صفحة جزء
قصة أخرى مع قصة العلاء بن الحضرمي :

قال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثني خالد بن خداش بن عجلان المهلبي وإسماعيل بن إبراهيم بن بسام قالا : ثنا صالح المري ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك قال : عدنا شابا [ ص: 51 ] من الأنصار ، فما كان بأسرع من أن مات فأغمضناه ، ومددنا عليه الثوب ، وقال بعضنا لأمه : احتسبيه . قالت : وقد مات؟! قلنا : نعم . قالت : أحق ما تقولون؟ قلنا : نعم . فمدت يديها إلى السماء ، وقالت : اللهم إني آمنت بك ، وهاجرت إلى رسولك صلى الله عليه وسلم ، فإذا نزلت بي شدة دعوتك ففرجتها ، فأسألك اللهم ألا تحمل علي هذه المصيبة . قال : فكشف الثوب عن وجهه ، فما برحنا حتى أكلنا وأكل معنا وقد رواه البيهقي ، عن أبي سعيد الماليني ، عن ابن عدي ، عن محمد بن طاهر بن أبي الدميك ، عن عبيد الله بن عائشة ، عن صالح بن بشير المري ، أحد زهاد البصرة وعبادها مع لين في حديثه ، عن ثابت ، عن أنس ، فذكر القصة ، وفيه أن أم السائب كانت عجوزا عمياء .

قال البيهقي : وقد روى من وجه آخر مرسل . يعني فيه انقطاع بين ابن عون وأنس بن مالك ، ثم ساقه من طريق عيسى بن يونس ، عن عبد الله بن عون ، عن أنس قال : أدركت في هذه الأمة ثلاثا لو كانت في بني إسرائيل لما تقاسمها الأمم . قلنا ما هي يا أبا حمزة؟ قال : كنا في الصفة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتته امرأة مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ ، فأضاف المرأة إلىالنساء وأضاف [ ص: 52 ] ابنها إلينا ، فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة فمرض أياما ثم قبض ، فغمضه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمر بجهازه ، فلما أردنا أن نغسله قال : " يا أنس ، ائت أمه فأعلمها " . فأعلمتها . قال : فجاءت حتى جلست عند قدميه فأخذت بهما ، ثم قالت : اللهم إني أسلمت لك طوعا ، وخلعت الأوثان زهدا ، وهاجرت لك رغبة ، اللهم لا تشمت بي عبدة الأوثان ، ولا تحملني من هذه المصيبة ما لا طاقة لي بحملها . قال : فوالله ما انقضى كلامها حتى حرك قدميه ، وألقى الثوب عن وجهه ، وعاش حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحتى هلكت أمه . قال : ثم جهز عمر بن الخطاب جيشا ، واستعمل عليهم العلاء بن الحضرمي .

قال أنس : وكنت في غزاته ، فأتينا مغازينا ، فوجدنا القوم قد نذروا بنا فعفوا آثار الماء ، والحر شديد ، فجهدنا العطش ودوابنا ، وذلك يوم الجمعة ، فلما مالت الشمس لغربها صلى بنا ركعتين ، ثم مد يده إلى السماء ، وما نرى في السماء شيئا . قال : فوالله ما حط يده حتى بعث الله ريحا وأنشأ سحابا وأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب ، فشربنا وسقينا ركابنا واستقينا ، ثم أتينا عدونا وقد جاوزوا خليجا في البحر إلى جزيرة ، فوقف على الخليج وقال : يا علي ، يا عظيم ، يا حليم ، يا كريم . ثم قال : أجيزوا بسم الله . قال : فأجزنا ، ما يبل الماء حوافر دوابنا ، فلم نلبث إلا يسيرا ، فأصبنا العدو غيلة ، فقتلنا وأسرنا وسبينا ، ثم أتينا الخليج ، فقال مثل مقالته ، فأجزنا ، ما يبل الماء حوافر دوابنا . قال : فلم [ ص: 53 ] نلبث إلا يسيرا حتى رمي في جنازته . قال : فحفرنا له وغسلناه ودفناه ، فأتى رجل بعد فراغنا من دفنه فقال : من هذا؟ فقلنا : هذا خير البشر ، هذا ابن الحضرمي . فقال : إن هذه الأرض تلفظ الموتى ، فلو نقلتموه إلى ميل أو ميلين ، إلى أرض تقبل الموتى . فقلنا : ما جزاء صاحبنا أن نعرضه للسباع تأكله؟ قال : فاجتمعنا على نبشه ، فلما وصلنا إلى اللحد إذا صاحبنا ليس فيه ، وإذا اللحد مد البصر نور يتلألأ . قال : فأعدنا التراب إلى اللحد ثم ارتحلنا
قال البيهقي ، رحمه الله : وقد روي عن أبي هريرة في قصة العلاء بن الحضرمي في استسقائه ومشيهم على الماء دون قصة الموت بنحو من هذا . وذكر البخاري في " التاريخ " لهذه القصة إسنادا آخر .

وقد أسنده ابن أبي الدنيا ، عن أبي كريب ، عن محمد بن فضيل ، عن الصلت بن مطر العجلي ، عن عبد الملك بن أخت سهم ، عن سهم بن منجاب قال : غزونا مع العلاء بن الحضرمي فذكره . وقال في الدعاء : يا عليم ، يا حليم ، يا علي ، يا عظيم ، إنا عبيدك ، وفي سبيلك نقاتل عدوك ، اسقنا غيثا نشرب منه ونتوضأ ، فإذا تركناه فلا تجعل لأحد فيه نصيبا غيرنا . وقال في البحر : اجعل لنا سبيلا إلى عدوك . وقال في الموت : أخف جثتي ولا تطلع على عورتي أحدا . فلم يقدر عليه والله أعلم .

[ ص: 54 ] قصة أخرى :

قال البيهقي : أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا إسماعيل الصفار ، ثنا الحسن بن علي بن عفان ، ثنا ابن نمير عن الأعمش ، عن بعض أصحابه قال : انتهينا إلى دجلة وهي مادة ، والأعاجم خلفها ، فقال رجل من المسلمين : بسم الله . ثم اقتحم بفرسه ، فارتفع على الماء . فقال الناس : بسم الله . ثم اقتحموا فارتفعوا على الماء ، فنظر إليهم الأعاجم ، وقالوا : ديوان ديوان . ثم ذهبوا على وجوههم . قال : فما فقد الناس إلا قدحا كان معلقا بعذبة سرج ، فلما خرجوا أصابوا الغنائم ، فاقتسموها ، فجعل الرجل يقول : من يبادل صفراء ببيضاء

قصة أخرى :

قال البيهقي : أنا أبو عبد الرحمن السلمي ، أنا أبو محمد عبد الله بن محمد السمذي ، ثنا أبو العباس السراج ، ثنا الفضل بن سهل وهارون بن عبد الله قالا : ثنا أبو النضر : ثنا سليمان بن المغيرة ، أن أبا مسلم الخولاني جاء إلى الدجلة وهي ترمي الخشب من مدها ، فمشى على الماء ، والتفت إلى أصحابه وقال : هل تفقدون من متاعكم شيئا فندعو الله ، عز وجل؟ قال البيهقي : هذا إسناد صحيح . قلت : وستأتي قصة أبي مسلم الخولاني - [ ص: 55 ] واسمه عبد الله بن ثوب - مع الأسود العنسي حين ألقاه في النار ، فكانت عليه بردا وسلاما ، كما كانت على الخليل إبراهيم ، عليه الصلاة والسلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية