صفحة جزء
باب تكثيره عليه الصلاة والسلام الأطعمة للحاجة إليها في غير ما موطن كما سنورده مبسوطا

تكثيره اللبن في مواطن أيضا : قال الإمام أحمد : ثنا روح ، ثنا عمر بن ذر ، عن مجاهد ، أن أبا هريرة كان يقول : والله إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه ، فمر أبو بكر ، فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل ، ما سألته إلا ليستتبعني فلم يفعل ، فمر عمر ، فسألته عن آية من كتاب الله ، ما سألته إلا ليستتبعني فلم يفعل ، فمر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فعرف ما في وجهي وما في نفسي ، فقال : " أبا هريرة " . فقلت له : لبيك يا رسول الله . فقال : " الحق " . واستأذنت فأذن لي ، فوجدت لبنا في قدح فقال : " من أين لكم هذا اللبن ؟ " فقالوا : أهداه لنا فلان - أو آل فلان - قال : " أبا هر " . قلت لبيك يا رسول الله . قال : " انطلق إلى أهل الصفة فادعهم لي " . قال : وأهل الصفة أضياف الإسلام ، لا يأوون إلى أهل ولا مال ، إذا جاءت [ ص: 625 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية ، أصاب منها وبعث إليهم منها ، وإذا جاءته الصدقة ، أرسل بها إليهم ولم يصب منها . قال : وأحزنني ذلك ، وكنت أرجو أن أصيب من اللبن شربة أتقوى بها بقية يومي وليلتي ، وقلت : أنا الرسول ، فإذا جاء القوم كنت أنا الذي أعطيهم . وقلت : ما يبقى لي من هذا اللبن ؟ ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد ، فانطلقت فدعوتهم ، فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم ، فأخذوا مجالسهم من البيت ، ثم قال : " أبا هر خذ فأعطهم " . فأخذت القدح فجعلت أعطيهم ، فيأخذ الرجل القدح ، فيشرب حتى يروى ، ثم يرد القدح ، وأعطيه الآخر ، فيشرب حتى يروى ، ثم يرد القدح ، حتى أتيت على آخرهم ، ودفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ القدح فوضعه في يده ، وبقي فيه فضلة ، ثم رفع رأسه ونظر إلي وتبسم وقال : " أبا هر " . فقلت : لبيك رسول الله . قال : " بقيت أنا وأنت " فقلت : صدقت يا رسول الله . قال : " اقعد فاشرب " . قال : فقعدت فشربت ، ثم قال لي : " اشرب " فشربت ، فما زال يقول لي : " اشرب " فأشرب ، حتى قلت : لا والذي بعثك بالحق ما أجد له في مسلكا . قال : " ناولني القدح " . فرددت إليه القدح فشرب من الفضلة . ورواه البخاري عن أبي نعيم ، وعن محمد بن مقاتل ، عن عبد الله بن المبارك ، وأخرجه الترمذي ، عن هناد عن يونس بن بكير ، ثلاثتهم عن عمر بن ذر . وقال الترمذي : صحيح .

[ ص: 626 ] وقال الإمام أحمد : ثنا أبوبكر بن عياش ، حدثني عاصم ، عن زر ، عن ابن مسعود قال : كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط ، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، فقال : " يا غلام هل من لبن ؟ " قال : قلت : نعم ، ولكني مؤتمن . قال : " فهل من شاة لم ينز عليها الفحل ؟ " فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن ، فحلبه في إناء فشرب وسقى أبا بكر ، ثم قال للضرع : " اقلص " فقلص . قال : ثم أتيته بعد هذا فقلت : يا رسول الله علمني من هذا القول . قال فمسح رأسي وقال " يرحمك الله ، فانك غليم معلم " .

ورواه البيهقي من حديث أبي عوانة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر ، عن ابن مسعود ، وقال فيه : ( فأتيته بعناق جذعة ، فاعتقلها ثم جعل يمسح ضرعها ويدعو ، فأتاه أبو بكر بحجفة ، فحلب فيها وسقى أبا بكر ثم شرب ، ثم قال للضرع : " اقلص " فقلص فقلت : يا رسول الله ، علمني من هذا القول . فمسح رأسي وقال : " إنك غلام معلم " . فأخذت عنه سبعين سورة ما نازعنيها بشر . وتقدم في الهجرة حديث أم معبد ، وحلبه عليه الصلاة والسلام شاتها ، وكانت عجفاء لا لبن لها ، فشرب هو وأصحابه ، وغادر عندها إناء كبيرا من لبن حتى جاء زوجها . وتقدم في ذكر من كان يخدمه من غير مواليه عليه الصلاة والسلام ، المقداد بن الأسود ، حين شرب اللبن الذي كان [ ص: 627 ] قد جاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قام من الليل ليذبح له شاة فوجد لبنا كثيرا فحلب ما ملأ منه إناء كبيرا جدا . الحديث .

وقال أبو داود الطيالسي : ثنا زهير ، عن أبي إسحاق ، عن ابنة خباب ، أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فاعتقلها وحلبها ، فقال " " ائتني بأعظم إناء لكم " . فأتيناه بجفنة العجين ، فحلب فيها حتى ملأها ، ثم قال : " اشربوا أنتم وجيرانكم " .

وقال البيهقي : أنا أبو الحسين بن بشران ببغداد ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، أنا محمد بن الفرج الأزرق ، ثنا عصمة بن سليمان الخزاز ، ثنا خلف بن خليفة ، عن أبي هاشم الرماني ، عن نافع ، وكانت له صحبة ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، وكنا زهاء أربعمائة ، فنزلنا في موضع ليس فيه ماء ، فشق ذلك على أصحابه وقالوا : رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم . قال : فجاءت شويهة لها قرنان ، فقامت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلبها فشرب حتى روى ، وسقى أصحابه حتى رووا ، ثم قال : " يا نافع املكها الليلة ، وما أراك تملكها " . قال : فأخذتها فوتدت لها وتدا ، ثم ربطتها بحبل ، ثم قمت في بعض الليل فلم أر الشاة ، ورأيت الحبل مطروحا ، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته من قبل أن يسألني ، فقال : " يا نافع ذهب بها الذي جاء بها " . قال البيهقي : ورواه محمد بن سعد ، عن خلف بن الوليد أبي الوليد الأزدي ، عن خلف بن [ ص: 628 ] خليفة ، عن أبان بن بشير ، عن شيخ من أهل البصرة عن نافع ، فذكره . وهذا حديث غريب جدا إسنادا ومتنا .

ثم قال البيهقي : أنا أبو سعيد الماليني ، أنا أبو أحمد بن عدي ، أنا العباس بن محمد بن العباس ، ثنا أحمد بن سعيد ابن أبي مريم ، ثنا أبو حفص الرياحي ، ثنا عامر بن أبي عامر الخزاز ، عن أبيه عن الحسن بن سعد - يعني مولى أبي بكر - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احلب لي تلك العنز " قال وعهدي بذلك الموضع لا عنز فيه . قال : فأتيت فإذا بعنز حافل . قال : فاحتلبتها ، واحتفظت بالعنز وأوصيت بها . قال : فاشتغلنا بالرحلة ففقدت العنز فقلت : يا رسول الله قد فقدت العنز . فقال : " إن لها ربا " وهذا أيضا حديث غريب جدا إسنادا ومتنا ، وفي إسناده من لا يعرف حاله . وسيأتي حديث الغزالة في قسم ما يتعلق من المعجزات بالحيوانات .

التالي السابق


الخدمات العلمية