صفحة جزء
[ ص: 488 ] ذكر مزاحه عليه الصلاة والسلام

قال ابن لهيعة حدثني عمارة بن غزية ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس مع صبي . وقد تقدم حديثه في ملاعبته أخاه أبا عمير ، وقوله : أبا عمير ، ما فعل النغير ؟ يذكره بموت نغر كان يلعب به ؛ ليخرجه بذلك ، كما جرت به عادة الناس من المداعبة مع الأطفال الصغار .

وقال الإمام أحمد : ثنا خلف بن الوليد ، ثنا خالد بن عبد الله ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستحمله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنا حاملوك على ولد ناقة " فقال : يا رسول الله ما أصنع بولد ناقة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وهل تلد الإبل إلا النوق! " . ورواه أبو داود عن وهب بن بقية ، والترمذي عن قتيبة ، كلاهما عن خالد بن عبد الله الواسطي الطحان به . وقال الترمذي : صحيح غريب .

[ ص: 489 ] وقال أبو داود في هذا الباب : ثنا يحيى بن معين ، ثنا حجاج بن محمد ، ثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن العيزار بن حريث ، عن النعمان بن بشير قال : استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم ، فسمع صوت عائشة عاليا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما دخل تناولها ليلطمها ، وقال : ألا أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يحجزه ، وخرج أبو بكر مغضبا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج أبو بكر : " كيف رأيتني أنقذتك من الرجل ؟ " فمكث أبو بكر أياما ، ثم استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهما قد اصطلحا ، فقال لهما : أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قد فعلنا قد فعلنا " .

ثم قال أبو داود : ثنا مؤمل بن الفضل ، ثنا الوليد بن مسلم ، عن عبد الله بن العلاء ، عن بسر بن عبيد الله ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن عوف بن مالك الأشجعي قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم ، فسلمت فرد وقال : " ادخل " . فقلت : أكلي يا رسول الله ؟ فقال : " كلك " . فدخلت . .

[ ص: 490 ] وحدثنا صفوان بن صالح ، ثنا الوليد ، ثنا عثمان بن أبي العاتكة ، إنما قال : أدخل كلي ؟ من صغر القبة .

ثم قال أبو داود : ثنا إبراهيم بن مهدي ، ثنا شريك ، عن عاصم ، عن أنس قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ذا الأذنين .

قلت : ومن هذا القبيل ما رواه الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق : ، ثنا معمر ، عن ثابت ، عن أنس ، أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا ، وكان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية ، فيجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن زاهرا باديتنا ، ونحن حاضروه " . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه ، وكان رجلا دميما ، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره ، فقال الرجل : أرسلني ، من هذا ؟ فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من يشتري العبد ؟ " فقال : يا رسول الله ، إذن والله تجدني كاسدا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكن عند الله لست بكاسد " أو قال : " لكن عند الله أنت غال " وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات على شرط " الصحيحين " ، ولم يروه إلا الترمذي في " الشمائل " ، عن إسحاق بن [ ص: 491 ] منصور ، عن عبد الرزاق . ورواه ابن حبان في " صحيحه " .

ومن هذا القبيل ما رواه البخاري في " صحيحه " أن رجلا كان يقال له : عبد الله . وكان يلقب حمارا ، وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان يؤتى به في الشراب ، فجيء به يوما ، فقال رجل : لعنه الله ، ما أكثر ما يؤتى به . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " " لا تلعنه ؛ فإنه يحب الله ورسوله " .

ومن هذا ما قال الإمام أحمد : ثنا حجاج ، حدثني شعبة ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مسير ، وكان حاد يحدو بنسائه أو سائق . قال : فكان نساؤه يتقدمن بين يديه ، فقال : " يا أنجشة ، ويحك ، ارفق بالقوارير " .

وهذا الحديث في " الصحيحين " عن أنس قال : كان للنبي صلى الله عليه وسلم حاد يحدو بنسائه يقال له : أنجشة . فحدا ، فأعنقت الإبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويحك يا أنجشة ، ارفق بالقوارير " ومعنى القوارير : النساء ، وهي كلمة دعابة ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين .

ومن مكارم أخلاقه ودعابته وحسن خلقه ، استماعه عليه الصلاة والسلام [ ص: 492 ] حديث أم زرع من عائشة بطوله ، ووقع في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي قصه على عائشة .

ومن هذا ما رواه الإمام أحمد ، ثنا أبو النضر ، ثنا أبو عقيل - يعني عبد الله بن عقيل الثقفي . ثقة - حدثنا مجالد بن سعيد ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ذات ليلة حديثا ، فقالت امرأة منهن : يا رسول الله ، كان الحديث حديث خرافة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتدرين ما خرافة ؟ إن خرافة كان رجلا من عذرة أسرته الجن في الجاهلية ، فمكث فيهم دهرا طويلا ، ثم ردوه إلى الإنس ، فكان يحدث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب ، فقال الناس : حديث خرافة " وقد رواه الترمذي في " الشمائل " عن الحسن بن الصباح البزار ، عن أبي النضر هاشم بن القاسم به . قلت : وهو من غرائب الأحاديث ، وفيه نكارة ، ومجالد بن سعيد يتكلمون فيه . فالله أعلم .

وقال الترمذي في باب مزاح النبي صلى الله عليه وسلم من كتابه " الشمائل " : ثنا [ ص: 493 ] عبد بن حميد ، ثنا مصعب بن المقدام ، ثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن قال : أتت عجوز النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، ادع الله لي أن يدخلني الجنة . فقال : " يا أم فلان ، إن الجنة لا تدخلها عجوز " . قال : فولت العجوز تبكي ، فقال : " أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز ؛ إن الله تعالى يقول : " إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا " [ الواقعة : 35 - 37 ] وهذا مرسل من هذا الوجه .

وقال الترمذي : ثنا عباس بن محمد الدوري ، ثنا علي بن الحسن بن شقيق ، ثنا عبد الله بن المبارك ، عن أسامة بن زيد ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قالوا : يا رسول الله ، إنك تداعبنا . قال : " إني لا أقول إلا حقا " تداعبنا يعني تمازحنا . وهكذا رواه الترمذي في " جامعه " في باب البر ، بهذا الإسناد ، ثم قال : وهذا حديث حسن صحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية