهكذا رواه البخاري ، عن عبد الأعلى بن حماد ، عن يزيد بن زريع ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة به .

[ ص: 362 ] ثم قال أبو داود : حدثنا وهب بن بقية ، عن خالد ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، بمعنى حديث عيسى بن يونس ، زاد : فكان في يده حتى قبض ، وفي يد أبي بكر حتى قبض ، وفي يد عمر حتى قبض ، وفي يد عثمان ، فبينما هو عند بئر إذ سقط في البئر ، فأمر بها فنزحت ، فلم يقدر عليه . تفرد به أبو داود من هذا الوجه .

ثم قال أبو داود ، رحمه الله : حدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن صالح ، قالا : أنا ابن وهب ، أخبرني يونس عن ابن شهاب قال : حدثني أنس قال : كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من ورق ، فصه حبشي . وقد روى هذا الحديث البخاري من حديث الليث ، ومسلم من حديث ابن وهب ، وطلحة بن يحيى الأنصاري ، وسليمان بن بلال ، زاد النسائي وابن ماجه : وعثمان بن عمر ، خمستهم عن يونس بن يزيد الأيلي به . وقال الترمذي : حسن صحيح غريب من هذا الوجه .

ثم قال أبو داود : حدثنا أحمد بن يونس ، ثنا زهير ، ثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال : كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من فضة كله ، فصه منه . وقد رواه [ ص: 363 ] الترمذي والنسائي من حديث زهير بن معاوية الجعفي أبي خيثمة الكوفي به ، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب من هذا الوجه .

وقال البخاري : ثنا أبو معمر ، ثنا عبد الوارث ، ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال : اصطنع رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما ، فقال : إنا اتخذنا خاتما ، ونقشنا فيه نقشا ، فلا ينقش عليه أحد قال : فإني أرى بريقه في خنصره .

ثم قال أبو داود : حدثنا نصير بن الفرج ، ثنا أبو أسامة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب ، وجعل فصه مما يلي بطن كفه ، ونقش فيه : محمد رسول الله ، فاتخذ الناس خواتم الذهب ، فلما رآهم قد اتخذوها رمى به ، وقال : لا ألبسه أبدا ثم اتخذ خاتما من فضة نقش فيه : محمد رسول الله ، ثم لبس الخاتم بعده أبو بكر ، ثم لبسه بعد أبي بكر عمر ، ثم لبسه بعده عثمان حتى وقع في بئر أريس . وقد رواه البخاري . عن يوسف بن موسى ، عن أبي أسامة حماد بن أسامة به .

ثم قال أبو داود : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن أيوب بن موسى ، عن نافع ، عن ابن عمر في هذا الخبر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فنقش [ ص: 364 ] فيه : محمد رسول الله . وقال لا ينقش أحد على خاتمي هذا وساق الحديث ، وقد رواه مسلم وأهل السنن الأربعة من حديث سفيان بن عيينة به نحوه .

ثم قال أبو داود : حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ثنا أبو عاصم ، عن المغيرة بن زياد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، في هذا الخبر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فالتمسوه فلم يجدوه ، فاتخذ عثمان خاتما ، ونقش فيه : محمد رسول الله . قال : فكان يختم به أو يتختم به . ورواه النسائي ، عن محمد بن معمر ، عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل به .

ثم قال أبو داود : باب في ترك الخاتم . حدثنا محمد بن سليمان لوين ، عن إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك ، أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا ، فصنع الناس فلبسوا ، وطرح النبي صلى الله عليه وسلم فطرح الناس . ثم قال : رواه عن الزهري زياد بن سعد وشعيب وابن مسافر ، كلهم قال : من ورق .

قلت : وقد رواه البخاري : حدثنا يحيى بن بكير ، ثنا الليث ، عن يونس ، [ ص: 365 ] عن ابن شهاب قال : حدثني أنس بن مالك أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا ، ثم إن الناس اصطنعوا الخواتيم من ورق ولبسوها ، فطرح رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه ، فطرح الناس خواتيمهم . ثم علقه البخاري عن إبراهيم بن سعد الزهري المدني ، وشعيب بن أبي حمزة ، وزياد بن سعد الخراساني . وأخرجه مسلم من حديثه ، وانفرد أبو داود بعبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، كلهم عن الزهري ، كما قال أبو داود : خاتما من ورق .

والصحيح أن الذي لبسه يوما واحدا ، ثم رمى به إنما هو خاتم الذهب لا خاتم الورق; لما ثبت في " الصحيحين " عن مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس خاتما من ذهب ، فنبذه وقال لا ألبسه أبدا فنبذ الناس خواتيمهم . وقد كان خاتم الفضة يلبسه كثيرا ، ولم يزل في يده حتى توفي صلوات الله وسلامه عليه ، وكان فصه منه ، يعني ليس فيه فص ينفصل عنه ، ومن روى أنه كان فيه صورة شخص فقد أبعد وأخطأ ، بل كان فضة كله ، وفصه منه ونقشه : محمد رسول الله ثلاثة أسطر " محمد " سطر " رسول " سطر " الله " سطر . وكأنه والله أعلم كان منقوشا وكتابته مقلوبة ليطبع على الاستقامة ، كما جرت العادة بهذا ، وقد قيل : إن كتابته كانت مستقيمة . وتطبع كذلك . وفي صحة هذا نظر ، ولست أعرف لذلك إسنادا لا صحيحا ولا ضعيفا .

[ ص: 366 ] وهذه الأحاديث التي أوردناها أنه عليه الصلاة والسلام كان له خاتم من فضة ، ترد الأحاديث التي قدمناها في سنني أبي داود والنسائي من طريق أبي عتاب سهل بن حماد الدلال ، عن أبي مكين نوح بن ربيعة ، عن إياس بن الحارث بن معيقب بن أبي فاطمة ، عن جده قال : كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي ، عليه فضة . ومما يزيده ضعفا الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي طيبة عبد الله بن مسلم السلمي المروزي ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من شبه ، فقال : مالي أجد منك ريح الأصنام؟ فطرحه ، ثم جاء وعليه خاتم من حديد ، فقال " مالي أرى عليك حلية أهل النار؟ " فطرحه ، ثم قال : يا رسول الله من أي شيء أتخذه؟ قال : " اتخذه من ورق ، ولا تتمه مثقالا " . وقد كان عليه الصلاة والسلام يلبسه في يده اليمنى . كما رواه أبو داود ، والترمذي في " الشمائل " ، والنسائي من حديث شريك القاضي ، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه ، عن علي ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال شريك : وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله [ ص: 367 ] صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه . وروى : في اليسرى; رواه أبو داود من حديث عبد العزيز بن أبي رواد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يساره ، وكان فصه في باطن كفه . قال أبو داود : رواه أبو إسحاق وأسامة بن زيد عن نافع : في يمينه .

وحدثنا هناد ، عن عبدة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، أن ابن عمر كان يلبس خاتمه في يده اليسرى .

ثم قال أبو داود : حدثنا عبد الله بن سعيد ، ثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق قال : رأيت على الصلت بن عبد الله بن نوفل بن عبد المطلب خاتما في خنصره اليمنى ، فقلت : ما هذا؟ فقال : رأيت ابن عباس يلبس خاتمه هكذا ، وجعل فصه على ظهرها . قال : ولا يخال ابن عباس إلا قد كان يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتمه كذلك . وهكذا رواه الترمذي من حديث محمد بن إسحاق به ، ثم قال محمد بن إسماعيل ، يعني البخاري : حديث ابن إسحاق عن الصلت حديث حسن .

وقد روى الترمذي في " الشمائل " ، عن أنس ، وعن جابر ، وعن عبد الله بن جعفر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في اليمين .

[ ص: 368 ] وقال البخاري : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، ثنا أبي ، عن ثمامة ، عن أنس بن مالك ، أن أبا بكر لما استخلف كتب له ، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر; " محمد " سطر و " رسول " سطر و " الله " سطر .

قال أبو عبد الله : وزادني أحمد : ثنا الأنصاري ، حدثني أبي ، ثنا ثمامة ، عن أنس قال : كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في يده ، وفي يد أبي بكر بعده ، وفي يد عمر بعد أبي بكر . قال : فلما كان عثمان جلس على بئر أريس ، فأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط . قال : فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان ، فنزح البئر فلم نجده .

فأما الحديث الذي رواه الترمذي في " الشمائل " ; حدثنا قتيبة ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اتخذ خاتما من فضة ، فكان يختم به ولا يلبسه . فإنه حديث غريب جدا . وفي " السنن " من حديث ابن جريج ، عن الزهري ، عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية