صفحة جزء
ذكر أفراسه ومراكيبه عليه الصلاة والسلام

قال ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد بن عبد الله اليزني ، عن عبد الله بن زرير ، عن علي قال : كان للنبي صلى الله عليه وسلم فرس يقال له : [ ص: 379 ] المرتجز . وحمار يقال له : عفير . وبغلة يقال لها : دلدل . وسيفه ذو الفقار ، ودرعه ذو الفضول . ورواه البيهقي من حديث الحكم ، عن يحيى بن الجزار ، عن علي نحوه . قال البيهقي : وروينا في كتاب " السنن " أسماء أفراسه التي كانت عند الساعديين; لزازا واللحيف ، وقيل : اللخيف . والظرب . والذي ركبه لأبي طلحة يقال له : المندوب . وناقته القصواء والعضباء والجدعاء ، وبغلته الشهباء والبيضاء . قال البيهقي : وليس في شيء من الروايات أنه مات عنهن إلا ما روينا في بغلته البيضاء وسلاحه ، وأرض جعلها صدقة ، ومن ثيابه ، ونعليه ، وخاتمه ، وما روينا في هذا الباب .

وقال أبو داود الطيالسي : ثنا زمعة بن صالح ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وله جبة صوف في الحياكة . وهذا إسناد جيد .

وقد روى الحافظ أبو يعلى في " مسنده " : حدثنا مجاهد بن موسى ، ثنا علي بن ثابت ، ثنا غالب الجزري ، عن أنس قال : لقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنه لينسج له كساء من صوف . وهذا شاهد لما قبله .

وقال أبو سعيد بن الأعرابي : حدثنا سعدان بن نصر ، ثنا سفيان بن [ ص: 380 ] عيينة ، عن الوليد بن كثير ، عن حسن بن حسين ، عن فاطمة بنت الحسين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وله بردان في الجف يعملان . وهذا مرسل .

وقال أبو القاسم الطبراني : ثنا الحسين بن إسحاق التستري ، ثنا أبو أمية عمرو بن هشام الحراني ، ثنا عثمان بن عبد الرحمن ، عن علي بن عروة ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء وعمرو بن دينار ، عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيف قائمته من فضة وقبيعته من فضة ، وكان يسمى ذا الفقار ، وكان له قوس تسمى السداد ، وكانت له كنانة تسمى الجمع ، وكانت له درع موشحة بالنحاس تسمى ذات الفضول ، وكانت له حربة تسمى النبعاء ، وكان له مجن يسمى الذقن ، وكان له ترس أبيض يسمى الموجز ، وكان له فرس أدهم يسمى السكب ، وكان له سرج يسمى الداج ، وكان له بغلة شهباء يقال لها : دلدل . وكانت له ناقة تسمى القصواء ، وكان له حمار يقال له : يعفور . وكان له بساط يسمى الكر ، وكانت له عنزة تسمى النمر ، وكانت له ركوة تسمى الصادر ، وكانت له مرآة تسمى المرآة ، وكان له مقراض [ ص: 381 ] يسمى الجامع ، وكان له قضيب شوحط يسمى الممشوق . وهذا غريب جدا .

قلت : قد تقدم عن غير واحد من الصحابة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك دينارا ، ولا درهما ، ولا عبدا ، ولا أمة ، سوى بغلة ، وأرض جعلها صدقة ، وهذا يقتضي أنه عليه الصلاة والسلام ، نجز العتق في جميع ما ذكرناه من العبيد والإماء ، والصدقة في جميع ما ذكر من السلاح والحيوانات والأثاث والمتاع مما أوردناه وما لم نورده ، فأما بغلته فهي الشهباء ، وهي البيضاء أيضا . والله أعلم . وهي التي أهداها له المقوقس صاحب الإسكندرية - واسمه جريج بن مينا - فيما أهدى من التحف ، وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبها يوم حنين وهو في نحور العدو ينوه باسمه الكريم شجاعة وتوكلا على الله عز وجل ، فقد قيل : إنها عمرت بعده حتى كانت عند علي بن أبي طالب في أيام خلافته ، وتأخرت أيامها حتى كانت بعد علي عند عبد الله بن جعفر ، فكان يجش لها الشعير حتى تأكله من ضعفها بعد ذلك . وأما حماره يعفور ، ويصغر فيقال : عفير . فقد كان عليه الصلاة والسلام يركبه في بعض الأحايين .

وقد روى أحمد من حديث محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد بن عبد الله اليزني ، عن عبد الله بن زرير ، عن علي قال : كان [ ص: 382 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب حمارا يقال له : عفير . ورواه أبو يعلى من حديث عون بن عبد الله ، عن ابن مسعود . وقد ورد في أحاديث عدة أنه عليه الصلاة والسلام ركب الحمار .

وفي " الصحيحين " أنه عليه الصلاة والسلام ، مر وهو راكب حمارا بمجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول ، وأخلاط من المسلمين ، والمشركين عبدة الأوثان ، واليهود ، فنزل ودعاهم إلى الله عز وجل ، وذلك قبل وقعة بدر وكان قد عزم على عيادة سعد بن عبادة ، فقال له عبد الله : لا أحسن مما تقول أيها المرء ، فإن كان حقا فلا تغشنا به في مجالسنا . وذلك قبل أن يظهر الإسلام ، ويقال : إنه خمر أنفه لما غشيتهم عجاجة الدابة ، وقال : لا تؤذنا بنتن حمارك . فقال له عبد الله بن رواحة والله لريح حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب من ريحك . وقال عبد الله : بل يا رسول الله ، اغشنا به في مجالسنا ، فإنا نحب ذلك . فتثاور الحيان ، وهموا أن يقتتلوا ، فسكنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذهب إلى سعد بن عبادة فشكى إليه عبد الله بن أبي ، فقال : ارفق به يا رسول الله ، فوالذي أكرمك بالحق لقد بعثك الله بالحق وإنا لننظم له الخرز ; لنتوجه علينا ، فلما جاء الله بالحق الذي بعثك به شرق بريقه .

وقد قدمنا أنه ركب الحمار في بعض أيام خيبر وجاء أنه أردف معاذا على حمار ، ولو أوردناها بألفاظها وأسانيدها لطال الفصل . والله أعلم .

[ ص: 383 ] فأما ما ذكره القاضي عياض بن موسى السبتي في كتابه " الشفا " ، وذكره قبل إمام الحرمين في كتابه الكبير في أصول الدين وغيرهما ، أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمار يسمى زياد بن شهاب ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعثه ; ليطلب له بعض أصحابه فيجيء إلى باب أحدهم فيقعقعه ، فيعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبه ، وأنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه سلالة سبعين حمارا ، كل منها ركبه نبي ، وأنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب فتردى في بئر فمات . فهو حديث لا يعرف له إسناد بالكلية ، وقد أنكره غير واحد من الحفاظ ، منهم عبد الرحمن بن أبي حاتم وأبوه ، رحمهما الله ، وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي ، رحمه الله ، ينكره غير مرة إنكارا شديدا .

وقال الحافظ أبو نعيم في كتاب " دلائل النبوة " : ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى العنبري ، ثنا أحمد بن محمد بن يوسف ، ثنا إبراهيم بن سويد الجذوعي ، حدثني عبد الله بن أذينة الطائي ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن معاذ بن جبل قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو بخيبر حمار أسود فوقف بين يديه ، فقال " من أنت ؟ " قال : أنا عمرو بن فلان ، كنا سبعة إخوة كلنا ركبنا الأنبياء وأنا أصغرهم ، وكنت لك ، فملكني رجل من اليهود ، فكنت إذا ذكرتك كبوت به فيوجعني ضربا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأنت يعفور " . هذا حديث غريب جدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية