صفحة جزء
[ ص: 494 ] باب زهده عليه الصلاة والسلام ، وإعراضه عن هذه الدار وإقباله واجتهاده وعمله لدار القرار

قال الله تعالى : ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى [ طه : 131 ] وقال تعالى : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا [ الكهف : 28 ] وقال تعالى : فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم [ النجم : 30 ، 29 ] وقال تعالى : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين [ الحجر : 88 ، 87 ] والآيات في هذا كثيرة .

وأما الأحاديث ؛ فقال يعقوب بن سفيان : حدثني أبو العباس حيوة بن شريح أنا بقية ، عن الزبيدي ، عن الزهري ، عن محمد بن عبد الله [ ص: 495 ] بن عباس قال : كان ابن عباس يحدث أن الله أرسل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ملكا من الملائكة معه جبريل ، فقال الملك لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا ، وبين أن تكون ملكا نبيا . فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير له ، فأشار جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تواضع . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل أكون عبدا نبيا " قال : فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا حتى لقي الله عز وجل . وهكذا رواه البخاري في " التاريخ " عن حيوة بن شريح ، وأخرجه النسائي عن عمرو بن عثمان ، كلاهما عن بقية بن الوليد به ، وأصل هذا الحديث في " الصحيح " بنحو من هذا اللفظ .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن فضيل ، عن عمارة ، عن أبي زرعة ، ولا أعلمه إلا عن أبي هريرة قال : جلس جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى السماء فإذا ملك ينزل فقال جبريل : إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق ، قبل الساعة . فلما نزل قال : يا محمد ، أرسلني إليك ربك ؛ أفملكا نبيا يجعلك أو عبدا رسولا . هكذا وجدته بالنسخة التي عندي " بالمسند " مقتصرا ، وهو من أفراده من هذا الوجه .

وثبت في " الصحيحين " من حديث ابن عباس ، عن عمر بن الخطاب في حديث إيلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه أن لا يدخل عليهن شهرا ، واعتزل عنهن في علية ، فلما دخل عليه عمر في تلك العلية ، فإذا ليس فيها سوى صبرة من [ ص: 496 ] قرظ ، وآهبة معلقة ، وصبرة من شعير ، وإذا هو مضطجع على رمال حصير قد أثر في جنبه ، فهملت عينا عمر ، فقال : " ما لك " . فقلت : يا رسول الله ، أنت صفوة الله من خلقه ، وكسرى وقيصر فيما هما فيه! فجلس محمرا وجهه ، فقال : أوفي شك أنت يا بن الخطاب ؟ " ثم قال : " أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا " . وفي رواية لمسلم : " أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ، ولنا الآخرة ؟ " فقلت : بلى يا رسول الله . قال : " فاحمد الله عز وجل " ، ثم لما انقضى الشهر أمره الله عز وجل ، أن يخير أزواجه ، وأنزل عليه قوله : يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما [ الأحزاب : 28 ، 29 ] . وقد ذكرنا هذا مبسوطا في كتابنا " التفسير " وأنه بدأ بعائشة ، فقال لها : إني ذاكر لك أمرا ، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ، وتلا عليها هذه الآية . قالت : فقلت : أفي هذا أستأمر أبوي ؟! فإني أختار الله ورسوله والدار الآخرة . وكذلك قال سائر أزواجه ، عليه الصلاة والسلام ، ورضي الله عنهن .

وقال مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن أنس قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو على سرير مرمول بالشريط ، وتحت رأسه وسادة من أدم ، حشوها [ ص: 497 ] ليف ، ودخل عليه عمر ، وناس من الصحابة ، فانحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم انحرافة ، فرأى عمر أثر الشريط في جنبه فبكى ، فقال له : " ما يبكيك يا عمر ؟ " قال : وما لي لا أبكي ، وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا ، وأنت على الحال الذي أرى ؟ فقال : " يا عمر ، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟ " قال : بلى . قال : " هو كذلك " هكذا رواه البيهقي .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، ثنا مبارك ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو على سرير مضطجع مرمل بشريط ، وتحت رأسه وسادة من أدم ، حشوها ليف ، فدخل عليه نفر من أصحابه ، ودخل عمر فانحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم انحرافة ، فلم ير عمر بين جنبه وبين الشريط ثوبا ، وقد أثر الشريط بجنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى عمر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يبكيك يا عمر ؟ " قال : والله ما أبكي إلا أكون أعلم أنك أكرم على الله من كسرى وقيصر ، وهما يعيشان في الدنيا فيما يعيشان فيه ، وأنت يا رسول الله في المكان الذي أرى! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ، ولنا الآخرة ؟ " قال : بلى . قال : " فإنه كذلك " .

وقال أبو داود الطيالسي : ثنا المسعودي ، عن عمرو بن مرة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن ابن مسعود قال : اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير ، فأثر الحصير بجلده ، فجعلت أمسحه ، وأقول : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ألا [ ص: 498 ] آذنتنا فنبسط لك شيئا يقيك منه تنام عليه ؟ فقال : " ما لي وللدنيا ، ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها " ورواه ابن ماجه ، عن يحيى بن حكيم ، عن أبي داود الطيالسي ، وأخرجه الترمذي ، عن موسى بن عبد الرحمن الكندي ، عن زيد بن الحباب ، كلاهما عن المسعودي به ، وقال الترمذي : حسن صحيح .

وقد رواه الإمام أحمد من حديث ابن عباس ، فقال : حدثنا عبد الصمد وأبو سعيد وعفان ، قالوا : ثنا ثابت ، ثنا هلال ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبه ، فقال : يا رسول الله ، لو اتخذت فراشا أوثر من هذا . فقال " ما لي وللدنيا ، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف ، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ، ثم راح وتركها . تفرد به أحمد .

وفي " صحيح البخاري " من حديث الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن لي مثل أحد ذهبا ما سرني أن تأتي علي ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين " .

وفي " الصحيحين " من حديث عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن [ ص: 499 ] أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا " .

فأما الحديث الذي رواه ابن ماجه من حديث يزيد بن سنان ، عن أبي المبارك ، عن عطاء ، عن أبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم أحيني مسكينا ، وأمتني مسكينا ، واحشرني في زمرة المساكين " فإنه حديث ضعيف لا يثبت من جهة إسناده ؛ لأن فيه يزيد بن سنان أبا فروة الرهاوي ، وهو ضعيف جدا . والله أعلم .

وقد رواه الترمذي من وجه آخر فقال : حدثنا عبد الأعلى بن واصل الكوفي ، ثنا ثابت بن محمد العابد الكوفي ، حدثنا الحارث بن النعمان الليثي ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم أحيني مسكينا ، وأمتني مسكينا ، واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة " فقالت عائشة : لم يا رسول الله ؟ قال : " إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا ، يا عائشة ، لا تردي المسكين ولو بشق تمرة ، يا عائشة ، حبي المساكين وقربيهم ؛ فإن الله يقربك يوم القيامة " ثم قال : هذا حديث غريب . قلت : وفي إسناده ضعف ، وفي متنه نكارة . والله أعلم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد قال : حدثنا أبو عبد الرحمن ، يعني ابن عبد الله بن دينار ، عن أبي حازم ، عن [ ص: 500 ] سهل بن سعد ، أنه قيل له : هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي بعينه ، يعني الحوارى ؟ فقال له : ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي بعينه حتى لقي الله عز وجل . فقيل له : هل كانت لكم مناخل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : ما كانت لنا مناخل . فقيل له : فكيف كنتم تصنعون بالشعير ؟ قال : ننفخه فيطير منه ما طار . وهكذا رواه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار به . وزاد : ثم نثريه ، ونعجنه . ثم قال : حسن صحيح ، وقد رواه مالك عن أبي حازم . قلت : وقد رواه البخاري ، عن سعيد بن أبي مريم ، عن محمد بن مطرف أبي غسان المدني ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد به . ورواه البخاري أيضا والنسائي ، عن قتيبة ، عن يعقوب بن عبد الرحمن القاري ، عن أبي حازم ، عن سهل به .

وقال الترمذي : حدثنا عباس بن محمد الدوري ، ثنا يحيى بن أبي بكير ، ثنا جرير بن عثمان ، عن سليم بن عامر ، سمعت أبا أمامة يقول : ما كان يفضل عن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خبز الشعير . ثم قال : حسن صحيح [ ص: 501 ] غريب .

وقال الإمام أحمد : ثنا يحيى بن سعيد ، عن يزيد بن كيسان ، حدثني أبو حازم قال : رأيت أبا هريرة يشير بأصبعه مرارا : والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وأهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا . ورواه مسلم والترمذي وابن ماجه من حديث يزيد بن كيسان .

وفي " الصحيحين " من حديث جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدموا المدينة ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى مضى لسبيله .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، ثنا محمد بن طلحة ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : ما شبع آل محمد ثلاثا من خبز بر حتى قبض ، وما رفع من مائدته كسرة قط حتى قبض .

وقال أحمد : ثنا محمد بن عبيد ، ثنا مطيع الغزال ، عن كردوس ، عن عائشة قالت : قد مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبيله ، وما شبع أهله ثلاثة أيام من طعام بر .

[ ص: 502 ] وقال الإمام أحمد : ثنا حسين ، ثنا دويد ، عن أبي سهل ، عن سليمان بن رومان مولى عروة ، عن عروة ، عن عائشة ، أنها قالت : والذي بعث محمدا بالحق ما رأى منخلا ، ولا أكل خبزا منخولا منذ بعثه الله عز وجل ، إلى أن قبض . قلت : كيف كنتم تأكلون الشعير ؟ قالت : كنا نقول : أف . تفرد به أحمد من هذا الوجه .

وروى البخاري ، عن محمد بن كثير ، عن الثوري ، عن عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : إن كنا لنخرج الكراع بعد خمسة عشر يوما فنأكله . قلت : ولم تفعلون ذلك ؟ فضحكت وقالت : ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز بر مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق بالله عز وجل .

وقال أحمد : ثنا يحيى ، ثنا هشام ، أخبرني أبي ، عن عائشة قالت : كان يأتي على آل محمد صلى الله عليه وسلم الشهر ما يوقدون فيه نارا ، ليس إلا التمر والماء إلا أن نؤتى باللحم .

[ ص: 503 ] وفي " الصحيحين " من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، أنها قالت : إن كنا آل محمد ليمر بنا الهلال ما نوقد نارا ، إنما هو الأسودان ؛ التمر والماء ، إلا أنه كان حولنا أهل دور من الأنصار يبعثون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن منائحهم فيشرب ويسقينا من ذلك اللبن . ورواه أحمد ، عن يزيد ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عنها بنحوه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عياش وحسين بن محمد ، قالا : ثنا محمد بن مطرف قال : ثنا أبو حازم ، قال حسين : عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : كان يمر برسول الله صلى الله عليه وسلم هلال وهلال ما يوقد في بيت من بيوته نار . قال : قلت : يا خالة على أي شيء كنتم تعيشون ؟ قالت : على الأسودين ؛ التمر والماء . تفرد به أحمد .

وقال أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض . وقد رواه مسلم من حديث شعبة .

[ ص: 504 ] وقال الإمام أحمد : ثنا إسماعيل ، حدثني سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال قال : قالت عائشة : بعث إلينا آل أبي بكر بقائمة شاة ليلا ، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقطعت ، أو أمسكت وقطع . فقال الذي تحدثه : أعلى غير مصباح ؟ فقالت : لو كان عندنا مصباح لأتدمنا به ، إن كان ليأتي على آل محمد صلى الله عليه وسلم الشهر ما يختبزون خبزا ولا يطبخون قدرا . وقد رواه أيضا ، عن بهز بن أسد ، عن سليمان بن المغيرة ، وفي رواية : شهرين . تفرد به أحمد .

وقال الإمام أحمد : ثنا خلف ، ثنا أبو معشر ، عن سعيد ، هو ابن أبي سعيد ، عن أبي هريرة قال : كان يمر بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال ثم هلال لا يوقدون في بيوتهم النار لا لخبز ولا لطبيخ . قالوا : بأي شيء كانوا يعيشون يا أبا هريرة ؟ قال : الأسودان ؛ التمر والماء ، وكان لهم جيران من الأنصار ، جزاهم الله خيرا ، لهم منائح يرسلون إليهم شيئا من لبن . تفرد به أحمد .

وفي " صحيح مسلم " من حديث منصور بن عبد الرحمن الحجبي ، عن أمه ، عن عائشة قالت : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد شبع الناس من الأسودين ؛ التمر والماء .

[ ص: 505 ] وقال ابن ماجه : حدثنا سويد بن سعيد ، ثنا علي بن مسهر ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بطعام سخن فأكل ، فلما فرغ قال : " الحمد لله ما دخل بطني طعام سخن منذ كذا وكذا " .

وقال الإمام أحمد : ثنا عبد الصمد ، ثنا عمار أبو هاشم صاحب الزعفراني ، عن أنس بن مالك ، أن فاطمة ناولت رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرة من خبز شعير ، فقال : " هذا أول طعام أكله أبوك منذ ثلاثة أيام " تفرد به أحمد . وروى الإمام أحمد عن عفان ، والترمذي وابن ماجه جميعا عن عبد الله بن معاوية ، كلاهما عن ثابت بن يزيد ، عن هلال بن خباب العبدي الكوفي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبيت الليالي المتتابعة طاويا ، وأهله لا يجدون عشاء ، وكان عامة خبزهم خبز الشعير . وهذا لفظ أحمد .

وقال الترمذي في " الشمائل " : ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، ثنا عمر بن حفص بن غياث ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي يحيى الأسلمي ، عن يزيد بن أبي أمية الأعور ، عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز الشعير ، فوضع عليها تمرة ، وقال : " هذه إدام هذه " وأكل . .

[ ص: 506 ] وفي " الصحيح " من حديث الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلو البارد .

وقال أبو عصام عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثا ويقول " هو أروى وأبرأ وأمرى " .

وروى البخاري من حديث قتادة ، عن أنس قال : ما أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رغيفا مرققا حتى لحق بالله ، ولا شاة سميطا بعينه قط . وفي رواية له عنه أيضا : ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان ، ولا في سكرجة ، ولا خبز له مرقق . فقلت لأنس : فعلى ما كانوا يأكلون ؟ قال : على السفر .

وله من حديث قتادة أيضا ، عن أنس ، أنه مشى إلى رسول صلى الله عليه وسلم بخبز شعير وإهالة سنخة ، ولقد رهن درعه عند يهودي ، فأخذ لأهله شعيرا ، [ ص: 507 ] ولقد سمعته ذات يوم يقول : " ما أمسى عند آل محمد صاع تمر ولا صاع حب " .

وقال الإمام أحمد : ثنا عفان ، ثنا أبان بن يزيد ، ثنا قتادة ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجتمع له غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف . ورواه الترمذي في " الشمائل " ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن عفان ، وهذا الإسناد على شرط الشيخين .

وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، سمعت النعمان بن بشير يقول : سمعت عمر بن الخطاب يخطب ، فذكر ما فتح الله على الناس ، فقال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتوي من الجوع ، ما يجد من الدقل ما يملأ بطنه . وأخرجه مسلم من حديث شعبة .

وفي " الصحيح " أن أبا طلحة قال : يا أم سليم ، لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف فيه الجوع . وسيأتي الحديث في " دلائل النبوة " .

وفي قصة أبي الهيثم بن التيهان ، أن أبا بكر وعمر خرجا من الجوع ، [ ص: 508 ] فبينما هما كذلك إذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ما أخرجكما ؟ " فقالا : الجوع . فقال : " والذي نفسي بيده لقد أخرجني الذي أخرجكما " . فذهبوا إلى حديقة أبي الهيثم بن التيهان ، فأطعمهم رطبا ، وذبح لهم شاة ، فأكلوا وشربوا الماء البارد ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا من النعيم الذي تسألون عنه " .

وقال الترمذي : ثنا عبد الله بن أبي زياد ، ثنا سيار ، ثنا سهل بن أسلم ، عن يزيد بن أبي منصور ، عن أنس ، عن أبي طلحة قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ، ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن حجرين . ثم قال : غريب .

وثبت في " الصحيحين " من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، أنها سئلت عن فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : كان من أدم حشوه ليف .

وقال الحسن بن عرفة : ثنا عباد بن عباد المهلبي ، عن مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : دخلت علي امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية ، فانطلقت فبعثت إلي بفراش حشوه الصوف ، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ما هذا يا عائشة ؟ " قالت : قلت : يا رسول الله ، فلانة الأنصارية دخلت علي فرأت فراشك فذهبت فبعثت [ ص: 509 ] إلي بهذا . فقال : " رديه " . قالت : فلم أرده وأعجبني أن يكون في بيتي ، حتى قال ذلك ثلاث مرات . قالت : فقال : " رديه يا عائشة ، فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة "

وقال الترمذي في " الشمائل " : حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى البصري ، ثنا عبد الله بن ميمون ، ثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : سئلت عائشة : ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك ؟ قالت : من أدم حشوه ليف . وسئلت حفصة : ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : مسحا نثنيه ثنيتين فينام عليه ، فلما كان ذات ليلة قلت : لو ثنيته بأربع ثنيات كان أوطأ له . فثنيناه له بأربع ثنيات ، فلما أصبح قال : " ما فرشتموني الليلة ؟ " قالت : قلنا : هو فراشك ، إلا أنا ثنيناه بأربع ثنيات . قلنا : هو أوطأ لك . قال : " ردوه لحالته الأولى ؛ فإنه منعتني وطأته صلاتي الليلة " .

وقال الطبراني : حدثنا محمد بن أبان الأصبهاني ، حدثنا محمد بن عبادة الواسطي ، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري ، حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن حكيم بن حزام قال : [ ص: 510 ] خرجت إلى اليمن فابتعت حلة ذي يزن ، فأهديتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدة التي كانت بينه وبين قريش فقال : " لا أقبل هدية مشرك " فردها ، فبعتها فاشتراها ، فلبسها ثم خرج على أصحابه وهي عليه ، فما رأيت شيئا في شيء أحسن منه فيها ، فما ملكت أن قلت :


ما ينظر الحكام بالفضل بعدما بدا واضح من غرة وحجول     إذا قايسوه المجد أربى عليهم
كمستفرغ ماء الذناب سجيل

فسمعها النبي صلى الله عليه وسلم فالتفت إلي يتبسم ، ثم دخل فكساها أسامة بن زيد


وقال الإمام أحمد : حدثني حسين بن علي ، عن زائدة عن عبد الملك بن عمير قال : حدثني ربعي بن حراش ، عن أم سلمة قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ساهم الوجه . قالت : فحسبت ذلك من وجع . فقلت : يا رسول الله ، أراك ساهم الوجه ، أفمن وجع ؟ فقال : " لا ، ولكن الدنانير السبعة التي أتينا بها أمس ، أمسينا ولم ننفقها ، نسيتها في خصم الفراش " تفرد به أحمد .

[ ص: 511 ] وقال الإمام أحمد : ثنا أبو سلمة قال : أنا بكر بن مضر ، ثنا موسى بن جبير ، عن أبي أمامة بن سهل قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير يوما على عائشة فقالت : لو رأيتما نبي الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في مرض مرضه . قالت : وكان له عندي ستة دنانير . قال موسى أو سبعة . قالت : فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أفرقها . قالت : فشغلني وجع نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى عافاه الله عز وجل . قالت : ثم سألني عنها فقال : " ما فعلت الستة ؟ " قال : أو " السبعة " قلت : لا والله لقد كان شغلني عنها وجعك . قالت : فدعا بها ثم صفها في كفه ، فقال : " ما ظن نبي الله لو لقي الله وهذه عنده ؟ " تفرد به أحمد .

وقال قتيبة : ثنا جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد . وهذا الحديث في " الصحيح " .

والمراد أنه كان لا يدخر شيئا لغد مما يسرع إليه الفساد كالأطعمة ونحوها ؛ لما ثبت في " الصحيحين " عن عمر ، أنه قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب ، فكان يعزل نفقة أهله سنة ، ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل .

[ ص: 512 ] ومما يؤيد ما ذكرناه ما رواه الإمام أحمد : حدثنا مروان بن معاوية قال : أخبرني هلال بن سويد أبو معلى قال : سمعت أنس بن مالك وهو يقول : أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة طوائر ، فأطعم خادمه طائرا ، فلما كان من الغد أتته به ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد ؛ فإن الله عز وجل يأتي برزق كل غد " .

حديث بلال في ذلك : قال البيهقي : ثنا أبو الحسين بن بشران ، أنا أبو محمد جعفر بن نصير ، ثنا إبراهيم بن عبد الله البصري : ، ثنا بكار بن محمد ، أنا عبد الله بن عون ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على بلال ، فوجد عنده صبرا من تمر ، فقال : ما هذا يا بلال ؟ قال : تمر أدخره . قال : " ويحك يا بلال ! أو ما تخاف أن يكون له بخار في النار ؟ أنفق بلال ، ولا تخش من ذي العرش إقلالا " .

قال البيهقي بسنده عن أبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي ، كلاهما عن أبي توبة الربيع بن نافع ، حدثني معاوية بن سلام ، عن زيد بن سلام ، حدثني عبد الله الهوزني قال : لقيت بلالا مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلب ، فقلت : يا بلال حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : ما كان له شيء من ذلك إلا أنا الذي كنت ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفي ، فكان إذا أتاه [ ص: 513 ] الإنسان المسلم فرآه عاريا ، يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري البردة والشيء فأكسوه وأطعمه ، حتى اعترضني رجل من المشركين ، فقال : يا بلال ، إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني . ففعلت فلما كان ذات يوم توضأت ، ثم قمت لأؤذن بالصلاة ، فإذا المشرك في عصابة من التجار ، فلما رآني قال : يا حبشي . قال : قلت : يا لبيه . فتجهمني ، وقال قولا عظيما أو غليظا ، وقال : أتدري كم بينك وبين الشهر ؟ قلت : قريب . قال إنما بينك وبينه أربع ليال فآخذك بالذي لي عليك ، فإني لم أعطك الذي أعطيتك من كرامتك ، ولا من كرامة صاحبك ، وإنما أعطيتك لتجب لي عبدا فأذرك ترعى الغنم ، كما كنت قبل ذلك . قال : فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس ، فانطلقت ثم أذنت بالصلاة ، حتى إذا صليت العتمة ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ، فاستأذنت عليه ، فأذن لي ، فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، إن المشرك الذي ذكرت لك أني كنت أتدين منه قد قال كذا وكذا ، وليس عندك ما يقضي عني ، ولا عندي ، وهو فاضحي ، فأذن لي أن آتي بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا حتى يرزق الله رسوله صلى الله عليه وسلم ما يقضي عني . فخرجت حتى أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ورمحي ونعلي عند رأسي ، فاستقبلت بوجهي الأفق ، فكلما نمت انتبهت ، فإذا رأيت علي ليلا نمت حتى انشق عمود الصبح الأول فأردت أن أنطلق ، فإذا إنسان يسعى يدعو : يا بلال أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فانطلقت [ ص: 514 ] حتى أتيته ، فإذا أربع ركائب عليهم أحمالهن ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبشر فقد جاءك الله بقضاء دينك فحمدت الله وقال : ألم تمر على الركائب المناخات الأربع قال : قلت : بلى . قال : فإن لك رقابهن وما عليهن فإذا عليهن كسوة وطعام أهداهن له عظيم فدك . فاقبضهن إليك ، ثم اقض دينك قال : ففعلت فحططت عنهن أحمالهن ، ثم عقلتهن ، ثم عمدت إلى تأذين صلاة الصبح حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت إلى البقيع فجعلت أصبعي في أذني ، فناديت فقلت : من كان يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم دينا فليحضر . فما زلت أبيع وأقضي ، وأعرض وأقضي حتى لم يبق على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين في الأرض حتى فضل عندي أوقيتان أو أوقية ونصف ، ثم انطلقت إلى المسجد وقد ذهب عامة النهار ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد وحده ، فسلمت عليه ، فقال لي ما فعل ما قبلك ؟ قلت : قد قضى الله كل شيء كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق شيء . قال : فضل شيء ؟ قلت : نعم : ديناران . قال : انظر أن تريحني منهما ، فلست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منهما قال : فلم يأتنا أحد فبات في المسجد حتى أصبح ، وظل في المسجد اليوم الثاني حتى إذا كان في آخر النهار جاء راكبان فانطلقت بهما [ ص: 515 ] فكسوتهما وأطعمتهما ، حتى إذا صلى العتمة دعاني فقال : ما فعل الذي قبلك ؟ قلت : قد أراحك الله منه . فكبر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك ، ثم اتبعته حتى جاء أزواجه ، فسلم على امرأة امرأة حتى أتى مبيته فهذا الذي سألتني عنه .

وقال الترمذي في " الشمائل " : حدثنا هارون بن موسى بن أبي علقمة المديني ، حدثني أبي ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب ، أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه فقال : " ما عندي ما أعطيك ، ولكن ابتع علي ، فإذا جاءني شيء قضيته " فقال عمر : يا رسول الله ، قد أعطيته فما كلفك الله ما لا تقدر عليه . فكره النبي صلى الله عليه وسلم قول عمر ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله ، أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعرف التبسم في وجهه ؛ لقول الأنصاري ، وقال : بهذا أمرت وفي الحديث ألا إنهم ليسألوني ويأبى الله لي البخل وقال يوم حنين حين سألوه قسم الغنائم : والله لو أن عندي عدد هذه العضاه نعما لقسمتها فيكم ، ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ، ولا كذابا صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 516 ] وقال الترمذي : ثنا علي بن حجر ، ثنا شريك ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الربيع بنت معوذ ابن عفراء قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع من رطب ، وأجر زغب ، فأعطاني ملء كفه حليا أو ذهبا .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن مطرف ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن ، وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر متى يؤمر " قال المسلمون : يا رسول الله ، فما نقول ؟ قال : " قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا " ورواه الترمذي ، عن ابن أبي عمر ، عن سفيان بن عيينة ، عن مطرف ، ومن حديث خالد بن طهمان ، كلاهما عن عطية ، وهو ابن سعد العوفي الجدلي أبو الحسن الكوفي ، عن أبي سعيد الخدري ، وقال الترمذي : حسن . قلت : وقد روي من وجه آخر عنه من حديث ابن عباس ، كما سيأتي في موضعه .

ومن تواضعه عليه الصلاة والسلام . قال أبو عبد الله بن ماجه : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ، ثنا عمرو بن محمد العنقزي ، [ ص: 517 ] ثنا أسباط بن نصر ، عن السدي ، عن أبي سعد الأزدي - وكان قارئ الأزد - عن أبي الكنود ، عن خباب في قوله تعالى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه إلى قوله : فتكون من الظالمين [ الأنعام : 52 ] . قال : جاء الأقرع بن حابس التميمي ، وعيينة بن حصن الفزاري ، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعدا في ناس من الضعفاء من المؤمنين ، فلما رأوهم حول رسول الله صلى الله عليه وسلم حقروهم ، فأتوا فخلوا به وقالوا : إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك ، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت . قال : " نعم " قالوا : فاكتب لنا عليك كتابا . قال فدعا بصحيفة ، ودعا عليا ليكتب ، ونحن قعود في ناحية ، فنزلجبريل عليه السلام ، فقال : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ثم ذكر الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن فقال : وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين [ الأنعام : 53 ] . ثم قال : وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة [ الأنعام : 54 ] . قال : فدنونا منه حتى ، وضعنا ركبنا على ركبته ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا ، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا ، فأنزل الله عز [ ص: 518 ] وجل : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم ولا تجالس الأشراف تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا يعني عيينة والأقرع واتبع هواه وكان أمره فرطا [ الكهف : 28 ] . قال : هلاكا . قال : أمر عيينة والأقرع . ثم ضرب لهم مثل الرجلين ومثل الحياة الدنيا . قال خباب : فكنا نقعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا بلغنا الساعة التي يقوم قمنا وتركناه حتى يقوم .

ثم قال ابن ماجه : حدثنا يحيى بن حكيم ، ثنا أبو داود ، ثنا قيس بن الربيع ، عن المقدام بن شريح ، عن أبيه ، عن سعد قال : نزلت هذه الآية فينا ستة ؛ في وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال . قال : قالت قريش : يا رسول الله ، إنا لا نرضى أن نكون أتباعا لهم ، فاطردهم عنك . قال : فدخل قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ما شاء الله أن يدخل ، فأنزل الله عز وجل : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه الآية .

وقال الحافظ البيهقي : أنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصفهاني ، أنا أبو سعيد بن الأعرابي ، ثنا أبو الحسين خلف بن محمد الواسطي كردوس ، [ ص: 519 ] ثنا يزيد بن هارون ، ثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، ثنا المعلى بن زياد ، يعني عن العلاء بن بشير المازني ، ثنا أبو الصديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري قال : كنت في عصابة من المهاجرين جالسا معهم ، وإن بعضهم ليستتر ببعض من العري ، وقارئ لنا يقرأ علينا ، فكنا نسمع إلى كتاب الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر معهم نفسي " . قال : ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطنا ليعدل بيننا نفسه فينا ، ثم قال بيده هكذا . قال : فاستدارت الحلقة وبرزت وجوههم . قال : فما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا منهم غيري . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أبشروا معاشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة ، تدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم ، وذلك خمسمائة عام " .

وقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ، من حديث حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن أنس قال : لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : وكانوا إذا رأوه لم يقوموا ؛ لما يعلمون من كراهيته لذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية