صفحة جزء
[ ص: 177 ] ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان بن عفان ، وفي خلافة علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما

ثبت في " الصحيحين " من حديث سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن أسامة بن زيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على أطم من آطام المدينة ، فقال : " هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر "

وروى الإمام أحمد ومسلم ، من حديث الزهري عن أبي إدريس الخولاني : سمعت حذيفة بن اليمان يقول : والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة ، وما ذاك أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثني من ذلك شيئا أسره إلي لم يكن حدث به غيري ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، وهو يحدث مجلسا أنا فيه ، سئل عن الفتن ، وهو يعد الفتن : " فيهن ثلاث لا يذرن شيئا; منهن كرياح الصيف ، منها صغار ومنها كبار " . قال حذيفة : فذهب أولئك الرهط كلهم غيري . وهذا لفظ أحمد . قال البيهقي : مات حذيفة بعد [ ص: 178 ] الفتنة الأولى بقتل عثمان ، وقبل الفتنتين الآخرتين في أيام علي . قلت : قال العجلي وغير واحد من علماء التاريخ : كانت وفاة حذيفة بعد مقتل عثمان بأربعين يوما . وهو الذي قال : لو كان قتل عثمان هدى لاحتلبت به الأمة لبنا ، ولكنه كان ضلالة ، فاحتلبت به الأمة دما . وقال : لو أن أحدا ارتقص لما صنعتم بعثمان لكان جديرا أن يرقص .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة ، عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان ، عن أمها أم حبيبة ، عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم - قال سفيان : أربع نسوة - قالت : استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر الوجه ، وهو يقول : " لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه " . وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها . قلت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون؟! قال : نعم ، إذا كثر الخبث " هكذا رواه الإمام أحمد ، عن سفيان بن عيينة به . وكذلك رواه مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وسعيد بن عمرو الأشعثي وزهير بن حرب وابن أبي عمر ، كلهم عن [ ص: 179 ] سفيان بن عيينة به سواء . ورواه الترمذي ، عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي وغير واحد ، كلهم عن سفيان بن عيينة . وقال الترمذي : حسن صحيح . وقال الترمذي : قال الحميدي ، عن سفيان : حفظت من الزهري في هذا الإسناد أربع نسوة .

قلت : وقد أخرجه البخاري ، عن مالك بن إسماعيل ، ومسلم عن عمرو الناقد ، عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن زينب ، عن أم حبيبة ، عن زينب بنت جحش ، فلم يذكرا حبيبة في الإسناد ، وكذلك رواه عن الزهري شعيب ، وصالح بن كيسان ، وعقيل ، ومحمد بن إسحاق ومحمد بن أبي عتيق ، ويونس بن يزيد ، فلم يذكروا عنه في الإسناد حبيبة . والله أعلم . فعلى ما رواه أحمد ومن تابعه ، عن سفيان بن عيينة ، يكون قد اجتمع في هذا الإسناد تابعيان ، وهما الزهري وعروة بن الزبير ، وأربع صحابيات; ربيبتان وزوجتان ، وهذا عزيز جدا .

ثم قال البخاري بعد روايته الحديث المتقدم ، عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، فذكره إلى آخره ، ثم قال : وعن الزهري ، حدثتني هند بنت [ ص: 180 ] الحارث أن أم سلمة قالت : استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " سبحان الله ماذا أنزل من الخزائن؟! وماذا أنزل من الفتن؟! وقد أسنده البخاري في مواضع أخر من طرق ، عن الزهري به . ورواه الترمذي من حديث معمر ، عن الزهري ، وقال : حسن صحيح .

وقال أبو داود الطيالسي : ثنا الصلت بن دينار ، ثنا عقبة بن صهبان وأبو رجاء العطاردي ، قالا : سمعنا الزبير وهو يتلو هذه الآية واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة [ الأنفال : 25 ] . قال : لقد تلوت هذه الآية زمانا وما أراني من أهلها ، فأصبحنا من أهلها . وهذا الإسناد ضعيف ، ولكن روي من وجه آخر ، فقال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، ثنا جرير قال : سمعت الحسن قال : قال الزبير بن العوام : نزلت هذه الآية ونحن متوافرون مع النبي صلى الله عليه وسلم : واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة فجعلنا نقول : ما هذه الفتنة وما نشعر أنها تقع حيث وقعت . ورواه النسائي ، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن مهدي ، عن جرير بن حازم به ، وقد قتل [ ص: 181 ] الزبير بوادي السباع مرجعه من قتال يوم الجمل ، على ما سنورده في موضعه ، إن شاء الله تعالى .

وقال أبو داود السجستاني في " سننه " : ثنا مسدد ، ثنا أبو الأحوص سلام ابن سليم ، عن منصور عن هلال بن يساف ، عن سعيد بن زيد قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر فتنة فعظم أمرها فقلنا : يا رسول الله ، لئن أدركتنا هذه لتهلكنا . فقال : " كلا إن بحسبكم القتل " قال سعيد : فرأيت إخواني قتلوا . تفرد به أبو داود .

وقال أبو داود السجستاني : حدثنا الحسن بن علي ، ثنا يزيد ، أنا هشام ، عن محمد قال : قال حذيفة : ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه إلا محمد بن مسلمة ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تضرك الفتنة " وهذا منقطع .

وقال أبو داود الطيالسي : ثنا شعبة ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، سمعت أبا بردة يحدث عن ثعلبة بن ضبيعة ، سمعت حذيفة يقول : إني لأعرف رجلا لا تضره الفتنة . فأتينا المدينة ، فإذا فسطاط مضروب ، وإذا محمد بن مسلمة الأنصاري ، فسألته فقال : لا أستقر بمصر من أمصارهم حتى تنجلي هذه [ ص: 182 ] الفتنة عن جماعة المسلمين قال البيهقي : ورواه أبو داود ، يعني السجستاني ، عن عمرو بن مرزوق ، عن شعبة به .

وقال أبو داود : ثنا مسدد ، ثنا أبو عوانة ، عن أشعث بن سليم ، عن أبي بردة ، عن ضبيعة بن حصين التغلبي ، عن حذيفة بمعناه . قال البخاري في " التاريخ " : هذا عندي أولى .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، ثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أبي بردة قال : مررت بالربذة فإذا فسطاط ، فقلت : لمن هذا؟ فقيل : لمحمد بن مسلمة . فاستأذنت عليه فدخلت عليه فقلت : رحمك الله ، إنك من هذا الأمر بمكان ، فلو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت . فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ستكون فتنة وفرقة واختلاف ، فإذا كان ذلك فأت بسيفك أحدا فاضرب به عرضه ، وكسر نبلك ، واقطع وترك ، واجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو يعافيك الله " . فقد كان ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفعلت ما أمرني به . ثم استنزل سيفا كان معلقا بعمود الفسطاط واخترطه ، فإذا سيف من خشب ، فقال : قد فعلت ما أمرني به ، واتخذت هذا أرهب به الناس تفرد به أحمد .

[ ص: 183 ] وقال البيهقي : أنا الحاكم ، ثنا علي بن عيسى الحيري ، أنا أحمد بن نجدة القرشي ، ثنا يحيى بن عبد الحميد ، أنا إبراهيم بن سعد ، ثنا سالم بن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن محمود بن لبيد ، عن محمد بن مسلمة أنه قال : يا رسول الله ، كيف أصنع إذا اختلف المصلون؟ قال : " اخرج بسيفك إلى الحرة فتضربها به ، ثم تدخل بيتك حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، ثنا زياد بن مسلم أبو عمر ، ثنا أبو الأشعث الصنعاني ، قال : بعثنا يزيد بن معاوية إلى ابن الزبير ، فلما قدمت المدينة دخلت على فلان - نسي زياد اسمه - فقال : إن الناس قد صنعوا ما صنعوا فما ترى؟ قال أوصاني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : " إن أدركت شيئا من هذه الفتن فاعمد إلى أحد فاكسر به حد سيفك ، ثم اقعد في بيتك ، فإن دخل عليك أحد البيت ، فقم إلى المخدع ، فإن دخل عليك المخدع ، فاجث على ركبتيك [ ص: 184 ] وقل : بؤ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار ، وذلك جزاء الظالمين " . فقد كسرت سيفي وقعدت في بيتي هكذا وقع إيراد هذا الحديث في مسند محمد بن مسلمة عند الإمام أحمد ، ولكن وقع إبهام اسمه ، وليس هو لمحمد بن مسلمة بل صحابي آخر ، فإن محمد بن مسلمة ، رضي الله عنه ، لا خلاف عند أهل التاريخ أنه توفي فيما بين الأربعين إلى الخمسين ، فقيل : سنة ثنتين . وقيل : ثلاث . وقيل سبع وأربعين . ولم يدرك أيام يزيد بن معاوية وعبد الله بن الزبير بلا خلاف ، فتعين أنه صحابي آخر ، خبره كخبر محمد بن مسلمة .

وقال نعيم بن حماد في " الفتن والملاحم " : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن حماد بن سلمة ، ، ثنا أبو عمرو القسلمي ، عن بنت أهبان الغفاري ، أن عليا أتى أهبان فقال : ما يمنعك أن تتبعنا؟ فقال : أوصاني خليلي وابن عمك صلى الله عليه وسلم أن : " ستكون فرقة وفتنة واختلاف ، فإذا كان ذلك فاكسر سيفك ، واقعد في بيتك ، واتخذ سيفا من خشب " وقد رواه أحمد عن عفان وأسود بن عامر ومؤمل ، ثلاثتهم عن حماد بن سلمة به . وزاد مؤمل في روايته بعد قوله : " واتخذ سيفا من خشب " . " واقعد في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية " . ورواه الإمام أحمد أيضا والترمذي وابن ماجه من حديث [ ص: 185 ] عبد الله بن عبيد الديلي ، عن عديسة بنت أهبان بن صيفي ، عن أبيها به ، وقال الترمذي : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عبيد . كذا قال ، وقد تقدم من غير طريقه .

وقال البخاري : ثنا عبد العزيز الأويسي ، ثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، أن أبا هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، من تشرف لها تستشرفه ، ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به " وعن ابن شهاب : حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن عبد الرحمن بن مطيع بن الأسود ، عن نوفل بن معاوية ، مثل حديث أبي هريرة هذا ، وقد روى مسلم حديث أبي هريرة من طريق إبراهيم بن سعد ، كما رواه البخاري ، وكذلك حديث نوفل بن معاوية بإسناد البخاري ولفظه ، ثم قال البخاري : ثنا محمد بن كثير ، أخبرني سفيان عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ستكون أثرة وأمور تنكرونها " . فقالوا : يا رسول الله ، فما تأمرنا؟ قال : " تؤدون الحق الذي عليكم ، وتسألون [ ص: 186 ] الله الذي لكم " ورواه مسلم من حديث الأعمش به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا روح ، ثنا عثمان الشحام ، ثنا مسلم بن أبي بكرة ، عن أبي بكرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " إنها ستكون فتن ثم تكون فتن ، ألا فالماشي فيها خير من الساعي إليها ، والقاعد فيها خير من القائم فيها ، ألا والمضطجع فيها خير من القاعد ، ألا فإذا نزلت فمن كان له غنم فليلحق بغنمه ، ألا ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه ، ألا ومن كانت له إبل فليلحق بإبله " . فقال رجل من القوم : يا نبي الله ، جعلني الله فداك ، أرأيت من ليست له غنم ولا أرض ولا إبل كيف يصنع؟ قال : " ليأخذ سيفه ، ثم ليعمد به إلى صخرة ، ثم ليدق على حده بحجر ، ثم لينج إن استطاع النجاء ، اللهم هل بلغت " . فقال رجل : يا رسول الله ، جعلني الله فداك ، أرأيت إن أخذ بيدي مكرها حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين - شك عثمان - فيحذفني رجل بسيفه فيقتلني ، ماذا يكون من شأني؟ قال : " يبوء بإثمك وإثمه ويكون من أصحاب النار " وهكذا رواه مسلم من حديث عثمان الشحام بنحوه ، وهذا إخبار عن إقبال الفتن ، وقد وردت أحاديث كثيرة في معنى هذا .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى عن إسماعيل ، ثنا قيس قال : لما أقبلت [ ص: 187 ] عائشة - يعني في مسيرها إلى وقعة الجمل - وبلغت مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب فقالت : أي ماء هذا؟ قالوا : ماء الحوأب . فقالت : ما أظنني إلا راجعة . فقال بعض من كان معها : بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم . قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم : كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟ ورواه نعيم بن حماد في " الملاحم " ، عن يزيد بن هارون ، عن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم به .

ثم رواه أحمد ، عن غندر ، عن شعبة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، أن عائشة لما أتت على الحوأب فسمعت نباح الكلاب ، فقالت : ما أظنني إلا راجعة; إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا : أيتكن ينبح عليها كلاب الحوأب؟ فقال لها الزبير : ترجعين؟! عسى الله أن يصلح بك بين الناس . وهذا إسناد على شرط " الصحيحين " ولم يخرجوه .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : ثنا محمد بن عثمان بن كرامة ، ثنا عبيد الله بن موسى ، عن عصام بن قدامة البجلي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب ، تسير حتى [ ص: 188 ] تنبحها كلاب الحوأب ، يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير " ثم قال : لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد .

وقال الطبراني : ثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني ، ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ، ثنا نوح بن دراج ، عن الأجلح بن عبد الله ، عن زيد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن ابن عباس قال : لما بلغ أصحاب علي ، حين ساروا إلى البصرة ، أن أهل البصرة قد اجتمعوا لطلحة والزبير ، شق عليهم ، ووقع في قلوبهم ، فقال علي : والذي لا إله غيره ليظهرن على أهل البصرة ، وليقتلن طلحة والزبير ، وليخرجن إليكم من الكوفة ستة آلاف وخمسمائة وخمسون رجلا ، أو خمسة آلاف وخمسمائة وخمسون رجلا - شك الأجلح - قال ابن عباس : فوقع ذلك في نفسي ، فلما أتى الكوفة خرجت فقلت : لأنظرن ، فإن كان كما يقول فهو أمر سمعه ، وإلا فهو خديعة الحرب ، فلقيت رجلا من الجيش فسألته ، فوالله ما عتم أن قال ما قال علي . قال ابن عباس : وهو مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره .

وقال البيهقي : أنا عبد الله الحافظ ، ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله [ ص: 189 ] الحفيد ، ثنا أحمد بن نصر ، ثنا أبو نعيم الفضل ، ثنا عبد الجبار بن الورد ، عن عمار الدهني ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن أم سلمة قالت : ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين ، فضحكت عائشة ، فقال لها : " انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت " . ثم التفت إلى علي ، وقال : " يا علي ، إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها " . وهذا حديث غريب جدا .

وأغرب منه ما رواه البيهقي أيضا ، عن الحاكم ، عن الأصم ، عن محمد بن إسحاق الصغاني ، عن أبي نعيم ، عن عبد الجبار بن العباس الشبامي ، عن عطاء بن السائب ، عن عمر بن الهجنع ، عن أبي بكرة قال : قيل له : ما يمنعك أن لا تكون قاتلت على بصيرتك يوم الجمل؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يخرج قوم هلكى لا يفلحون ، قائدهم امرأة ، قائدهم في الجنة " . وهذا منكر جدا .

والمحفوظ ما رواه البخاري من حديث الحسن البصري ، عن أبي بكرة قال : نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغه أن فارس ملكوا عليهم امرأة كسرى ، فقال : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن الحكم ، [ ص: 190 ] سمعت أبا وائل قال : لما بعث علي عمارا والحسن إلى الكوفة يستنفرهم ، خطب عمار فقال : إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ، لكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها . ورواه البخاري ، عن بندار ، عن غندر ، وهذا كله وقع في أيام الجمل ، وقد ندمت عائشة ، رضي الله عنها ، على ما كان من خروجها ، على ما سنورده في موضعه ، وكذلك الزبير بن العوام أيضا تذكر وهو واقف في المعركة أن قتاله في هذا الموطن ليس بصواب ، فرجع عن ذلك .

قال عبد الرزاق : أنا معمر ، عن قتادة قال : لما ولى الزبير يوم الجمل بلغ عليا ، فقال : لو كان ابن صفية يعلم أنه على حق ما ولى ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيهما في سقيفة بني ساعدة ، فقال : أتحبه يا زبير؟ " فقال : وما يمنعني؟ قال : " فكيف بك إذا قاتلته وأنت ظالم له؟ " قال : فيرون أنه إنما ولى لذلك وهذا مرسل من هذا الوجه . وقد أسنده الحافظ البيهقي من وجه آخر فقال : أنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ، ثنا أبو عمرو بن مطر ، أنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن سوار الهاشمي الكوفي ، ثنا منجاب بن الحارث ، ثنا عبد الله بن الأجلح ، ثنا أبي ، عن يزيد الفقير ، عن أبيه ، قال : وسمعت فضل بن فضالة يحدث أبي ، عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي ، عن أبيه ، دخل حديث أحدهما في حديث صاحبه ، قال : لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير ، ودنت الصفوف بعضها من بعض ، خرج علي وهو على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 191 ] فنادى : ادعوا لي الزبير بن العوام ، فإني علي . فدعي له الزبير فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما ، فقال علي : يا زبير ، ناشدتك بالله أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم مكان كذا وكذا فقال : " يا زبير ، تحب عليا؟ " فقلت : ألا أحب ابن خالي وابن عمي وعلى ديني؟ فقال : " يا علي ، أتحبه؟ " فقلت : يا رسول الله ، ألا أحب ابن عمتي وعلى ديني؟ فقال : " يا زبير أما والله لتقاتلنه وأنت ظالم له " فقال الزبير : بلى . والله لقد نسيته منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرته الآن ، والله لا أقاتلك . فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف ، فعرض له ابنه عبد الله بن الزبير فقال : مالك؟ فقال : ذكرني علي حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سمعته وهو يقول : " لتقاتلنه وأنت ظالم له " . فلا أقاتله . فقال : وللقتال جئت؟! إنما جئت تصلح بين الناس ، ويصلح الله هذا الأمر . قال : قد حلفت أن لا أقاتله . قال : فأعتق غلامك جرجس ، وقف حتى تصلح بين الناس . فأعتق غلامه ووقف ، فلما اختلف أمر الناس ذهب على فرسه .

قال البيهقي : وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا الإمام أبو الوليد ، ثنا الحسن بن سفيان ، ثنا قطن بن نسير ، ثنا جعفر بن سليمان ، ثنا عبد الله بن محمد الرقاشي ، ثنا جدي وهو عبد الملك بن مسلم ، عن أبي جروة المازني قال : سمعت عليا والزبير وعلي يقول له : ناشدتك الله يا زبير ، أما سمعت [ ص: 192 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنك تقاتلني وأنت لي ظالم؟ قال : بلى ولكني نسيت . وهذا غريب كالسياق الذي قبله .

وقد روى البيهقي من طريق الهذيل بن بلال ، وفيه ضعف ، عن عبد الرحمن بن مسعود العبدي ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سره أن ينظر إلى رجل يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان " . قلت : قتل زيد هذا في وقعة الجمل من ناحية علي

وثبت في " الصحيحين " من حديث همام بن منبه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان ، دعواهما واحدة ورواه البخاري أيضا ، عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة مثله ورواه البخاري أيضا ، عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة . وهاتان الفئتان هما أصحاب الجمل ، وأصحاب صفين . فإنهما جميعا يدعون إلى الإسلام ، وإنما يتنازعون في شيء من أمور الملك ، ومراعاة المصالح العائد نفعها على الأمة والرعايا ، وكان ترك القتال أولى من فعله ، كما هو مذهب جمهور الصحابة ، كما سنذكره .

[ ص: 193 ] وقال يعقوب بن سفيان : ثنا أبو اليمان ، ثنا صفوان بن عمرو قال : كان أهل الشام ستين ألفا ، فقتل منهم عشرون ألفا ، وكان أهل العراق مائة وعشرين ألفا ، فقتل منهم أربعون ألفا .

ولكن كان علي وأصحابه أدنى الطائفتين إلى الحق من أصحاب معاوية ، وأصحاب معاوية كانوا باغين عليهم ، كما ثبت في " صحيح مسلم " من حديث شعبة ، عن أبي مسلمة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : حدثني من هو خير مني - يعني أبا قتادة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار : " تقتلك الفئة الباغية " ورواه أيضا من حديث ابن علية ، عن ابن عون ، عن الحسن ، عن أمه ، عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تقتل عمارا الفئة الباغية وفي رواية : وقاتله في النار . وقد تقدم الحديث بطرقه عند بناء المسجد النبوي في أول الهجرة النبوية ، وما يزيده بعض الرافضة في هذا الحديث من قولهم بعد ذلك : لا أنالها الله شفاعتي يوم القيامة . فليس له أصل يعتمد عليه ، بل هو من اختلاق الروافض ، قبحهم الله .

وقد روى البيهقي من حديث أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، عن مولاة لعمار قالت : اشتكى عمار شكوى أرق منها ، فغشي عليه فأفاق ونحن نبكي حوله ، فقال ما تبكون؟ أتخشون أن أموت على فراشي؟ أخبرني [ ص: 194 ] حبيبي صلى الله عليه وسلم أنه تقتلني الفئة الباغية ، وأن آخر زادي من الدنيا مذقة من لبن

وقال الإمام أحمد : حدثني وكيع ، ثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البختري قال : قال عمار يوم صفين : ائتوني بشربة لبن ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن " . فشربها ثم تقدم فقتل .

وحدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن حبيب ، عن أبي البختري ، أن عمار بن ياسر أتي بشربة لبن فضحك وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي آخر شراب أشربه لبن حين أموت .

وروى البيهقي من حديث عمار الدهني ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن ابن مسعود ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق " . ومعلوم أن عمارا كان في جيش علي يوم صفين ، وقتله أصحاب معاوية من أهل الشام ، وكان الذي تولى قتله رجل يقال له : أبو الغادية . رجل من أفناد الناس ، وقيل : إنه صحابي . وقد ذكره أبو عمر بن عبد البر وغيره في أسماء الصحابة ، وهو أبو الغادية مسلم ، وقيل : يسار بن [ ص: 195 ] أزيهر الجهني من قضاعة . وقيل : مزني . وقيل : هما اثنان . سكن الشام ، ثم صار إلى واسط ، روى له أحمد حديثا ، وله عند غيره آخر ، قالوا : وهو قاتل عمار بن ياسر . وكان يذكر صفة قتله لعمار لا يتحاشى من ذلك ، وسنذكر ترجمته عند قتله لعمار أيام معاوية في وقعة صفين ، وأخطأ من قال : كان بدريا .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، ثنا العوام ، حدثني ابن مسعود ، عن حنظلة بن خويلد العنزي قال : بينا أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار ، يقول كل واحد منهما : أنا قتلته . فقال عبد الله بن عمرو : ليطب به أحدكما نفسا لصاحبه ، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " تقتله الفئة الباغية " . فقال معاوية : ألا تغني عنا مجنونك يا عمرو ! فما بالك معنا؟ قال : إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أطع أباك ما دام حيا ولا تعصه " فأنا معكم ولست أقاتل

وقال الإمام أحمد : ثنا أبو معاوية ، ثنا الأعمش ، عن عبد الرحمن بن زياد ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال : إني لأسير مع معاوية منصرفه من صفين بينه وبين عمرو بن العاص ، فقال عبد الله بن عمرو : يا أبت ، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار : " ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية " . قال : [ ص: 196 ] فقال عمرو لمعاوية : ألا تسمع ما يقول هذا؟ فقال معاوية : لا يزال يأتينا بهنة ، أو نحن قتلناه؟! إنما قتله الذين جاءوا به . ثم رواه أحمد عن أبي نعيم ، عن الثوري ، عن الأعمش ، عن عبد الرحمن بن أبي زياد ، فذكر مثله . فقول معاوية : إنما قتله من قدمه إلى سيوفنا . تأويل بعيد جدا ، إذ لو كان كذلك لكان أمير الجيش هو القاتل للذين يقتلون في سبيل الله ، حيث قدمهم إلى سيوف الأعداء .

وقال عبد الرزاق : أنا ابن عيينة ، أخبرني عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة قال : عمر لعبد الرحمن بن عوف : أما علمت أنا كنا نقرأ : وجاهدوا في الله حق جهاده [ الحج : 78 ] . في آخر الزمان ، كما جاهدتم في أوله . فقال عبد الرحمن بن عوف : ومتى ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال : إذا كان بنو أمية الأمراء ، وبنو المغيرة الوزراء ذكره البيهقي ها هنا ، وكأنه يستشهد به على ما عقد له الباب بعده من ذكر الحكمين وما كان من أمرهما ، فقال : باب ما جاء في إخباره صلى الله عليه وسلم عن الحكمين اللذين بعثا في زمن علي رضي الله عنه .

أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد الصفار ، ثنا إسماعيل بن [ ص: 197 ] الفضل ، ثنا قتيبة بن سعيد ، عن جرير ، عن زكريا بن يحيى ، عن عبد الله بن يزيد ، وحبيب بن يسار ، عن سويد بن غفلة قال : إني لأمشي مع علي بشط الفرات فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلا وأضلا ، وإن هذه الأمة ستختلف فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين ضلا وأضلا من اتبعهما هكذا أورده ولم يبين شيئا من أمره ، وهو حديث منكر جدا وآفته من زكريا بن يحيى هذا ، وهو الكندي الحميري الأعمى قال يحيى بن معين : ليس بشيء . والحكمان كانا من خيار الصحابة ، وهما عمرو بن العاص السهمي من جهة أهل الشام ، والثاني أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري ، من جهة أهل العراق ، وإنما نصبا ليصلحا بين الناس ويتفقا على أمر فيه رفق بالمسلمين ، وحقن لدمائهم ، وكذلك وقع ، ولم يضل بسببهما إلا فرقة الخوارج حيث أنكروا على الأميرين التحكيم ، وخرجوا عليهما وكفروهما ، حتى قاتلهم علي بن أبي طالب ، وناظرهم ابن عباس ، فرجع منهم شرذمة إلى الحق ، واستمر بقيتهم حتى قتل أكثرهم بالنهروان وغيره من المواقف المرذولة عليهم ، كما سنذكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية