صفحة جزء
[ ص: 161 ] ومن كتاب دلائل النبوة في باب إخباره ، عليه الصلاة والسلام ، عن الغيوب المستقبلة

فمن ذلك ما ثبت في " الصحيحين " من حديث إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه قد كان في الأمم محدثون ، فإن يكن في أمتي فعمر بن الخطاب "

وقد قال يعقوب بن سفيان : ثنا عبيد الله بن موسى ، أنا أبو إسرائيل ، كوفي ، عن الوليد بن العيزار ، عن عمرو بن ميمون ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : ما كنا ننكر ونحن متوافرون - أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم - أن السكينة تنطق على لسان عمر . قال البيهقي : تابعه زر بن حبيش والشعبي عن علي .

قال يعقوب بن سفيان : ثنا مسلم بن إبراهيم ، ثنا شعبة ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : كنا نتحدث أن عمر بن الخطاب ينطق على لسان ملك ، وقد ذكرنا في " سيرة عمر بن الخطاب " ، رضي الله عنه ، أشياء كثيرة ، من مكاشفاته وما كان يخبر به من المغيبات ، كقصة سارية بن زنيم ، [ ص: 162 ] وما شاكلها ولله الحمد والمنة .

ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث فراس ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعن عنده ، فقلن يوما : يا رسول الله ، أينا أسرع بك لحوقا؟ فقال : " أطولكن يدا " . وكانت سودة أطولنا ذراعا ، فكانت أسرعنا به لحوقا . هكذا وقع في " الصحيح " عند البخاري أنها سودة ، وقد رواه يونس بن بكير ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبي ، فذكر الحديث مرسلا ، وقال : فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدا في الخير والصدقة . والذي رواه مسلم ، عن محمود بن غيلان ، عن الفضل بن موسى ، عن طلحة بن يحيى بن طلحة ، عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، فذكرت الحديث ، وفيه : فكانت زينب أطولنا يدا; لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق . وهذا هو المشهور عن علماء التاريخ أن زينب بنت جحش كانت أول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفاة . قال الواقدي : توفيت سنة عشرين ، وصلى عليها عمر بن الخطاب . قلت : وأما سودة فإنها توفيت في آخر إمارة عمر بن الخطاب أيضا . قاله ابن أبي خيثمة .

ومن ذلك ما رواه مسلم من حديث أسير بن جابر ، عن عمر بن الخطاب في قصة أويس القرني ، وإخباره ، عليه الصلاة والسلام ، عنه بأنه خير التابعين [ ص: 163 ] وأنه كان به برص ، فدعا الله فأذهبه عنه ، إلا موضعا قدر الدرهم من جسده ، وأنه بار بأمه ، وأمره لعمر بن الخطاب أن يستغفر له ، وقد وجد هذا الرجل في زمان عمر بن الخطاب على الصفة والنعت الذي ذكره في الحديث سواء ، وقد ذكرت طرق هذا الحديث وألفاظه والكلام عليه مطولا في الذي جمعته من " مسند عمر بن الخطاب " ، رضي الله عنه ، ولله الحمد والمنة .

ومن ذلك ما رواه أبو داود : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا وكيع ، ثنا الوليد بن عبد الله بن جميع ، حدثتني جدتي وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري ، عن أم ورقة بنت نوفل ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرا قالت : يا رسول الله ، ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم ، لعل الله يرزقني الشهادة . فقال لها : " قري في بيتك فإن الله يرزقك الشهادة " فكانت تسمى الشهيدة ، وكانت قد قرأت القرآن ، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في بيتها مؤذنا ، فأذن لها ، وكانت دبرت غلاما لها وجارية ، فقاما إليها بالليل ، فغماها في قطيفة لها حتى ماتت وذهبا ، فأصبح عمر ، فقام في الناس ، وقال : من عنده من هذين علم أو من رآهما فليجيء بهما - يعني فجيء بهما - [ ص: 164 ] فأمر بهما فصلبا ، وكانا أول مصلوبين بالمدينة . وقد رواه البيهقي من حديث أبي نعيم ، ثنا الوليد بن جميع ، حدثتني جدتي ، عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة . فذكر الحديث وفي آخره : فقال عمر : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " انطلقوا بنا نزور الشهيدة

ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث أبي إدريس الخولاني ، عن عوف بن مالك في حديثه ، عنه في الآيات الست بعد موته ، وفيه : " ثم موتان يأخذكم كقعاص الغنم وهذا قد وقع في أيام عمر ، وهو طاعون عمواس سنة ثماني عشرة ، ومات بسببه جماعات من سادات الصحابة ، منهم ، معاذ بن جبل ، وأبو عبيدة ، ويزيد بن أبي سفيان ، وشرحبيل بن حسنة ، وأبو جندل سهل بن عمر ، وأبوه ، والفضل بن العباس بن عبد المطلب ، رضي الله عنهم أجمعين .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، ثنا النهاس بن قهم ، ثنا شداد أبو [ ص: 165 ] عمار ، عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ست من أشراط الساعة; موتي ، وفتح بيت المقدس ، وموت يأخذ في الناس كقعاص الغنم ، وفتنة يدخل حربها بيت كل مسلم ، وأن يعطى الرجل ألف دينار فيسخطها ، وأن يغدر الروم فيسيرون إليكم بثمانين بندا ، تحت كل بند اثنا عشر ألفا "

وقد قال الحافظ البيهقي : أنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا بحر بن نصر ، ثنا ابن وهب ، أخبرني ابن لهيعة عن عبد الله بن حيان ، أنه سمع سليمان بن موسى يذكر أن الطاعون وقع بالناس يوم جسر عموسة ، فقام عمرو بن العاص فقال يا أيها الناس ، إنما هذا الوجع رجس فتنحوا عنه . فقام شرحبيل بن حسنة فقال : يا أيها الناس ، إني قد سمعت قول صاحبكم ، وإني والله لقد أسلمت وصليت وإن عمرا لأضل من بعير أهله ، وإنما هو بلاء أنزله الله عز وجل ، فاصبروا . فقام معاذ بن جبل فقال : يا أيها الناس ، إني قد سمعت قول صاحبيكم هذين ، وإن هذا الطاعون رحمة بكم ، ودعوة نبيكم صلى الله عليه وسلم ، وإني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنكم ستقدمون الشام فتنزلون أرضا يقال لها : أرض عموسة . فيخرج بكم فيها خرجان له ذباب كذباب الدمل ، يستشهد الله به أنفسكم وذراريكم ، ويزكي به [ ص: 166 ] أموالكم " . اللهم إن كنت تعلم أني قد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فارزق معاذا وآل معاذ منه الحظ الأوفى ، ولا تعافه منه . قال : فطعن في السبابة فجعل ينظر إليها ويقول : اللهم بارك فيها ، فإنك إذا باركت في الصغير كان كبيرا . ثم طعن ابنه فدخل عليه فقال : الحق من ربك فلا تكونن من الممترين [ يونس : 94 ] . فقال ستجدني إن شاء الله من الصابرين [ الصافات : 102 ] .

وثبت في " الصحيحين " من حديث الأعمش وجامع بن أبي راشد ، عن شقيق بن سلمة عن حذيفة قال : كنا جلوسا عند عمر فقال : أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قلت : أنا . قال : هات إنك لجريء . فقلت : فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره ، يكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقال ليس هذا أعني ، إنما أعني التي تموج موج البحر . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن بينك وبينها بابا مغلقا . قال : ويحك ، أيفتح الباب أم يكسر؟ قلت بل يكسر . قال : إذا لا يغلق أبدا . قلت : أجل . فقلنا لحذيفة : فكان عمر يعلم من الباب؟ قال نعم ، إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط . قال : فهبنا أن نسأل حذيفة من الباب ، فقلنا لمسروق فسأله ، فقال : عمر . وهكذا وقع من بعد مقتل عمر وقعت الفتن في الناس وتأكد ظهورها بمقتل عثمان بن عفان ، رضي الله عنهما .

وقد قال يعلى بن عبيد عن الأعمش ، عن شقيق ، عن عزرة بن قيس [ ص: 167 ] قال : خطبنا خالد بن الوليد فقال : إن أمير المؤمنين عمر بعثني إلى الشام ، فحين ألقى بوانيه بثنية وعسلا أراد أن يؤثر بها غيري ويبعثني إلى الهند . فقال رجل من تحته : اصبر أيها الأمير ، فإن الفتن قد ظهرت . فقال خالد : أما وابن الخطاب حي فلا ، وإنما ذاك بعده .

وقد روى الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه قال : أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر ثوبا فقال : " أجديد ثوبك أم غسيل؟ " قال : بل غسيل . قال " البس جديدا ، وعش حميدا ، ومت شهيدا " وأظنه قال : " ويرزقك الله قرة عين في الدنيا والآخرة " . وهكذا رواه النسائي وابن ماجه من حديث عبد الرزاق به ، ثم قال النسائي : هذا حديث منكر ، أنكره يحيى القطان على عبد الرزاق ، وقد روي عن الزهري من وجه آخر مرسلا . قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ : لا أعلم أحدا رواه عن الزهري غير معمر ، وما أحسبه بالصحيح ، والله أعلم . قلت رجال إسناده واتصاله على شرط " الصحيحين " ، وقد قبل الشيخان تفرد معمر عن الزهري في غيرما حديث ، ثم قد روى البزار هذا الحديث من طريق جابر الجعفي ، وهو ضعيف ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن جابر بن عبد الله ، [ ص: 168 ] مرفوعا مثله سواء ، وقد وقع ما أخبر به في هذا الحديث; فإنه ، رضي الله عنه ، قتل شهيدا وهو قائم يصلي الفجر في محرابه من المسجد النبوي ، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام . وقد تقدم حديث أبي ذر في تسبيح الحصا في يد أبي بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، وقوله ، عليه الصلاة والسلام : " هذه خلافة النبوة "

وقال نعيم بن حماد ثنا عبد الله بن المبارك ، أنا حشرج بن نباتة ، عن سعيد بن جمهان ، عن سفينة قال : لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة جاء أبو بكر بحجر فوضعه ، ثم جاء عمر بحجر فوضعه ، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هؤلاء يكونون الخلفاء بعدي وقد تقدم في حديث عبد الله بن حوالة قوله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من نجا منهن فقد نجا; موتي ، وقتل خليفة مصطبر ، والدجال " وفي حديثه الآخر الأمر باتباع عثمان عند وقوع الفتنة .

وثبت في " الصحيحين " من حديث سليمان بن بلال ، عن شريك بن أبي نمير ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي موسى قال : توضأت في بيتي ، ثم خرجت فقلت : لأكونن اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت المسجد فسألت عنه فقالوا : خرج وتوجه هاهنا . فخرجت في أثره حتى جئت بئر أريس ، [ ص: 169 ] وبابها من جريد ، فمكثت عند بابها حتى علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قضى حاجته وجلس ، فجئته فسلمت عليه ، فإذا هو قد جلس على قف بئر أريس فتوسطه ، ثم دلى رجليه في البئر وكشف عن ساقيه ، فرجعت إلى الباب وقلت : لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلم أنشب أن دق الباب ، فقلت : من هذا؟ قال : أبو بكر . قلت : على رسلك . وذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، هذا أبو بكر يستأذن . فقال : " ائذن له وبشره بالجنة " . قال : فخرجت مسرعا حتى قلت لأبي بكر : ادخل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة . قال : فدخل حتى جلس إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم في القف على يمينه ، ودلى رجليه وكشف عن ساقيه كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم . قال : ثم رجعت وقد كنت تركت أخي يتوضأ ، وقد كان قال لي : أنا على إثرك . فقلت : إن يرد الله بفلان خيرا يأت به . قال : فسمعت تحريك الباب ، فقلت : من هذا؟ قال : عمر . قلت : على رسلك قال : وجئت النبي صلى الله عليه وسلم ، فسلمت عليه وأخبرته ، فقال : " ائذن له وبشره بالجنة " . قال : فجئت وأذنت له ، وقلت له : رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة . قال : فدخل حتى جلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على يساره ، وكشف عن ساقيه ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر . قال : ثم رجعت فقلت : إن يرد الله بفلان خيرا يأت به - يريد أخاه - فإذا تحريك الباب ، فقلت : من هذا؟ قال : عثمان بن عفان . قلت : على رسلك . وذهبت إلى رسول الله فقلت : هذا عثمان يستأذن . فقال : " ائذن [ ص: 170 ] له وبشره بالجنة مع بلوى أو بلاء يصيبه " . قال : فجئت فقلت : رسول الله صلى الله عليه وسلم يأذن لك ويبشرك بالجنة على بلوى أو بلاء يصيبك . فدخل وهو يقول : الله المستعان . فلم يجد في القف مجلسا فجلس وجاههم من شق البئر ، وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ، رضي الله عنهما قال سعيد بن المسيب فأولتها قبورهم اجتمعت وانفرد عثمان .

وقد روى البيهقي من حديث عبد الأعلى بن أبي المساور عن إبراهيم بن محمد بن حاطب ، عن عبد الرحمن بن بجير ، عن زيد بن أرقم قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " انطلق حتى تأتي أبا بكر فتجده في داره جالسا محتبيا فقل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول : أبشر بالجنة . ثم انطلق حتى تأتي الثنية ، فتلقى عمر راكبا على حمار تلوح صلعته ، فقل : إن رسول الله يقرأ عليك السلام ويقول : أبشر بالجنة . ثم انصرف حتى تأتي عثمان فتجده في السوق يبيع ويبتاع ، فقل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول : أبشر بالجنة بعد بلاء شديد " . فذكر الحديث في ذهابه إليهم ، فوجد كلا منهم كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلا منهم يقول : أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقول : في مكان كذا وكذا . فيذهب إليه ، وأن عثمان لما رجع قال : يا رسول الله ، وأي بلاء يصيبني؟ والذي [ ص: 171 ] بعثك بالحق ما تغيبت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك ، فأي بلاء يصيبني؟ فقال : " هو ذاك " ثم قال البيهقي : عبد الأعلى ضعيف ، فإن كان حفظ هذا الحديث فيحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم زيد بن أرقم ، فجاءوا وأبو موسى جالس على الباب كما تقدم . وهذا البلاء الذي أصابه هو ما اتفق وقوعه على يدي من أنكر عليه من رعاع أهل الأمصار بلا علم ، فوقع ما سنذكره في دولته ، إن شاء الله من حصرهم إياه في داره حتى آل الحال بعد ذلك كله إلى اضطهاده وقتله وإلقائه على الطريق أياما لا يصلى عليه ولا يلتفت إليه ، حتى غسل بعد ذلك وصلي عليه ودفن بحش كوكب - بستان في طرف البقيع - رضي الله عنه وأرضاه ، وجعل جنات الفردوس متقلبه ومثواه .

كما قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن إسماعيل بن قيس ، عن أبي سهلة مولى عثمان ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ادعوا لي بعض أصحابي " . قلت : أبو بكر؟ قال " لا " . قلت عمر؟ قال : " لا " . قلت ابن عمك علي؟ قال : " لا " . قلت : عثمان؟ قال : " نعم " . فلما جاء عثمان قال : " تنحى " . فجعل يساره ولون عثمان يتغير . قال أبو سهلة : فلما كان يوم الدار وحصر فيها ، قلنا : يا أمير المؤمنين ، ألا تقاتل؟ قال : لا ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا ، وإني صابر نفسي عليه تفرد به أحمد ، ثم قد رواه أحمد عن وكيع ، عن إسماعيل ، عن قيس ، عن عائشة ، فذكر مثله ، [ ص: 172 ] وأخرجه ابن ماجه من حديث وكيع .

وقال نعيم بن حماد في كتابه " الفتن والملاحم " : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن مجاهد ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعثمان بين يديه يناجيه ، فلم أدرك من مقالته شيئا إلا قول عثمان : أظلما وعدوانا يا رسول الله؟! فما دريت ما هو حتى قتل عثمان ، فعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما عنى قتله . قالت عائشة : وما أحببت أن يصل إلى عثمان شيء إلا وصل إلي مثله ، غير أن الله علم أني لم أحب قتله ، ولو أحببت قتله لقتلت . وذلك لما رمي هودجها من النبل حتى صار مثل القنفذ

وقال أبو داود الطيالسي : ثنا إسماعيل بن جعفر ، عن عمرو بن أبي عمرو ، مولى المطلب ، عن المطلب ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم ، وتجتلدوا بأسيافكم ، ويرث دنياكم شراركم "

وقال البيهقي : أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا علي بن محمد المصري ، ثنا محمد بن إسماعيل السلمي ، ثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال ، عن ربيعة بن سيف ، أنه حدثه أنه جلس [ ص: 173 ] يوما مع شفي الأصبحي ، فقال : سمعت عبد الله بن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " سيكون فيكم اثنا عشر خليفة; أبو بكر الصديق ، لا يلبث خلفي إلا قليلا ، وصاحب دارة رحى العرب يعيش حميدا ويموت شهيدا " . فقال رجل : ومن هو يا رسول الله؟ قال : " عمر بن الخطاب " . ثم التفت إلى عثمان فقال : " وأنت يسألك الناس أن تخلع قميصا كساكه الله ، والذي بعثني بالحق لئن خلعته لا تدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط "

ثم روى البيهقي من حديث موسى بن عقبة : حدثني جدي أبو أمي أبو حبيبة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها ، وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام فأذن له ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنكم ستلقون بعدي فتنة واختلافا " . فقال له قائل من الناس : فمن لنا يا رسول الله؟ أو : ما تأمرنا؟ فقال : " عليكم بالأمين وأصحابه " . وهو يشير إلى عثمان بذلك وقد رواه الإمام أحمد عن عفان ، عن وهيب ، عن موسى بن عقبة به . وقد تقدم في حديث عبد الله بن حوالة شاهدان له بالصحة . والله أعلم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن منصور ، عن [ ص: 174 ] ربعي ، عن البراء بن ناجية ، عن عبد الله هو ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين ، أو ست وثلاثين ، أو سبع وثلاثين ، فإن يهلكوا فسبيل من قد هلك ، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما " . قال : قلت : أبما مضى أو بما بقي؟ قال : وبما " بقي ورواه أبو داود عن محمد بن سليمان الأنباري ، عن عبد الرحمن بن مهدي به ، ثم رواه أحمد عن إسحاق وحجاج ، عن سفيان ، عن منصور ، عن ربعي ، عن البراء بن ناجية الكاهلي ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن رحى الإسلام ستزول بخمس وثلاثين ، أو ست وثلاثين ، أو سبع وثلاثين ، فإن تهلك فسبيل ما هلك ، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما " . قال : قال عمر : يا رسول الله ، أبما مضى أو بما بقي؟ قال : " بل بما بقي " وهكذا رواه يعقوب بن سفيان عن عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن منصور به . فقال له عمر ، فذكره . قال البيهقي : وقد تابع إسرائيل الأعمش وسفيان الثوري ، عن منصور . قال : وبلغني أن في هذا إشارة إلى الفتنة التي كان فيها قتل عثمان سنة خمس وثلاثين ، ثم إلى الفتن التي كانت في أيام علي ، وأراد بالسبعين ملك بني أمية ، فإنه بقي بين ما بين أن استقر لهم الملك إلى أن ظهرت الدعاة [ ص: 175 ] بخراسان وضعف أمر بني أمية ودخل الوهن فيه ، نحوا من سبعين سنة .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثني يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان ، عن مجاهد ، عن إبراهيم بن الأشتر ، عن أبيه ، عن أم ذر قالت : لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت ، فقال : ما يبكيك؟ فقلت : ومالي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض ولا يد لي بدفنك ، وليس عندي ثوب يسعك فأكفنك فيه . قال : فلا تبكي وأبشري ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين " . وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية أو جماعة ، وإني أنا الذي أموت بالفلاة ، والله ما كذبت ولا كذبت تفرد به أحمد رحمه الله ، وقد رواه البيهقي من حديث علي بن المديني ، عن يحيى بن سليم الطائفي به مطولا والحديث مشهور في موته ، رضي الله عنه ، بالربذة سنة ثنتين وثلاثين ، في خلافة عثمان بن عفان ، وكان في النفر الذين قدموا عليه وهو في السياق عبد الله بن مسعود ، وهو الذي صلى عليه ، ثم قدم المدينة ، فأقام بها عشر ليال ، ومات رضي الله عنه .

حديث آخر : قال البيهقي : أنا الحاكم ، أنا الأصم ، ثنا محمد بن إسحاق الصنعاني ، ثنا عمر بن سعيد الدمشقي ، ثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن إسماعيل [ ص: 176 ] بن عبيد الله ، عن أبي عبد الله الأشعري ، عن أبي الدرداء قال : قلت : يا رسول الله ، بلغني أنك تقول : " ليرتدن أقوام بعد إيمانهم " . قال : " أجل ، ولست منهم " . قال : فتوفيأبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان

وقال يعقوب بن سفيان : ثنا صفوان ، ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا عبد الله ، أو عبد الغفار بن إسماعيل بن عبد الله ، عن أبيه أنه حدثه عن شيخ من السلف قال : سمعت أبا الدرداء يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني فرطكم على الحوض ، أنتظر من يرد علي منكم ، فلا ألفين أنازع أحدكم فأقول : إنه من أمتي . فيقال : هل تدري ما أحدثوا بعدك؟ " قال أبو الدرداء : فتخوفت أن أكون منهم ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له . فقال : " إنك لست منهم " . قال : فتوفي أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان ، وقبل أن تقع الفتن . قال البيهقي : تابعه يزيد بن أبي مريم عن أبي عبيد الله مسلم بن مشكم ، عن أبي الدرداء إلى قوله : " لست منهم " . قلت : قال سعيد بن عبد العزيز : توفي أبو الدرداء لسنتين بقيتا من خلافة عثمان وقال الواقدي وأبو عبيد وغير واحد : توفي سنة ثنتين وثلاثين . رضي الله عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية