صفحة جزء
[ ص: 198 ] ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم عن خروج الخوارج وقتالهم وعلاماتهم بالرجل المخدج ذي الثدية ، فوجد ذلك في خلافة علي بن أبي طالب

قال البخاري : ثنا أبو اليمان ، ثنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا سعيد الخدري قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما ، أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم ، فقال : يا رسول الله ، اعدل . فقال : " ويلك ، ومن يعدل إذ لم أعدل ، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل " . فقال عمر : يا رسول الله ، ائذن لي فيه فأضرب عنقه . فقال " دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى نضيه ، وهو قدحه ، فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قذذه فلا [ ص: 199 ] يوجد فيه شيء ، قد سبق الفرث والدم ، آيتهم رجل أسود ، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر ، ويخرجون على حين فرقة من الناس " قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه ، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به ، حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعته . وهكذا رواه مسلم من حديث أبي سعيد . ورواه البخاري أيضا من حديث الأوزاعي ، عن الزهري ، عن أبي سلمة والضحاك المشرقي ، عن أبي سعيد ، وأخرجه البخاري أيضا من حديث سفيان بن سعيد الثوري ، عن أبيه ، ومسلم عن هناد ، عن أبي الأحوص سلام بن سليم ، عن سعيد بن مسروق ، عن عبد الرحمن بن أبي نعم ، عن أبي سعيد الخدري به .

وقد روى مسلم في " صحيحه " من حديث داود بن أبي هند والقاسم بن الفضل وقتادة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تمرق [ ص: 200 ] مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق ورواه أيضا من حديث أبي إسحاق الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن الضحاك المشرقي ، عن أبي سعيد مرفوعا .

وروى مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن ابن مسهر ، عن الشيباني ، عن يسير بن عمرو قال : سألت سهل بن حنيف : هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر هؤلاء الخوارج؟ فقال : سمعته . وأشار بيده نحو المشرق ، وفي رواية : نحو العراق " يخرج قوم يقرءون القرآن بألسنتهم لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، محلقة رءوسهم " وروى مسلم من حديث حميد بن هلال ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر نحوه ، وقال : " شر الخلق والخليقة " . وكذلك رواه محمد بن كثير المصيصي ، عن الأوزاعي ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك مرفوعا ، وقال : " سيماهم التحليق ، شر الخلق والخليقة " .

[ ص: 201 ] وفي " الصحيحين " من حديث الأعمش ، عن خيثمة ، عن سويد بن غفلة ، عن علي ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يخرج قوم في آخر الزمان حدثاء الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البرية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة " وقد روى مسلم عن قتيبة ، عن حماد ، عن أيوب ، عن محمد ، عن عبيدة ، عن علي في خبر مودن اليد ، وهو ذو الثدية . وأسنده من وجه آخر ، عن ابن عون ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، عن علي ، وفيه أنه حلف عليا على ذلك ، فحلف له أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورواه مسلم عن عبد بن حميد ، عن عبد الرزاق ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سلمة ، عن زيد بن وهب ، عن علي بالقصة مطولة ، وفيه قصة ذي الثدية . ورواه من حديث عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي ورواه أبو داود الطيالسي ، عن حماد بن زيد ، عن جميل [ ص: 202 ] بن مرة ، عن أبي الوضئ السحتني ، عن علي ، في قصة ذي الثدية . ورواه الثوري عن محمد بن قيس ، عن أبي موسى رجل من قومه ، عن علي بالقصة .

وقال يعقوب بن سفيان : ثنا الحميدي ، ثنا سفيان ، حدثني العلاء بن أبي العباس ، أنه سمع أبا الطفيل يحدث عن بكر بن قرواش ، عن سعد بن أبي وقاص قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الثدية فقال : " شيطان الردهة كراعي الخيل ، يحتدره رجل من بجيلة يقال له : الأشهب . أو ابن الأشهب . علامة في قوم ظلمة " قال سفيان : فأخبرني عمار الدهني أنه جاء به رجل منهم يقال له : الأشهب . أو ابن الأشهب .

قال يعقوب بن سفيان : وحدثنا عبيد الله بن معاذ ، عن أبيه ، عن [ ص: 203 ] شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن حامد الهمداني ، سمعت سعد بن مالك يقول : قتل علي بن أبي طالب شيطان الردهة . يعني المخدج . يريد ، والله أعلم ، قتله أصحاب علي .

وقال علي بن عياش ، عن حبيب ، عن سلمة قال : قال علي : لقد علمت عائشة أن جيش المروة وأهل النهروان ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم . قال ابن عياش : جيش المروة قتله عثمان . رواه البيهقي .

ثم قال البيهقي : أنا الحاكم ، أنا الأصم ، ثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله " . فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله؟ قال : " لا " . فقال عمر : أنا هو يا رسول الله؟ قال : " لا ، ولكن خاصف النعل " . يعني عليا .

وقال يعقوب بن سفيان ، عن عبيد الله بن معاذ ، عن أبيه ، عن عمران بن حدير ، عن لاحق قال : كان الذين خرجوا على علي بالنهروان أربعة آلاف في [ ص: 204 ] الحديد ، فركبهم المسلمون فقتلوهم ، ولم يقتلوا من المسلمين إلا تسعة رهط ، وإن شئت فاذهب إلى أبي برزة فإنه قد شهد ذلك .

قلت : الأخبار بقتال الخوارج متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم; لأن ذلك من طرق تفيد القطع عند أئمة هذا الشأن ، ووقوع ذلك في زمان علي معلوم ضرورة لأهل العلم قاطبة ، وأما كيفية خروجهم وسببه ومناظرة ابن عباس لهم في ذلك ورجوع كثير منهم إليه ، فسيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية