صفحة جزء
قصة الصبي الذي كان يصرع فدعا له عليه السلام ، فبرأ

قد تقدم ذلك من رواية أسامة بن زيد وجابر بن عبد الله ويعلى بن مرة الثقفي مع قصة الجمل ، الحديث بطوله .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، ثنا حماد بن سلمة ، عن فرقد السبخي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن امرأة جاءت بولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن به لمما ، وأنه يأخذه عند طعامنا فيفسد علينا طعامنا . قال : فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له ، فثع ثعة ، فخرج منه مثل الجرو الأسود يسعى . تفرد به أحمد . وفرقد السبخي رجل صالح ولكنه سيء الحفظ ، وقد روى عنه شعبة وغير واحد ، واحتمل حديثه ، ولما رواه ها هنا شاهد مما قدمناه . والله أعلم . وقد تكون هذه القصة هي ما سبق إيرادها ، ويحتمل أن تكون أخرى غيرها . والله أعلم .

حديث آخر في ذلك :

قال أبو بكر البزار : ثنا محمد بن مرزوق ، ثنا [ ص: 63 ] مسلم بن إبراهيم ، ثنا صدقة ، يعني ابن موسى ، ثنا فرقد وهو السبخي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، فجاءت امرأة من الأنصار فقالت : يا رسول الله ، إن هذا الخبيث قد غلبني . فقال لها : " إن تصبري على ما أنت عليه تجيئي يوم القيامة ليس عليك ذنوب ولا حساب " . قالت : والذي بعثك بالحق لأصبرن حتى ألقى الله . قالت : إني أخاف الخبيث أن يجردني . فدعا لها ، فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتعلق بها وتقول له : اخسأ . فيذهب عنها . قال البزار : لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه ، وصدقة ليس به بأس ، وفرقد حدث عنه جماعة من أهل العلم ، منهم شعبة وغيره واحتمل حديثه على سوء حفظه

طريق أخرى عن ابن عباس :

قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن عمران أبي بكر ، ثنا عطاء بن أبي رباح قال : قال لي ابن عباس : ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت : بلى . قال : هذه السوداء أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إني أصرع وأتكشف فادع الله لي . قال : " إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله لك أن يعافيك " . قالت : لا ، بل أصبر ، فادع الله أن لا أتكشف . أو : لا ينكشف عني قال : فدعا لها وهكذا رواه البخاري عن مسدد ، عن يحيى ، وهو ابن سعيد القطان ، وأخرجه مسلم عن القواريري ، عن يحيى القطان وبشر بن المفضل ، كلاهما عن عمران بن مسلم أبي بكر [ ص: 64 ] القصير البصري ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ، فذكر مثله .

ثم قال البخاري : حدثنا محمد ، ثنا مخلد عن ابن جريح قال : أخبرني عطاء أنه رأى أم زفر تلك ، امرأة طويلة سوداء ، على ستر الكعبة . وقد ذكر الحافظ ابن الأثير في " الغابة " أن أم زفر هذه كانت مشاطة خديجة بنت خويلد قديما ، وأنها عمرت حتى أدركها عطاء بن أبي رباح . فالله أعلم .

حديث آخر :

قال البيهقي : أنا علي بن أحمد بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد ، ثنا محمد بن يونس ، ثنا قرة بن حبيب القنوي ، ثنا إياس بن أبي تميمة ، عن عطاء ، عن أبي هريرة قال : جاءت الحمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، ابعثني إلى أحب قومك إليك - أو أحب أصحابك إليك . شك قرة - فقال : " اذهبي إلى الأنصار " . فذهبت إليهم فصرعتهم ، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، قد أتت الحمى علينا ، فادع الله لنا بالشفاء . فدعا لهم ، فكشفت عنهم . قال : فاتبعته امرأة فقالت : يا رسول الله ادع الله لي فإني لمن الأنصار ، فادع الله لي كما دعوت لهم ، فقال : " أيهما أحب إليك; أن أدعو لك فيكشف عنك ، أو تصبرين وتجب لك [ ص: 65 ] الجنة؟ " فقالت : لا والله يا رسول الله ، بل أصبر - ثلاثا - ولا أجعل والله لجنته خطرا محمد بن يونس الكديمي ضعيف .

وقد قال البيهقي : أنا علي بن أحمد بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد الصفار ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا أبي ، ثنا هشام بن لاحق سنة خمس وثمانين ومائة ، ثنا عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي قال : استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " من أنت؟ " قالت : أنا الحمى ، أبري اللحم ، وأمص الدم . قال : " اذهبي إلى أهل قباء " . فأتتهم ، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اصفرت وجوههم ، فشكوا إليه الحمى ، فقال لهم : " ما شئتم; إن شئتم دعوت الله فكشفها عنكم ، وإن شئتم تركتموها فأسقطت ذنوبكم " . قالوا : بل ندعها يا رسول الله وهذا الحديث ليس في " مسند الإمام أحمد " ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة ، وقد ذكرنا في أول الهجرة دعاءه ، عليه السلام لأهل المدينة أن يذهب حماها إلى الجحفة ، فاستجاب الله له ذلك ، فإن المدينة كانت من أوبأ أرض الله ، فصححها الله ببركة حلوله بها ، ودعائه لأهلها ، صلوات الله وسلامه عليه .

حديث آخر في ذلك :

قال الإمام أحمد : ثنا روح ، ثنا شعبة ، عن أبي جعفر المديني ، سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ادع الله أن يعافيني . فقال : [ ص: 66 ] " إن شئت أخرت ذلك فهو أفضل لآخرتك ، وإن شئت دعوت لك " . قال : لا ، بل ادع الله لي . قال فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ ، وأن يصلي ركعتين ، وأن يدعو بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد ، نبي الرحمة ، يا محمد ، إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى وتشفعني فيه وتشفعه في . قال : فكان يقول هذا مرارا . ثم قال بعد : أحسب أن فيها : أن تشفعني فيه . قال : ففعل الرجل فبرأ وقد رواه أحمد أيضا ، عن عثمان بن عمر ، عن شعبة به . وقال : اللهم شفعه في . ولم يقل الأخرى ، وكأنها غلط من الراوي . والله أعلم .

وهكذا رواه الترمذي والنسائي عن محمود بن غيلان ، وابن ماجه عن أحمد بن منصور بن سيار ، كلاهما عن عثمان بن عمر . وقال الترمذي : حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي جعفر الخطمي . ثم رواه أحمد أيضا عن مؤمل ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي جعفر الخطمي ، عن عمارة بن خزيمة ، عن عثمان بن حنيف ، فذكر الحديث . وهكذا رواه النسائي عن محمد بن معمر ، عن حبان ، عن حماد بن سلمة به . ثم رواه النسائي عن زكريا بن يحيى ، عن محمد بن المثنى ، عن معاذ بن هشام ، عن أبيه ، عن أبي جعفر ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن [ ص: 67 ] عمه عثمان بن حنيف به . وهذه الرواية تخالف ما تقدم ، ولعله عند أبي جعفر الخطمي من الوجهين . والله أعلم .

وقد روى البيهقي والحاكم من حديث يعقوب بن سفيان عن أحمد بن شبيب عن سعيد الحبطي ، عن أبيه ، عن روح بن القاسم ، عن أبي جعفر المديني ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن عمه عثمان بن حنيف قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه رجل ضرير ، فشكا إليه ذهاب بصره ، فقال : يا رسول الله ، ليس لي قائد ، وقد شق علي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ائت الميضأة فتوضأ ، ثم صل ركعتين ، ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد ، إني أتوجه بك إلى ربي فتجلي بصري ، اللهم فشفعه في وشفعني في نفسي " قال عثمان : فوالله ما تفرقنا ولا طال الحديث بنا حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضر قط . قال البيهقي : ورواه أيضا هشام الدستوائي ، عن أبي جعفر ، عن أبي أمامة بن سهل عن عمه عثمان بن حنيف

حديث آخر :

قال أبو بكر بن أبي شيبة : ثنا محمد بن بشر ، ثنا عبد العزيز بن عمر ، حدثني رجل من بني سلامان بن سعد ، عن أمه [ ص: 68 ] أن خالها حبيب بن فويك حدثها أن أباه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئا أصلا ، فسأله " ما أصابك؟ " فقال : كنت أمري جملا لي ، فوقعت رجلي على بيض حية فأصيب بصري . قال : فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فأبصر ، فرأيته وإنه ليدخل الخيط في الإبرة ، وإنه لابن ثمانين سنة ، وإن عينيه لمبيضتان . قال البيهقي : كذا في كتابه ، وغيره يقول : حبيب بن مدرك . قال وقد مضى في هذا المعنى حديث قتادة بن النعمان أنه أصيبت عينه ، فسالت حدقته على وجنته ، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضعها ، فكان لا يدري أيهما أصيبت . قلت : وقد تقدم ذلك في غزوة أحد ، وقد ذكرنا في مقتل أبي رافع مسحه بيده الكريمة على رجل عبد الله بن عتيك وقد انكسر ساقه ، فبرأ من ساعته . وذكر البيهقي بإسناده أنه صلى الله عليه وسلم مسح يد محمد بن حاطب وقد احترقت يده بالنار ، فبرأ من ساعته ، وأنه ، عليه [ ص: 69 ] الصلاة والسلام ، نفث في كف شرحبيل الجعفي فذهبت من كفه سلعة كانت به .

قلت : وتقدم في غزوة خيبر تفله في عيني علي وهو أرمد فبرأ

وروى الترمذي عن علي حديثه في تعليمه ، عليه الصلاة السلام ، ذلك الدعاء لحفظ القرآن ، فحفظه .

وفي " الصحيح " أنه قال لأبي هريرة وجماعة : من يبسط رداءه اليوم فإنه لا ينسى شيئا من مقالتي " . قال : فبسطته فلم أنس شيئا من مقالته تلك . فقيل : كان ذلك حفظا من أبي هريرة لكل ما سمعه منه في ذلك اليوم . قيل : وفي غيره . فالله أعلم . ودعا لسعد بن أبي وقاص فبرأ

وروى البيهقي أنه دعا لعمه أبي طالب في مرضة مرضها ، وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو له ربه ، فبرأ من ساعته . والأحاديث في هذا كثيرة جدا يطول استقصاؤها . وقد أورد البيهقي من هذا النوع كثيرا طيبا أشرنا إلى أطراف منه ، وتركنا أحاديث ضعيفة الإسناد ، واكتفينا بما أوردنا عما تركنا ، وبالله المستعان

حديث آخر :

ثبت في " الصحيحين " من حديث زكريا بن أبي زائدة ، [ ص: 70 ] زاد مسلم : والمغيرة . كلاهما عن عامر بن شراحيل الشعبي عن جابر بن عبد الله ، أنه كان يسير على جمل قد أعيا ، فأراد أن يسيبه . قال : فلحقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه ودعا لي ، فسار سيرا لم يسر مثله - وفي رواية : فما زال بين يدي الإبل قدامها حتى كنت أحبس خطامه فلا أقدر عليه - فقال : " كيف ترى جملك؟ " فقلت : قد أصابته بركتك يا رسول الله . ثم ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتراه منه ، واختلف الرواة في مقدار ثمنه على روايات كثيرة ، وأنه استثنى حملانه إلى المدينة ، ثم لما قدم المدينة جاءه بالجمل ، فنقده ثمنه وزاده ، ثم أطلق له الجمل أيضا الحديث بطوله .

حديث آخر :

روى البيهقي واللفظ له ، وهو في " صحيح البخاري " من حديث حسين بن محمد المروزي ، عن جرير بن حازم ، عن محمد بن سيرين ، عن أنس بن مالك قال : فزع الناس ، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة بطيئا ، ثم خرج يركض وحده ، فركب الناس يركضون خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " لن تراعوا ، إنه لبحر " . قال : فوالله ما سبق بعد ذلك اليوم

حديث آخر :

قال البيهقي : أنا أبو بكر القاضي ، أنا حامد بن محمد الهروي ، ثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا محمد بن عبد الله الرقاشي ، ثنا رافع بن [ ص: 71 ] سلمة بن زياد ، حدثني عبد الله بن أبي الجعد ، عن جعيل الأشجعي قال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته وأنا على فرس لي عجفاء ضعيفة . قال : فكنت في أخريات الناس ، فلحقني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : " سر يا صاحب الفرس " . فقلت : يا رسول الله ، عجفاء ضعيفة . قال : فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مخفقة معه فضربها بها ، وقال : " اللهم بارك له فيها " . قال : فلقد رأيتني وأنا أمسك برأسها أن تقدم الناس ، ولقد بعت من بطنها باثني عشر ألفا ورواه النسائي ، عن محمد بن رافع ، عن محمد بن عبد الله الرقاشي ، فذكره . وهكذا رواه أبو بكر بن أبي خيثمة ، عن عبيد بن يعيش عن زيد بن الحباب ، عن رافع بن سلمة الأشجعي فذكره . وقال البخاري في " التاريخ " : وقال رافع بن زياد بن الجعد بن أبي الجعد : حدثني أبي عن عبد الله بن أبي الجعد أخي سالم ، عن جعيل ، فذكره .

حديث آخر

قال البيهقي : أنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد ، أنا أبو سهل بن زياد القطان ، ثنا محمد بن شاذان الجوهري ، حدثنا زكريا بن عدي ، ثنا مروان بن معاوية ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة [ ص: 72 ] قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني تزوجت امرأة . فقال : " هلا نظرت إليها؟ فإن في أعين الأنصار شيئا " . قال : قد نظرت إليها . قال : " على كم تزوجتها؟ " فذكر شيئا . قال : " كأنهم ينحتون الذهب والفضة من عرض هذه الجبال! ما عندنا اليوم شيء نعطيكه ، ولكن سأبعثك في وجه تصيب فيه " . فبعث بعثا إلى بني عبس ، وبعث الرجل فيهم ، فأتاه فقال : يا رسول الله ، أعيتني ناقتي أن تنبعث . قال : فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم يده كالمعتمد عليه للقيام ، فأتاها فضربها برجله . قال أبو هريرة : والذي نفسي بيده لقد رأيتها تسبق به القائد رواه مسلم في " الصحيح " عن يحيى بن معين ، عن مروان .

حديث آخر :

قال البيهقي : أنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي ، أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ، ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب ، أنا جعفر بن عون ، أنا الأعمش ، عن مجاهد ، أن رجلا اشترى بعيرا ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني اشتريت بعيرا ، فادع الله أن يبارك لي فيه . فقال : " اللهم بارك له فيه " . فلم يلبث إلا يسيرا أن نفق ، ثم اشترى بعيرا آخر ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني اشتريت بعيرا ، فادع الله أن يبارك لي فيه ، فقال : " اللهم بارك له فيه " . فلم يلبث حتى نفق ، ثم اشترى بعيرا [ ص: 73 ] آخر ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، قد اشتريت بعيرين ، فدعوت الله أن يبارك لي فيهما ، فادع الله أن يحملني عليه . فقال : " اللهم احمله عليه " . فمكث عنده عشرين سنة قال البيهقي : وهذا مرسل ، ودعاؤه ، عليه الصلاة والسلام ، صار إلى أمر الآخرة في المرتين الأوليين .

حديث آخر :

قال الحافظ البيهقي : أنا أبو عبد الرحمن السلمي ، أنا إسماعيل بن عبد الله الميكالي ، ثنا علي بن سعيد العسكري ، ثنا أبو أمية عبد الله بن محمد بن خلاد الواسطي ، ثنا يزيد بن هارون ، أنا المستلم بن سعيد ، ثنا حبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن إساف ، عن أبيه ، عن جده خبيب بن إساف قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ورجل من قومي في بعض مغازيه فقلنا : إنا نشتهي أن نشهد معك مشهدا . قال : " أسلمتم؟ " قلنا : لا . قال : " فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين " . قال : فأسلمنا ، وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأصابتني ضربة على عاتقي فجافتني ، فتعلقت يدي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفل فيها وألزقها ، فالتأمت وبرأت ، وقتلت الذي ضربني ، ثم تزوجت ابنة الذي قتلته وضربني ، فكانت تقول : لا عدمت رجلا وشحك هذا الوشاح . فأقول : لا عدمت رجلا أعجل أباك إلى النار وقد روى الإمام [ ص: 74 ] أحمد هذا الحديث عن يزيد بن هارون بإسناده ، مثله ، ولم يذكر فتفل فيها فبرأت .

حديث آخر :

ثبت في " الصحيحين " من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم ، عن ورقاء بن عمر اليشكري ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلاء ، فوضعت له وضوءا ، فلما خرج قال : " من وضع هذا؟ " قالوا : ابن عباس . قال : " اللهم فقهه في الدين .

وروى البيهقي عن الحاكم وغيره ، عن الأصم ، عن عباس الدوري ، عن الحسن بن موسى الأشيب ، عن زهير ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كتفي - أو قال : منكبي - شك سعيد - ثم قال : " اللهم فقهه في الدين ، وعلمه التأويل " وقد استجاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم هذه الدعوة في ابن عمه ، فكان إماما يهتدى بهداه ، ويقتدى بسناه في علوم الشريعة ، ولا سيما في علوم التأويل ، وهو التفسير ، فإنه انتهت إليه علوم الصحابة قبله ، وما كان عقله من كلام ابن عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 75 ] وقد قال الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال : قال عبد الله بن مسعود : لو أن ابن عباس أدرك أسناننا ما عاشره أحد منا . وكان يقول : نعم ترجمان القرآن ابن عباس . هذا وقد تأخرت وفاة ابن عباس عن وفاة عبد الله بن مسعود ببضع وثلاثين سنة ، فما ظنك بما حصله بعده في هذه المدة؟ وقد روينا عن بعض أصحابه أنه قال : خطب الناس ابن عباس في عشية عرفة ، ففسر لهم سورة " البقرة " ، أو قال : سورة ففسرها تفسيرا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا . رضي الله عنه وأرضاه

حديث آخر :

ثبت في " الصحيح " أنه ، عليه الصلاة والسلام ، دعا لأنس بن مالك بكثرة المال والولد ، فكان كذلك ، حتى روى الترمذي عن محمود بن غيلان ، عن أبي داود الطيالسي ، عن أبي خلدة قال : قلت لأبي العالية : سمع أنس من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال : خدمه عشر سنين ودعا له ، وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين ، وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك وقد روينا في " الصحيح " أنه ولد له لصلبه قريب من مائة أو ما ينيف عليها . وفي رواية : أنه صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم أطل عمره " . فعمر مائة .

[ ص: 76 ] وقد دعا صلى الله عليه وسلم لأم سليم ولأبي طلحة في غابر ليلتهما ، فولدت له غلاما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله ، فجاء من صلبه تسعة كلهم قد حفظ القرآن . ثبت ذلك في " الصحيح " .

وثبت في " صحيح مسلم " من حديث عكرمة بن عمار ، عن أبي كثير العنبري ، عن أبي هريرة ، أنه سأل من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو لأمه فيهديها الله ، فدعا لها ، فذهب أبو هريرة فوجد أمه تغتسل خلف الباب ، فلما فرغت قالت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله . فجعل أبو هريرة يبكي من الفرح ، ثم ذهب فأعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسأل منه أن يدعو لهما أن يحببهما الله إلى عباده المؤمنين . فدعا لهما فحصل ذلك . قال أبو هريرة : فليس مؤمن ولا مؤمنة إلا وهو يحبنا . وقد صدق أبو هريرة في ذلك ، رضي الله عنه وأرضاه ، ومن تمام هذه الدعوة أن الله شهر ذكره في أيام الجمع ، حيث يذكره الناس بين يدي خطبة الجمعة ، وهذا من التقييض القدري والتقدير المعنوي .

وثبت في " الصحيح " أنه عليه السلام ، دعا لسعد بن أبي وقاص وهو مريض فعوفي . ودعا له أن يكون مجاب الدعوة ، فقال : اللهم أجب دعوته ، وسدد رميته فكان كذلك ، فنعم أمير السرايا والجيوش كان ، وقد دعا على أبي سعدة أسامة بن قتادة - حين شهد فيه بالزور - بطول العمر [ ص: 77 ] وكثرة الفقر والتعرض للفتن ، فكان ذلك ، فكان إذا سئل ذلك الرجل يقول : شيخ كبير مفتون ، أصابتني دعوة سعد .

وثبت في " صحيح البخاري " وغيره أنه صلى الله عليه وسلم دعا للسائب بن يزيد ، ومسح بيده على رأسه ، فطال عمره ، حتى بلغ أربعا وتسعين سنة وهو تام القامة معتدل ، ولم يشب منه موضع أصابت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومتع بحواسه وقواه .

وقال أحمد : ثنا حرمي بن عمارة ، ثنا عزرة بن ثابت ، ثنا علباء بن أحمر ، حدثني أبو زيد الأنصاري قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ادن مني " . فمسح بيده على رأسي ، ثم قال : " اللهم جمله وأدم جماله " . قال : فبلغ بضعا ومائة - يعني سنة - وما في لحيته بياض إلا نبذ يسيرة ، ولقد كان منبسط الوجه لم ينقبض وجهه حتى مات . قال البيهقي : إسناد صحيح موصول . ولقد أورد البيهقي لهذا نظائر كثيرة ، وأسند روايات كثيرة في هذا المعنى ، تشفي القلوب وتحصل المطلوب .

[ ص: 78 ] وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عارم ، ثنا معتمر ، وقال يحيى بن معين وابن عبد الأعلى : ثنا معتمر ، هو ابن سليمان قال : سمعت أبي يحدث ، عن أبي العلاء قال : كنت عند قتادة بن ملحان في مرضه الذي مات فيه . قال : فمر رجل في مؤخر الدار . قال : فرأيته في وجه قتادة . قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مسح وجهه . قال : وكنت قل ما رأيته إلا ورأيت كأن على وجهه الدهان .

وثبت في " الصحيحين " أنه ، عليه الصلاة والسلام ، دعا لعبد الرحمن بن عوف بالبركة حين رأى عليه ذلك الردع من الزعفران لأجل العرس ، فاستجاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ففتح له في المتجر والمغانم حتى حصل له مال جزيل ، بحيث إنه لما مات صولحت امرأة من نسائه الأربع عن ربع الثمن ، على ثمانين ألفا .

وثبت في الحديث من طريق شبيب بن غرقدة أنه سمع الحي يخبرون عن عروة بن أبي الجعد البارقي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا ، ليشتري له به شاة ، فاشترى به شاتين ، وباع إحداهما بدينار ، وأتاه بشاة ودينار ، فدعا له [ ص: 79 ] بالبركة في البيع ، فكان لو اشترى التراب لربح فيه . وفي رواية : فقال له : " بارك الله لك في صفقة يمينك " .

وقال البخاري : ثنا عبد الله بن يوسف ، ثنا ابن وهب ، ثنا سعيد بن أبي أيوب ، عن أبي عقيل ، أنه كان يخرج به جده عبد الله بن هشام إلى السوق فيشتري الطعام ، فيلقاه ابن الزبير وابن عمر فيقولان : أشركنا في بيعك; فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا لك بالبركة . فيشركهم ، فربما أصاب الراحلة كما هي فيبعث بها إلى المنزل .

وقال البيهقي : أنا أبو سعد الماليني ، أنا ابن عدي ، ثنا علي بن محمد بن سليمان الحلبي ، ثنا محمد بن يزيد المستملي ، ثنا شبابة بن عبد الله ، ثنا أيوب بن سيار ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، عن أبي بكر ، عن بلال قال : أذنت في غداة باردة ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلم ير في المسجد أحدا ، فقال : " أين الناس يا بلال؟ " فقلت : منعهم البرد . فقال : " اللهم أذهب عنهم البرد " فرأيتهم يتروحون . ثم قال البيهقي : تفرد به أيوب بن سيار ، ونظيره قد مضى في الحديث المشهور عن حذيفة في قصة الخندق .

[ ص: 80 ] حديث آخر : قال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأصبهاني إملاء ، أنا أبو إسماعيل الترمذي محمد بن إسماعيل ، ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ، ثنا علي بن أبي علي اللهبي ، عن ابن أبي ذئب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وعمر بن الخطاب معه ، فعرضت امرأة فقالت : يا رسول الله ، إني امرأة مسلمة محرمة ، ومعي زوج لي في بيتي مثل المرأة . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ادعي لي زوجك " . فدعته وكان خرازا ، فقال له : " ما تقول في امرأتك يا عبد الله؟ " فقال الرجل : والذي أكرمك ما جف رأسي منها . فقالت امرأته : ما مرة واحدة في الشهر؟! فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتبغضينه؟ " قالت : نعم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أدنيا رءوسكما " . فوضع جبهتها على جبهة زوجها ثم قال : " اللهم ألف بينهما ، وحبب أحدهما إلى صاحبه " ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق النمط ومعه عمر بن الخطاب ، فطلعت المرأة تحمل أدما على رأسها ، فلما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم طرحته وأقبلت ، فقبلت رجليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف أنت وزوجك؟ " فقالت : والذي أكرمك ما طارف ولا تالد ولا والد [ ص: 81 ] أحب إلي منه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أشهد أني رسول الله " . فقال عمر : وأنا أشهد أنك رسول الله قال أبو عبد الله : تفرد به علي بن علي اللهبي ، وهو كثير الرواية للمناكير . قال البيهقي : وقد روى يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله معنى هذه القصة; إلا أنه لم يذكر عمر بن الخطاب .

حديث آخر :

قال أبو القاسم البغوي : ثنا كامل بن طلحة ، ثنا حماد بن سلمة ، ثنا علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي الطفيل ، أن رجلا ولد له غلام فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا له بالبركة ، وأخذ بجبهته ، فنبتت شعرة في جبهته كأنها هلبة فرس ، فشب الغلام ، فلما كان زمن الخوارج أجابهم ، فسقطت الشعرة عن جبهته ، فأخذه أبوه فقيده وحبسه ، مخافة أن يلحق بهم . قال : فدخلنا عليه فوعظناه وقلنا له : ألم تر إلى بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعت؟ فلم نزل به حتى رجع عن رأيهم . قال : فرد الله تلك الشعرة إلى جبهته إذ تاب

وقد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي ، عن الحاكم وغيره ، عن الأصم ، عن أبي أسامة الكلبي ، عن شريح بن مسلمة ، عن أبي يحيى إسماعيل بن إبراهيم التيمي ، حدثني سيف بن وهب عن أبي الطفيل ، أن رجلا من بني ليث يقال له : [ ص: 82 ] فراس بن عمرو . أصابه صداع شديد ، فذهب به أبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه بين يديه ، وأخذ بجلدة بين عينيه فجذبها حتى تنقضت ، فنبتت في موضع أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرة ، وذهب عنه الصداع فلم يصدع . وذكر بقية القصة في الشعرة كنحو ما تقدم .

حديث آخر : قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا هاشم بن القاسم الحراني ، ثنا يعلى بن الأشدق ، سمعت عبد الله بن جراد العقيلي ، حدثني النابغة ، يعني الجعدي ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشدته من قولي :


علونا العباد عفة وتكرما وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

قال : " أين المظهر يا أبا ليلى؟ " قال : قلت : إلى الجنة . قال : " أجل إن شاء الله " . ثم قال : " أنشدني " فأنشدته من قولي :


ولا خير في حلم إذا لم يكن له     بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له     حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا

قال : " أحسنت ، لا يفضض الله فاك " .
هكذا رواه البزار إسنادا ومتنا .

[ ص: 83 ] وقد رواه الحافظ البيهقي من طريق أخرى فقال : أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد بن محمد بن عبدان ، أنا أبو بكر محمد بن المؤمل ، ثنا جعفر بن محمد بن سوار ، ثنا إسماعيل بن عبد الله بن خالد السكري الرقي ، حدثني يعلى بن الأشدق قال : سمعت النابغة نابغة بني جعدة يقول : أنشدت رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الشعر فأعجبه‏ :


بلغنا السماء مجدنا وثراؤنا     وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

فقال : " أين المظهر يا أبا ليلى؟ " قلت : إلى الجنة . قال : " كذلك إن شاء الله " .


ولا خير في حلم إذا لم يكن له     بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له     حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا

فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أجدت ، لا يفضض فوك " . قال يعلى : فلقد رأيته ولقد أتى عليه نيف ومائة سنة وما ذهب له سن
. قال البيهقي : وروى ذلك عن مجاهد بن سليم ، عن عبد الله بن جراد سمعت نابغة يقول : سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنشد من قولي :


بلغنا السماء عفة وتكرما     وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

[ ص: 84 ] ثم ذكر الباقي بمعناه . قال : فلقد رأيت سنه كأنها البرد المنهل ، ما سقط له سن ولا انفلت .


حديث آخر : قال الحافظ البيهقي : أنا أبو بكر القاضي وأبو سعيد بن أبي عمرو ، قالا : ثنا الأصم ، ثنا عباس الدوري ، ثنا علي بن بحر القطان ، ثنا هشام بن يوسف ، ثنا معمر ، ثنا ثابت وسليمان التيمي ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر قبل العراق والشام واليمن - لا أدري بأيتهن بدأ - ثم قال : " اللهم أقبل بقلوبهم إلى طاعتك وحط من ورائهم ثم رواه عن الحاكم عن الأصم ، عن محمد بن إسحاق الصاغاني ، عن علي بن بحر بن بري ، فذكره بمعناه .

وقال أبو داود الطيالسي : ثنا عمران القطان ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن زيد بن ثابت قال : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل اليمن فقال : " اللهم أقبل بقلوبهم " . ثم نظر قبل الشام فقال : " اللهم أقبل بقلوبهم " . ثم نظر قبل العراق فقال : " اللهم أقبل بقلوبهم ، وبارك لنا في صاعنا ومدنا " . وهكذا وقع الأمر ، أسلم أهل اليمن قبل أهل الشام ، ثم كان الخير والبركة قبل العراق ، ووعد أهل الشام بالدوام على الهداية والقيام بنصرة الدين إلى آخر الأمر وروى أحمد في [ ص: 85 ] " مسنده " : لا تقوم الساعة حتى يتحول خيار أهل العراق إلى الشام ، ويتحول شرار أهل الشام إلى العراق .

التالي السابق


الخدمات العلمية